امتازت الدكتورة روضة بقدرتها على ترجمة الرؤية الفكرية التي حملتها وآمنت بها من خلال نشاطها السياسيّ
امتازت الدكتورة روضة بشخصية قويّة وكريزماتيّة آسرة أثّرت على كل المحيطين بها من عائلة ورفاق في العمل الوطنيّ والمدنيّ والثقافيّ
وصل الى موقع العرب بيان من جمعية الثقافة العربية عن حياة د.روضة عطالله، جاء فيه: ولدت د. روضة بشارة - عطا الله في الناصرة عام 1953، وتخرّجت من المدرسة المعمدانيّة فيها عام 1971. درست في أكاديمية طب الأسنان في صوفيا وتخرّجت منها عام 1979 لتكون أول طبيبة أسنان عربية في الداخل.
دورها
لعبت د. روضة عطا الله دورًا اجتماعيًا ووطنيًا وثقافيًا رياديًا منذ مطلع الثمانينات حيث شاركت في إقامة وتأسيس أول حضانة أطفال في المجتمع العربيّ في سنة 1980، كما عملت مديرة مدرسة مساعدي أطباء الأسنان 1985-1992.
برز الدور السياسيّ الوطنيّ لد. روضة عطا الله من خلال عضويتها للّجنة المركزيّة والمكتب السياسيّ للتجمع الوطنيّ الديمقراطيّ، كما شغلت د. روضة خلال الأعوام 2000-2003 و2005-2013 منصب مديرة جمعيّة الثّقافة العربيّة نفّذت خلاله عشرات المشاريع الهادفة إلى الحفاظ على الهويّة الوطنيّة والثقافيّة واللّغة العربيّة ونشر الفكر الديمقراطيّ.
شخصيتها
امتازت الدكتورة روضة بشخصية قويّة وكريزماتيّة آسرة أثّرت على كل المحيطين بها من عائلة ورفاق في العمل الوطنيّ والمدنيّ والثقافيّ؛ شخصية تصعب إحاطتها ووصف جوانبها وغناها. شخصية معطاءة نشيطة تعمل وتتطوع بلا كلل، لم يكن في قاموسها مصطلح "ساعة إنهاء العمل"، وقد ظلّت تعمل حتى آخر أيامها رغم مرضها ومعاناتها منه. كما أنّها كانت شخصية حاضنة، مُحّبة وداعمة ومحفِّزة، خصوصًا للشباب والمبدعين والمثقفين، وشخصية حازمة في اتخاذ القرارات والتنظيم.
بالفكر والعمل
كما امتازت الدكتورة روضة بقدرتها على ترجمة الرؤية الفكرية التي حملتها وآمنت بها من خلال نشاطها السياسيّ وعملها المؤسساتيّ. استند نهجها إلى فكرة أنّ عملية تشكيل الوعي هو عمليًا تغيير الواقع، وأنّ صقل الهويّة الجماعيّة القوميّة والوطنيّة للفرد، على أسس وقيم إنسانيّة ومعرفة، هو شرط بناء المجتمع الحديث، وعلى هذا الأساس أنشأت مشروعها، وعليه أيضًا التقى في فكرها وعملها السياسيّ مع الثقافيّ.
مفهومها للثقافة
كان مفهوم الثّقافة الذي اعتمدته الدكتورة روضة في رؤيتها مفهومًا حداثيًا شاملاً يعبّر عن الموروث الثقافي الماديّ والروحيّ والمعرفيّ للأمّة والشعب وعن الإبداع المعاصر في مواجهة الواقع؛ اعتبرت اللّغة محور الثّقافة ومركزها، ورأت بالموسيقى والأدب والعمارة والفكر السياسي والتأريخ والسينما والتصوير الفوتوغرافيّ كلّها أدوات إبداعيّة ومعرفيّة للتعبير عن هويّة الإنسان والمعنى الذي يعطيه لوجوده الفرديّ والجماعيّ. وقد رأت أنّه في حالة الفلسطينيين في الداخل يكون الحفاظ على الهويّة الثّقافيّة هو حفاظ على الوجود الجماعيّ، لأنّ أساس الهويّة العربيّة هو الجامع الثقافيّ، وفي مركزه اللّغة، وأساس الهويّة الفلسطينيّة هو الوعي السياسيّ بالقضية وتاريخها والانتماء الوجدانيّ للشعب والوطن.
إنجازاتها
ترجّمت الدكتورة روضة رؤيتها، منذ توليها إدارة وقيادة جمعيّة الثّقافة العربيّة في العام 2000 ومن خلال مسؤولياتها المختلفة في حزب التجمع الوطنيّ الديمقراطيّ، إلى إنجازات عمليّة ومشاريع ثقافيّة وتربويّة ومجتمعيّة وسياسيّة، واضعة جلّ اهتمامها في جيل الشباب والناشئة، إلى جانب النخب الثقافيّة من أدباء وفنانين وأكاديميّين وباحثين.
ارتبطت المشاريع المختلفة التي بادرت إليها الدكتورة روضة بالهويّة والعلاقة بينها وبين مكوّنات الثقّافة، وامتازت هذه المشاريع بالطلائعيّة والاختلاف عن السائد. ومن أبرز المشاريع التي قادتها الدكتورة في السنوات الأخيرة كان مشاريع "المناهج والهويّة" التي كشفت من خلال أبحاثها التشويه اللّغوي والمضامينيّ في مناهج التدريس، وأكّدت أهمية نيل الاستقلاليّة الثّقافيّة.
وأنجزت كذلك مشروع المنح الدراسيّة الذي قدّمت من خلاله، منذ العام 2007، مئات المنح للطلاب الجامعيّين وتضمّن أنشطة التطوع والتثقيف على الهويّة الوطنيّة والرواية التاريخيّة والموروث الثقافيّ العربيّ، والذي يهدف إلى خلق إنسان أكاديميّ مثقف ومنتمٍ ومعطاء وليس صاحب شهادة منعزل عن شعبه وقضيته. بالإضافة لمشروع التمكين الشبابيّ لبناء القيادات الشابة الواعية صاحبة التفكير النقديّ والقدرة على إحداث التغيير المجتمعيّ ومواجهة العنصريّة.
واهتمت الدكتورة بنشر ما أطلقت عليه "معرفة الوطن" من خلال تنظيم "رحلات إلى الجذور" في ذكرى النكبة، وإصدار كتاب والموقع الإلكترونيّ "وتشهد الجذور" الذي يوثّق بالخرائط والصور والمعلومات الوطن السليب، وتنظيم المخيم الصيفيّ "هذه بلادي" الذي عرّف كل سنة خمسين طالبًا وطالبة ثانويّين على بلادنا.
وأولت الدكتورة روضة اهتمامًا بالغًا باللّغة والأدب، رافعة شعار "لغتي هويتي"، حيث نظّمت مؤتمرات وندوات حول أزمة تدريس العربيّة، ودورات للمعلمين والإعلاميّين في اللّغة العربيّة، وبادرت إلى صياغة واقتراح قانون يفرض استخدام اللّغة العربيّة على اللافتات في البلدات العربيّة. كما نظّمت مهرجان "لغتي هويتي" الثقافيّ الفنيّ في عكا لنشر الوعي الجماهيريّ حول مكانة اللّغة ومخاطر العبرنة. كما داومت الجمعيّة على تنظيم "الصالون الأدبيّ" الذي استضاف الأدباء والمبدعين الفلسطينيّين والعرب وسلّط الضوء على إنتاجات الحركة الأدبيّة المعاصرة، وفي السنتين الأخيرتين نظّمت مسابقة "وخير جليس" للطلاب الثانويّين حول الأدب الفلسطينيّ والعربيّ.
كذلك أقامت الجمعيّة منتدى المعماريّين ونظّمت ضمنه مؤتمرات وندوات ودورة "العمارة والهويّة" التي تناولت موضوعة العمارة بكافة جوانبها، وشملت تواصلا مع العالم العربيّ من خلال رحل تثقيفيّة إلى بلدان عربيّة مثل مصر والأردن.
اهتمت الدكتورة روضة عطا الله أيضًا بالفنون؛ بالموسيقى حيث أقامت فرقة وجوقة "ليالي الشرق"، وبالسينما حيث نظّمت مهرجان السينما الفلسطينيّ، وبالتصوير الفوتوغرافيّ حيث نظّمت مسابقة "ومضات" للتصوير، وبفنون الحرف اليدويّة التي أقامتها إلى معارضها إلى جانب مهرجانات إحياء ذكرى النكبة.
في السنوات الأخيرة، نجحت مساعي الدكتورة في تجنيد الدعم ووضع الأسس والمخطط المعماريّ لإقامة المركز الثقافي العربي المتعدّد الأهداف في مدينة حيفا، والذي اعتبرته حلمها ومشروعها الكبير، وسعت حتى آخر أيامها لإطلاقه حتى يكون مركز الحركة الثقافيّة ويوفّر البنيّة العصريّة والمكان اللائق للفعاليات والأنشطة الثقافيّة والفنيّة، ليعود بمرافقه المتعدّدة ورؤيته الوطنيّة بالفائدة على المجتمع الفلسطينيّ في الداخل على مختلف أطيافه وانتماءاته.
على المستوى السياسيّ، لعبت الدكتورة روضة دورًا مركزيًا كعضو في اللجنة المركزيّة والمكتب السياسيّ للتجمع، وكمديرة ومنظّمة لمخيمات "الهويّة" الصيفيّة ومسؤولة عن الحركة الطلابيّة وعن تنظيم المهرجانات الجماهيريّة للحزب، كما أدارت الحملة الانتخابيّة في الانتخابات البرلمانيّة 2009.
يحتاج سرد منجزات الدكتورة روضة عطا الله إلى سجّل ضخم حتى يفيها حقّها، وقد أخذت جمعيّة الثّقافة العربيّة على عاتقها، ومعها رفاق الدكتورة روضة في الحزب ومحبيها، ترسيخ إرثها وتخليد ذكراها والاستمرار على دربها.