فيصل عباس في مقاله:
لا بد لنا كعرب أن نأخذ في الحسبان قصة النجاح المتبلورة في الشرق بدلا من الغرب
عانى كل من العرب والكوريين من الاستعمار مع بزوغ القرن العشرين وفي كلتا الحالتين آلت معارك التحرر والاستقلال إلى مزيد من الانقسام الداخلي والتخبط الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي
بخلافنا تمكن الكوريون الجنوبيون من النجاح بينما نحن ما زلنا نعيش في حال مزرية على المستويين السياسي والاقتصادي فكوريا الجنوبية أصبحت دولة مستقرة وجمهورية تتبع النظام الرئاسي
عدت للتو من سيول، حيث عقد المنتدى السنوي العاشر للتعاون بين كوريا والشرق الأوسط، ولا يسعني إلا أن أقول إنني عدت أكثر اقتناعا من أي وقت مضى بأنه لا بد لنا كعرب أن نأخذ في الحسبان قصة النجاح المتبلورة في الشرق، بدلا من الغرب. لا أقول ذلك من منطلق الانتقاص من تجربة الغرب، الذي لا يسعني سوى أن أرفع قبعتي احتراما له، خصوصا عندما نأخذ في عين الاعتبار الإنجازات التي حققها في مجال حقوق الإنسان وقيم الديمقراطية وحرية التعبير. لكن كل ذلك لا ينفي كون "الشارع العربي"، والعديد من القادة العرب، مصابين بخيبة أمل من الإخفاقات المتواصلة لدول الغرب في مجال السياسة الخارجية (وكان آخر هذه الإخفاقات وأبرزها، الفشل المستمر في التعامل مع الأزمة السورية).
كوريا الجنوبية
لذلك أقول إنه يمكننا – ويجب علينا – كعرب أن نتقارب أكثر مع دولة ناجحة مثل كوريا الجنوبية. فالواقع يثبت وجود كثير من التشابه بين تاريخنا وتاريخها، ويمكننا أن نكتشف تشابها كبيرا بين نظرتها ونظرتنا إلى العديد من القضايا. فقد عانى كل من العرب والكوريين من الاستعمار مع بزوغ القرن العشرين، وفي كلتا الحالتين آلت معارك التحرر والاستقلال إلى مزيد من الانقسام الداخلي والتخبط الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي. وبعد الحرب العالمية الثانية، انقسم كل من العرب والكوريين بين مؤيدين للشيوعية ومؤيدين للغرب. وفي الحالة الكورية ترجم هذا الانقسام بشكل جلي عندما تم تقسيم شبه الجزيرة الكورية بين كوريا الشمالية الشيوعية وبين كوريا الجنوبية الموالية للغرب، وهو انقسام تكرس كحل ينهي حرب طاحنة بين الكوريتين استمرت ثلاث سنوات في خمسينيات القرن الماضي. لكن الأهم هو ما قام به الكوريون الجنوبيون بعد التقسيم، وهو ما يتوجب على العرب التنبه إليه وربما، على ما أتمنى، أن يتعلموا منه.
بداية واحدة.. نتائج مختلفة
مثلنا نحن لم يكن لدى الكوريين تجربة عريقة في الديمقراطية ولا في إدارة الحكم بطريقة عصرية. مثلنا أيضا كانوا متأخرين جدا عن الغرب في مجال التنمية الاقتصادية والصناعية، وكان على الكوريين بذل جهود مضنية للحاق بالغرب. ولكن، بخلافنا، تمكن الكوريون الجنوبيون من النجاح بينما نحن ما زلنا نعيش في حال مزرية، على المستويين السياسي والاقتصادي. فكوريا الجنوبية أصبحت دولة مستقرة وجمهورية تتبع النظام الرئاسي، بعد أن قامت حكومة مدنية وأنهت الحكم العسكري في عام 1987. ولا تعد الرئيسة الحالية، بارك جوين-هاي، أول امرأة تتولى هذا المنصب وحسب، بل إنها أول امرأة تتبوأ منصب رئيسة للجمهورية في التاريخ الحديث في شمال شرق آسيا.
أما في المقلب الآخر، مع الأسف، فإن فكرة إجراء انتخابات حرة في معظم الدول العربية ما زالت حلما بعيد المنال، فكيف بالتالي إذا أردنا أن نفكر في احتمال وصول امرأة منتخبة إلى سدة الرئاسة؟ (المضحك المبكي هو أننا نتحدث عن منطقة لا تزال تتسامح مع قتل المرأة إذا تمت هذه الجريمة تحت مسمى جريمة الشرف، في حين يمانع البعض كذلك قيادة المرأة للسيارة).
الصعيد الاقتصادي
وعلى الصعيد الاقتصادي، تعد كوريا الجنوبية قوة اقتصادية لا يمكن الاستهانة بها. فهي تشكل رابع دولة في آسيا من حيث حجم الاقتصاد، وهي في المرتبة الخامسة عشرة عالميا من حيث الناتج القومي المحلي الاسمي والثانية عشرة من حيث القدرة الشرائية. ولا يسع المرء سوى أن يبدي انبهاره حين يعلم أن كوريا الجنوبية، تلك الدولة التي مزقتها الحروب الخارجية والحرب الأهلية، وعاشت طويلا على المساعدات الدولية، تحولت من دولة متلقية للمساعدات إلى دولة مانحة حيث بلغ حجم المساعدات التي قدمتها في عام 2010 حوالي مليار و200 مليون دولار وتطمح إلى مضاعفة هذا المبلغ في السنوات المقبلة.
أما في الجهة المقابلة، فإنه من المؤسف أن نرى أن النمو الوحيد الذي تشهده منطقتنا العربية (إذا استثنينا النمو الاقتصادي في الدول النفطية بمجلس التعاون الخليجي) يتمثل في عدد الدول التي تحتاج إلى مساعدات دولية لتحافظ على مقومات بقائها. وهذا يتضمن سوريا، على سبيل المثال، حيث الأزمة المستمرة بسبب طريقة تعامل نظام الأسد منذ عام 2011 مع التظاهرات المطالبة بالديمقراطية، التي أدت إلى سقوط 14 ألف قتيل وإلى نزوح الملايين بحثا عن المأكل والمشرب والمأوى، وكذلك اليمن، حيث إن حل مسألة النقص في الطعام أصبح فعليا مسألة حياة أو موت.
أما ما يزيدك احتراما للكوريين الجنوبيين، فهي الطريقة التي تعايشوا فيها مع الحداثة، مع محافظتهم على تقاليدهم واعتزازهم بها. وتكتسب هذه النقطة بالذات أهمية قصوى وحساسية خاصة في الشرق الأوسط، وأعتقد أن دراسة النموذج الكوري من شأنه أن يعطي الإجابات الشافية للمتطرفين الذين يعارضون الحداثة باسم حماية الدين والمحافظة على التقاليد.
يضاف إلى ذلك أنه، خلافا للدول الغربية، فإن الكوريين – على الرغم من إنجازاتهم المتعددة - ينظرون إلى العرب نظرة إعجاب واحترام، ويبدون اهتماما كبيرا بهم.
الحكومات العربية
فالمسؤولون والصحافيون والباحثون الأكاديميون يتطلعون إلى التعامل معنا كشركاء محتملين، لا كتابعين. ولا شيء يمكنه أن يبلور هذه الفكرة أفضل مما قاله وزير الخارجية الكوري يون باينوغ-سي خلال مداخلته أمام 100 مشارك في منتدى التعاون خلال الأسبوع الماضي: "ما كان في الماضي علاقة اختيارية أصبح الآن علاقة حاجة". وإذا كانت كوريا تقول إنها تحتاج إلى إرساء علاقاتها مع العرب، فإنه يتوجب علينا أن نستثمر أكثر في سبيل التواصل مع الكوريين وتعزيز علاقاتنا مع جمهورية كوريا. وفي هذا السياق، لا بد لنا من أن نتذكر أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد اختارت تحالفا كورياً لبناء أربعة مفاعلات نووية وأن مزيدا من الشركات الكورية تفوز بعقود في مجال الصناعات الثقيلة في المنطقة.
لكن هذا لا يكفي، فعلى الحكومات العربية والمستثمرين العرب أن يستثمروا في الشركات الكورية على اعتبار أن عمليات الدمج والاستحواذ تشكل الطريقة الفضلى لنقل المعرفة إلينا (وهو ما نحتاج إليه من دون أدنى شك).
وعلينا أن نمضي خطوات إضافية أيضا، حيث إنه يجب علينا أن نكون أكثر التزاما بإعلان دعمنا لسيول. فعلى غرار مشكلتنا مع إيران، تعاني كوريا الجنوبية من التهديدات النووية لكوريا الشمالية، ومن حق كوريا الجنوبية، كما هو من حقنا أن تعيش بسلام بعيدا عن هذه التهديدات.
نقلا عن العربية
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net