عبيدة خطيب في مقاله:
مشكلة الهوية تعد أحد أبرز القضايا الجوهرية التي تواجه المواطن العربي بمختلف انتماءاته الطائفية في حياته اليومية
خوف إسرائيل من خسارة الدروز في صفها وسقوطهم من "جيبها" وانجذابهم نحو طرف المسلمين والمسيحيين هو دافع آخر نحو القيام بخطوة "تجنيد المسيحيين"
ما نشهده اليوم في دول الجوار من تفسخ الوحدة الوطنية وازدياد الشرارة الطائفية والعنصرية استقر بالأقليات بمعزل عن الانتماء الوطني الذي أصبح ينحصر رويداً رويداً حول فئة واحدة هي الأغلبية المسلمة
لا شك في أن سعي الحكومة الإسرائيلية نحو فرض الخدمة العسكرية على المواطنين المسيحيين هو بحد ذاته محاولة لخلق هوية جديدة هي "المسيحية الاسرائيلية"، وما هي الا خطوة واحدة من سلسلة تعمل على فسخ الرابط القومي الذي يجمع أبناء الأقلية العربية في إسرائيل والذي ابتدأ لدى الدروز، مروراً بالبدو، ويقف اليوم على أعتاب محطة جديدة تهدف لإشراك المسيحيين كذلك.
يشكل العرب في اسرائيل قرابة الـ 1.6 مليون نسمة، 10% منهم يتبعون للديانة المسيحية. وتعد مشكلة الهوية أحد أبرز القضايا الجوهرية التي تواجه المواطن العربي بمختلف انتماءاته الطائفية في حياته اليومية وعلى جميع الأصعدة ابتداءاً من التعليم مروراً بالعمل وغيرها. فواقع المواطن العربي في اسرائيل يضعه بين حدّين الأول يتلخص بالانتماء الديني، القومي والوطني وفي الجانب الآخر امتلاكه للجنسية والمواطنة الإسرائيلية، والفجوة بين اسرائيل ومواطنيها العرب هو بين كونها - دولة يهودية - بتعريفها الضيق الذي لا يتسع للأقلية العربية، إضافة إلى أن إسرائيل لا تؤمن بالتسوية مع مواطنيها على حسابها، أي أنها ليست مستعدة للتنازل والمساومة عن تعريفها لصالح دمج وتقريب المواطنين العرب ومساواتهم بالأغلبية اليهودية، إنما تقليص الفجوة بنظرها يأتي على عاتق الأقلية العربية والتي بدورها تتقسم إلى أقليات دينية صغيرة، على الأقل على الخارطة الإسرائيلية حتى يتسنى لها تفتيتها واضعافها في سعيها نحو أسرلتها. وهذا ما يواجه اليوم المواطنين المسيحيين العرب في محاولاتهم لمناهضة مشروع قرار يرمي بفرض التجنيد الإلزامي عليهم وتقديم الولاء للدولة اليهودية .
الأسرلة
وإن كان التساؤل لماذا استغرق بالدولة الإسرائيلية كل هذه العقود للإعلان عن نواياها والقيام بهذه الخطوة "الجريئة" وسط المواطنين المسيحيين، ربما يعود ذلك لكون واقع المسيحيين الوطني، حيث لطالما كانوا عماداً وجزءاً لا يتجزء من النضال الفلسطيني ومنهم من كبار قادة الحركات الوطنية فلم يكن بالأمر السهل محاولة "أسرلتهم"، إضافة إلى عدم تسني الوقت المناسب حيث امتداد الصراع العربي-الاسرائيلي طوال السنوات الماضية حمل معه اللحمة والتضامن والذي جمع العرب في الداخل الاسرائيلي بكتلة واحدة وخلف قضية واحدة. ولكن ومع ذلك لم يكن موعد المناسبة اليوم صدفة، فإن ما نشهده اليوم في دول الجوار من تفسخ الوحدة الوطنية وازدياد الشرارة الطائفية والعنصرية استقر بالأقليات بمعزل عن الانتماء الوطني الذي أصبح ينحصر رويداً رويداً حول فئة واحدة هي الأغلبية المسلمة - وهذا بمثابة فرصة ذهبية لإسرائيل لن تتوانى في استغلالها. فصعود التيارات الإسلامية، ظهورها بقوة على الساحة وسعيها لبلورة الإسلام كحجر أساس إن كان دستورياً أو حتى في الثقافة السائدة بدون أخذ بعين الاعتبار المركبات الأخرى لشعوبها، ولا قيمها ولا محاولة احتوائها داخل النسيج الوطني، ساهم بالتالي بتوجه هذه الأقليات دينية كانت أو عرقية، نحو بلورة هوية خاصة بها، هوية مبنية على أساس إثني أكثر مما هو وطني، وهذا بحد ذاته تفتيت للّحمة داخل الشعب نفسه، وكون الأقليات الدينية في إسرائيل كالدروز والمسيحيين ليسوا بمعزل عن نظرائهم في دول الجوار فيجمعهم رابط الدين والطائفة والذي هو أقوى من الحدود التي تفصلهم، ولا بد أن لهم موقفهم وتضامنهم كذلك، وهو ما يجعل الدولة الإسرائيلية ترى في هذا الوقت بالذات الفرصة المناسبة نحو محاولة فصل المسيحيين عن المسلمين وعن الهوية العربية الفلسطينية وتقريبهم ثم احتوائهم داخل النسيج الاسرائيلي كسلفهم الدروز .
الخدمة الإلزامية
وحتى في التعمق بالحالة الدرزية والتي وقعت ضحية الخدمة الإلزامية باكراً في سنوات الخمسينات يمكن استخلاص أحد أسباب الموعد الإسرائيلي. فالوضع السائد في الوسط الدرزي اليوم لا يبشر بالخير وسط ازدياد واضح في الوعي لدى الشبان هناك، الأمر المتمثل بوتيرة رفضهم للخدمة العسكرية، حتى أضحت قضية مركزية تناقلتها شتى الصحف والإعلام العربي والعبري حتى. خوف إسرائيل من خسارة الدروز في صفها وسقوطهم من "جيبها" وانجذابهم نحو طرف المسلمين والمسيحيين هو دافع آخر نحو القيام بخطوة "تجنيد المسيحيين" ففيها تضمن للدروز شريكا يشاطرهم دور "الفريسة"، وتوظف التقارب الدرزي-المسيحي-المسلم لصالحها، أي تقارب ولكن تحت غطاء اسرائيلي، ولا ننسى الأخذ بعين الاعتبار أن المسلمين ليسوا خارج إطار مشروع "الانخراط بالخدمة العسكرية" فهو يطالهم كذلك ويدور حولهم باستمرار من خلال الاعلانات والنشرات واحياناً محاضرات مدرسية تحث على الخدمة بأسلوب الاغراء وربما يكون نجاح المشروع في الشق المسيحي بادرة لدخوله بقوة بين المسلمين.
قضية وجودية
إن ما يواجهه العرب في اسرائيل اليوم وعلى رأسهم المسيحيون هو قضية وجودية، فالوجودية ليست بالأرض والمكان، أنا وأنت موجودان بهويتنا وانتمائنا، فعلينا ألا نفقده ولا ندعه عرضة التشويه تحت أي مبرر كان. انتماؤنا هو سر تكافلنا ودون تكافلنا تسهل مواجهتنا ودحرنا .
ديرحنا
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net