د. أنس سليمان أحمد في مقاله:
الناظر إلى واقع الأمة المعاصر يجد أن الشركات المساهمة تحقق نفعاً عاماً لمجموع الأمة وذلك على صعيد الاقتصاد الكلي والجزئي من خلال إنتاج السلع التي يحتاجها الناس ووصولاً إلى الإكتفاء الذاتي وإيجاد فرص العمل وعدم تكدس رأس المال المنتج
كثرت الأسئلة وتعددت في حكم الشرع من دخول المستثمر معترك الحياة المالية من خلال الأسواق المالية (البورصة)، ولذا كان من الواجب بحث هذا الموضوع من المنظور الاقتصادي والمنظور الشرعي.
إنَّ موضوع الأسواق المالية (البورصة) وتطورها على مستوى العالم ، خطوة مهمة في تطوير اقتصاد العالم أجمع، حيث تمثل هذه الأسواق عنصراً فاعلاً في النظام المالي، وتوفر بدورها إطاراً عاماً، ومكاناً محدداً في أغلب الأحيان لتلاقي المتعاملين وتبادل الصفقات المالية. وكذلك فإنها تمثل عنصراً أساسياً في النظام المالي، حيث يتم بداخلها تداول الأوراق المالية على إختلاف درجاتها، وكذلك تبادل السلع والخدمات والمنافع المختلفة، حتى غدت تلك الأسواق المالية، الوسيلة الفعالة لتنظيم تدفق رؤوس الأموال، حيث توجد حاجة إليها، وقدرة على استعمالها، ومجالاً مهماً وخصباً لجذب المدخرين، حيث تتعدد المجالات أمامهم، فيمكنهم من خلال تلك الأسواق الاستثمار في الأسهم، بغرض الحصول على ريعها.
وتؤدي الأسواق المالية (البورصة)، دوراً مهماً في الحياة البشرية بشكل عام، وفي الحياة الاقتصادية بشكل خاص، للأفراد والجماعات والاقتصاد القومي، ومما يدل على أهمية هذه الأسواق هو ما تضطلع به من وظائف تخدم الاقتصاد الكلي والجزئي، من تنمية واستثمار وتسييل للأوراق المالية .
وإذا كانت الأسواق المالية (البورصة) في عصرنا الحاضر وواقعنا المعاصر، عبارة عن تحقيق لمقاصد الشرعية الخاصة بحفظ المال وتنميته، من خلال تطوير الأعمال التجارية والاقتصادية، التي هي شريان الحياة لكل المجتمعات المتقدمة، فالمجتمع البشري عامة، والمسلمون خاصة، بحاجة ماسة إلى الأسواق المالية (البورصة)، وتنظيمها، وضبطها لسد الحاجات الاستثمارية.
من خلال أهمية هذه الأسواق واجابياتها على الاقتصاد القومي والعالمي بشقيه الكلي والجزئي، وما تشكله من عنصر فعّال لا غنى عنه للنظام المالي العالمي، أصبح تكاثر الأسواق المالية وتطورها في أي دولة أو إقليم، يعد دالة على تقدم تلك الدولة أو ذلك الإقليم إقتصادياً ومالياً، وكان لا بد للأسواق المالية اليوم، أن تحتل الصدارة في أولوية الحكومات والشعوب على حد سواء، ومما لا ريب فيه، أن الاقتصاد اليوم هو الوجه الأبرز للتعاملات الدولية عبر العالم، إذ غدا العالم قرية كونية واحدة، تجمعها المصالح، وخاصة الاقتصادية منها، وتجمعها وسائل الاتصال المتطورة كذلك يوماً بعد يوم، لذا كان لزاماً علينا العمل على تثقيف وتوعية المستثمرين والمضاربين في الأسواق المالية (البورصة)، للعمل في هذه الاسواق وفق الشريعة الإسلامية .
وسأبدأ حديثي عن مفهوم الشركات المساهمة، تلك الشركات المدرجة في البورصات العالمية والمحلية..
الشركات المساهمة المدرجة في أسواق البورصة
إنَّ من أهم موضوعات الاقتصاد في العصر الحديث الشركات المساهمة، التي يتزايد دورها في الحياة الاقتصادية مع مرور الأيام وتوالي الأزمان، وتعد هذه الشركات، ركيزة أساسية من ركائز التنمية في الاقتصاد العالمي، وتضطلع بدور كبير في بناء اقتصاديات الدول والشعوب وتقدمها، ويعد أداؤها من أهم المؤشرات الاقتصادية، وتطورها هو دليل عافية الاقتصاد وتقدمه، وذلك من خلال ما تملكه من آلية إصدار الأسهم وتداولها، والتي من خلالها يتم التوفيق بين متطلبات المستثمرين وحاجتهم للتمويل اللازم لبناء مشروعات ضخمة، لا يمكن للأفراد القيام به منفردين، وكذلك حاجة المدخرين لاستثمار أموالهم.
إنّ الشراكة بين رأس المال، والجهد، والإدارة، والخبرة، تؤتي أُكلها من خلال ضخ المزيد من الاستثمارات في اقتصاد الأمة، مما يوفر الحياة الكريمة لأفرادها، والمنعة والاستقلال وملك القرار لها، وغير خاف على كل ذي لب، أن من يملك الغذاء يملك القرار.
والناظر إلى واقع الأمة المعاصر، يجد أن الشركات المساهمة تحقق نفعاً عاماً لمجموع الأمة، وذلك على صعيد الاقتصاد الكلي والجزئي، من خلال إنتاج السلع التي يحتاجها الناس، ووصولاً إلى الإكتفاء الذاتي، وإيجاد فرص العمل، وعدم تكدس رأس المال المنتج، فيدور المال ويعمل ويتحول إلى شركات ومصانع وآلات إنتاجية، ترفع من سوية الفرد بالعمل ومحاربة الفقر، وكذلك ترفع من سوية المجتمع بتدوير المال وإستثماره، وتحقيق الكفاية الذاتية للسلعة التي يساهم المال في إنتاجها.
وقبل الولوج في مسألة حكم المشاركة الشركات المدرجة في سوق المال، لا بد لنا من إطلالة يسيرة، نتناول فيها مفهوم الأسهم، ومفهوم الشركات المساهمة.
أولاً: مفهوم الأسهم
لقد اجتهد الاقتصاديون وكُتاب القانون التجاري وغيرهم في إيجاد تعريف للسهم، وبالرغم من الاختلاف اللفظي بينهم في تعريفها، إلا أن هذه التعريفات تبدو متقاربة وإن اختلفت ألفاظها، ومن أهم التعريفات الجامعة والموجزة، هي أن السهم عبارة عن: صك يمثل جزءاً من رأس مال الشركة، يزيد وينقص تبع رواجها، أو هو: صك يمثل نصيباً عينياً أو نقدياً في رأس مال الشركة، قابل للتداول، يعطي مالكه حقوقاً خاصة .
ومن خلال بيان حقيقة الأسهم، يظهر أن السهم يمثل حصة جزئية مشاعة من رأس مال الشركة المساهمة، وفي نفس الوقت، هو وثيقة تثبت لصاحبها ملكية جزء من أموال الشركة، ويتحمل بقدر حصته ما يلحق بها من خسارة، ويحصّل بقدر حصته أيضاً ما تجنيه من ربح .
ثانياً: حقيقة الشركات المساهمة
من المناسب في هذه المقام وقبل سبر أغوار حكم الشرع في المساهمة في الشركات المساهمة، لا بد من إطلالة يسيرة على حقيقة الشركات المساهمة، فالشركات المساهمة هي الشركات التي يقسم رأس المال فيها، إلى أجزاء متساوية القيمة، كل جزء يسمى سهما، فيشترك كل واحد بعدد من الأسهم، وتكون هذه الأسهم قابلة للتداول، في مشروع تجاري، أو صناعي، أو زراعي، أو غيره، ويكون الشريك المساهم فيها، مسؤولاً أمام الغير بمقدار أسهمه، ولا تعنون الشركة باسم أحد الشركاء، وإن كانت تتخذ لها إسماً يدل على غرضها.
بعد هذه المقدمة ستكون لنا وقفات وجولات أخرى مع الشركات المساهمة المدرجة في اسواق البورصة، من حيث بيان حكم الشرع في الاستثمار بها ..
وفي نهاية هذا المقال نتوجَّه إلى الله بالدُّعاء أن يَهدِيَنا جميعًا سواء السبيل، وأن يجمع على الحقِّ خُطانا، وأن يُعطِيَنا القوَّة للتغلُّب على حالة اللامُبَالاة التي أصابَتْنا، ليس فقط في ديننا، وإنما في سائر أحوال حياتنا.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net