الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 09 / نوفمبر 23:02

مشاريع نزع القومية العربية عن المسيحيين العرب/ بقلم: د. جوني منصور

كل العرب
نُشر: 24/01/14 20:06,  حُتلن: 07:19

د. جوني منصور في مقاله:

المؤسسة الحاكمة في اسرائيل تدرك تماما أن ما يجري في البلاد العربية من ثورات وأزمات له تأثير وانعكاس على الجو العام للمسيحيين العرب

غاب عن هذه المؤسسة العنصرية أن مسيحيو البلاد العربية هم صلب هذه البلاد هم ليسوا إضافة وليسوا ضيوفا ويرفضون ان يسموا أقلية

تسعى الحكومة الاسرائيلية منذ فترة طويلة إلى تكوين جو عام بأن المسيحيين العرب ليسوا عربا وذلك من خلال طرح هويات بديلة منها السريانية والارامية وغيرها

طلع علينا في الثامن من هذا الشهر كانون الثاني، رئيس الائتلاف في حكومة نتنياهو عضو الكنيست الليكودي يريف ليفين بمشروع قانون لتغيير هوية المسيحيين العرب من القومية العربية إلى المسيحية. وادعى ليفين ان هناك الكثير من المشترك بين اليهود والمسيحيين، وأن المسيحيين هم حلفاء طبيعيين لليهود. واضاف انه في حال قبل المسيحي العربي تغيير قوميته فإنه سيكسب الكثير من الامتيازات، ومن بينها عضوية في مجالس ادارة شركات حكومية في الأساس، وامتيازات وحقوق في العمل مفضلة عن باقي شرائح المجتمع العربي خصوصا الاسلامي.

دعونا نشخّص الحالة أولا ثم نحللها. ليست هذه هي المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي يُستهدف فيها المسيحيون العرب في اسرائيل. فمنذ أكثر من ثلاثة سنوات والمؤسسة الاسرائيلية (أي الحكومة ومؤسساتها) تعمل على دق اسفين بين ابناء الشعب الواحد، من خلال طرح مشروع تجنيد المسيحيين العرب في الجيش الاسرائيلي وقوى امنية اخرى كالشرطة مثلا. والهدف الرئيس من وراء ذلك هو سلخ احد مركبات الشعب العربي الفلسطيني، ونعني به المسيحيون العرب.
إن المؤسسة الحاكمة في اسرائيل تدرك تماما أن ما يجري في البلاد العربية من ثورات وأزمات له تأثير وانعكاس على الجو العام للمسيحيين العرب، خاصة في سوريا ولبنان والعراق. ولكن غاب عن هذه المؤسسة العنصرية أن مسيحيو البلاد العربية هم صلب هذه البلاد. هم ليسوا إضافة وليسوا ضيوفا ويرفضون ان يسموا أقلية، لأنهم أبناء البلاد الأصليين وسكانها منذ فجر التاريخ. وأكثر من ذلك أنهم ربطوا مصيرهم ومستقبلهم مع اخوانهم المسلمين، ولا يتنازلون عن هذا الارتباط الوثيق. وان ما يجري على اخوانهم المسلمين يجري عليهم، خاصة من قبل حركات التكفير المجرمة بحق الانسان.
من جهة أخرى تسعى الحكومة الاسرائيلية منذ فترة طويلة إلى تكوين جو عام بأن المسيحيين العرب ليسوا عربا، وذلك من خلال طرح هويات بديلة منها السريانية والارامية وغيرها.

سلخ المسيحيين عن عروبتهم
إذن، نقف اليوم أمام مشروع تصعيدي في سلخ المسيحيين عن عروبتهم من خلال شطب انتمائهم إلى القومية العربية واستبداله بالمسيحية. تماما كما فعلت هذه المؤسسة مع الاخوة العرب الدروز قبل اكثر من خمسة عقود، حينما بلورت "قومية درزية". وبطبيعة الحال لا توجد قومية درزية، إنما مذهب ديني. في حين ان الدروز هم من العرب الأقحاح والأصيلين. ماذا نتج عن عملية سلخ الدروز عن الجسم العربي الفلسطيني في الداخل؟ الانخراط في الجيش الاسرائيلي، في وحدات محدودة، وغالبيتها ليست من الوحدات النخبة. أضف إلى ذلك ان الجيش تحول ليكون مصدر رزق لعشرات من الشباب الدروز. مقابل ذلك اشتغلت السلطة على سحق الهوية العربية لدى الدروز، وأفقدتهم مكوناتهم الانتمائية إلى العروبة. كل ذلك تحت مسمى العهد الدموي بين الشعبين اليهودي والدرزي. لننظر إلى الحالة الانتمائية الهوياتية للدروز. نسبة كبيرة منهم تعيش في ضياع الهوية.

نجحت السلطة الحاكمة في خلق هذه الهوية، وفي إحداث تغييرات بنيوية على مسيرة وسير حياة الدروز، لكن غاب عن بالها أن الشباب العربي الدرزي في هذه الايام حصريا يبحث عن هويته ويسأل من أنا؟ وسرعان ما يأتيه الجواب، ألا وهو أنه عربي ينتمي إلى العروبة، وان هناك من سرق عروبته وسلبه اياها، لدرجة أنه تم افراغ شخصيته من مكوناتها القومية والتراثية والحضارية.

هذا ما تريد حكومة اسرائيل ان تقوم به بمختلف الطرق وبواسطة مقاولين وعملاء لها في أوساط المسيحيين العرب ، ومن خلال الترويج بأن العروبة تخص الاسلام والمسلمين، وان المسيحيين العرب هم من طينة أخرى، ولا يشبهون المسلمين.
ستتبع هذه المحاولات خطوات أخرى إلى أن تحقق الحكومة وأذرعها بعضا من عمليات السلخ والفصل بين ابناء الشعب العربي الواحد في هذا الوطن.

ما هي الخطوات التي يجب اتخاذها إزاء هذه الحالة؟
حتى الآن لم تصدر اي قيادة دينية واجتماعية مسيحية عربية اي بيان توضح فيه موقفها من طرح مشروع ليفين. وهي اي هذه القيادة مطالبة اليوم وقبل غد الاسراع في طرح موقفها هذا الذي يجب ان يتجاوب مع طبيعة وجود وانتماء وحياة ومستقبل ابنائها. إن غياب القيادة الدينية واختفائها عن الساحة في هذا الظرف يطرح الف سؤال وسؤال، ويثير القلق والتوتر.

يجب طرح القضية على النقاش العام من منطلق تثبيت الثوابت الانتمائية بأن المسيحيين العرب هم عرب وان قوميتهم العربية منذ فجر التاريخ، وأنهم جزء أساس من تاريخ هذا الوطن، ولهم مساهمات سياسية واقتصادية وثقافية وتربوية واجتماعية وأدبية تشهد عليها عشرات اسماء الأعلام والشخصيات التي لعبت أدوارا في بناء القومية العربية. وقع عليهم ما وقع على غيرهم من اخوانهم ابناء الشعب العربي الفلسطيني. فالنكبة لم تميز بين هذا وذاك، إن فاعل النكبة مجرم بحق الشعب العربي الفلسطيني من مسلمين ومسيحيين. لم يميز بين كنيسة ومسجد ومقام وقرية. عشرات القرى المهجرة والمدمرة عاش فيها المسيحيون والمسلمون جنبا إلى جنب على مر الزمن ومنذ مئات السنين، ذاقوا حلاوة الحياة ومُرّها. كفى أن نقدم مثالا في قضية اقرث وكفر برعم، وهي نموذج صارخ بل فاضح لسياسات اسرائيل تجاه الفلسطينيين عموما والمسيحيين خصوصا.

تكثيف الانشطة التوعوية بين الشباب لفهم ما يجري وضرورة التحصن لمواجهة ما يُخطط لهم مستقبلا من محاولات اختطاف فكري وقومي وانساني. وأخيرا، يجب وضع خطة شاملة من قبل القيادات السياسية والاجتماعية والتربوية للتصدي لهذه المحاولة الشرسة لاختطاف المسيحيين العرب من اصولهم ونزعهم من جذورهم.

ولكل الذين فرحوا لهذا المشروع نقول بأن مكسبا بهذه الطريقة هو جريمة وخطيئة بحق شعبكم، وأن التمسك بالجذور والأصول هو شرف أثيل أقوى من كل كنوز الأرض. إن المشروع المقترح هو عنصري بامتياز، لكونه يعترف بوجود تمييز، وفي حال قبول تغيير بند القومية ينال الشخص كافة الامتيازات. لهذا، ندعو إلى اليقظة والتنبه من كل هذه المشاريع، والتصدي لها بكل قوة ضمانا للوجود والبقاء والاستمرار في العيش المشترك لأبناء الشعب الواحد على هذه الأرض الطيبة التي شُرّفنا بأن نولد فيها منذ بداية الخليقة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة

.