الأب زاهر عبود في مقاله:
موقع هذه المدينة وإمكانيّاتها جعل نسيجها السكاني مميّزا جدّا ومختلفا عن مناطق أخرى كثيرة
عندما وصلت الى يافة شعرتُ أنّني أصل مدينتي وأخاطب أهلي وأقاربي لازمني شعور بأنّني اعرفكم جميعا منذ زمن بعيد لم أشعر بالغربة بينكم وكيف يكون غريبا مَنْ يعيش بين أهله وأحبّائه؟
نحنُ كأولياء أمور وكأهل نساهم في طمس هويّة ابنائنا حينما نختار لهم مدارس يهوديّة تعجز عن تنميّة وتعزيز انتمائهم لجماعتهم وبيئتهم ونخلق عند الناشئين من ابنائنا أزمة في الهويّة
أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء في الربّ يسوع المسيح، سلام ومحبة، مع إطلالة الأعياد المجيدة علينا رأيت أنّه من الواجب عليّ أن أقدّم لكل فرد منكم بطاقة معايدة قلبيّة. وقد صليّت للربّ كثيرا ولم أدّخر جهدا في التفكير، ماذا عساني أقول في رسالتي الأولى لكم ككاهن رعيّة جديد. فمنذ وصلتُ إلى هذه المدينة الطيّبة العريقة بعد أن انتدبتني حراسة الأراضي المقدّسة في تموز الماضي كاهنا خادما للرعيّة ومديرا للمدرسة، شعرتُ أنّني أصل مدينتي وأخاطب أهلي وأقاربي، لازمني شعور بأنّني اعرفكم جميعا منذ زمن بعيد، لم أشعر بالغربة بينكم، وكيف يكون غريبا مَنْ يعيش بين أهله وأحبّائه؟ إنّها فرصة طيّبة كي أشكر لكم محبّتكم وكرمكم. وبعد مرور أربعة أشهر على وصولي إلى يافا يراودني سؤال كيف أرى رعيّتها وماذا أحمل لها؟ لا يخفى على أحد أن موقع هذه المدينة وإمكانيّاتها جعل نسيجها السكاني مميّزا جدّا ومختلفا عن مناطق أخرى كثيرة، فالرعيّة عبارة عن خليط إثنيّ قوميّ، هناك المسيحيّون العرب وهناك المسيحيّون الأجانب المغتربون، الذين جاءوا يبحثون عن العيش الكريم.
طمس هويّة ابنائنا
لهم ميزاتهم وحضاراتهم واحتياجاتهم الخاصّة جدّا والمختلفة عنّا. فلنتذكّر أيّها الأخوة أنّ كلّ خدمة نقدّمها لهؤلاء المغتربين إنّما نقدّمها للربّ المتألّم والمغترب فيهم "كلّما صنعتم شيئاً من ذلك لواحدٍ من إخوتي هؤلاءِ الصغار، فلي قد صنعتموه". (متى 25: 40) هناك واقع آخر وتحدٍ كبير تواجهه رعيّتنا في يافا ألا وهو واقع الشباب وأزمة الهويّة. ليس من السهل على شبابنا في ظلّ هذا الواقع المركّب الّذي نعيشه أن يعرّفوا أنفسهم تعريفا واضحا دقيقا لا لبس فيه: مَن أنا ومَن أكون؟ عربيّ أم إسرائيليّ أم ماذا؟
حينما نعجز عن الإجابة نقول باختصار: "أنا شابّ مسيحيّ"، وبذلك نطمس بوعيّ أو دون وعيّ منّا تاريخا وحضارة عمرها آلاف السنين وإرثا ثقافيّا غنيّا توارثناه من الأجيال السابقة.
ونحنُ كأولياء أمور وكأهل نساهم في طمس هويّة ابنائنا حينما نختار لهم مدارس يهوديّة تعجز عن تنميّة وتعزيز انتمائهم لجماعتهم وبيئتهم. ونخلق عند الناشئين من ابنائنا أزمة في الهويّة. كما أنّ واقع الأسر وخاصّة الأسرّ الشابّة ليس بأفضل من واقع شبابنا.
الحقّ في المحبّة والحماية والأمان
"وكان الطفل يتقدّم بالقامة والنعمة أمام الله والناس" (لو 2: 52)، إنّها الرسالة الواضحة لكلّ عائلة من عائلاتنا أن تقتدي بعائلة الناصرة وتسير على خطاها، ففي مثلها ينمو ويترعرع أطفالنا بالنعمة والقامة. غير أنّ واقعنا اليوم بعيد كلّ البعد عن هذه القدوة، بخصوماتنا وانشغالنا بأنفسنا حرمنا أطفالنا من حقوقهم الأساسيّة والأولّية، الحقّ في المحبّة والحماية والأمان. في زيارة لأحد الزعماء لمدينة بيت لحم مرّ بجانب مغارة الشهداء الأطفال الذين قتلهم هيرودوس وسأل: هل مات هيرودوس فعلا أم ما زال موجودا بيننا، يهدّد ويقتل الأطفال؟" فلو نظرنا حولنا وأحصينا عدد الأطفال الّذين بسبب النزاعات الأسريّة يعيشون في أسر أحاديّة، أو في كنف أجدادهم وجدّاتهم، لو أعدنا النظر في التأثيرات النفسيّة والروحيّة لهذه النزاعات على هؤلاء الأطفال، لو أحصينا الأطفال الّذين تمّ إجهاضهم في رحم أمهاتهم سوف نتساءل بحزن وأسى: مَن هو هيرودوس اليوم؟ أخشى أن يكون هيرودوس أحد والديه! عيد الميلاد أيّها الإخوة والأخوات هو عيد فرح " إنّي أبشركم بفرح عظيم" هو عيد سلام "سلام في الأرض للناس أهل رضاه" ( لوقا 2: 14). سلام في الأرض لكل الناس، سلام عدل ومحبة، سلام ينزع الخوف من القلوب ويضيء بنوره ظلمة وظلم القلوب. فلنسعى أيّها الإخوة والأخوات لأن نكون دائما من أهل رضاه. ماذا احمل اليكم؟ لقد جئتكم من الناصرة كما ذهبت مريم أم الله قبل ألفي سنة إلى نسيبتها إليصابات تحمل إليها الفرح، تحمل إليها يسوع. "ما إن وقع صوت سلامك في أذني حتى ارتكض الجنين ابتهاجا في أحشائي" ( لوقا 1: 41). جئتكم أحمل يسوع وأريد أن أذهب معكم وألجأ الى قلب يسوع، فمنه ومعه وبه كل تعزية، من خلاله نعيش الفرح الإلهي ونكتشف هويتنا الحقيقية التي من خلالها نشهد له أمام الناس رغم كل التحديات.
الأب زاهر عبود كاهن الرعية
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net