د.شكري الهزَّيل في مقاله:
ما هو حاصل أن بوصلة العرب إنحرفت نحو مسار تدمير الذات عبر حروب وصراعات لها اول وبداية ولا تلوح في الأفق نهايتها
حربنا اليوم ليست ضد اسرائيل ولا لتحرير فلسطين واشك إن كانت في يوم من الايام بهذا المعنى والفحوى في ظل حكم الطغاة العرب حربنا اليوم من انتاج واخراج عربي
وطن تعتريه الفوضى وتحكمه قوانين الغابة في ظل فراغ قانوني وغياب النظام بشكل عام فلا النظام المستبد قائما على الارض ولا الطرف الاخر قادر على اسقاط النظام
الحقيقه أن لا شيء يبدو باهيا في هذه الاثناء في الوطن العربي وآهات الاطفال وبكاء الثكلى تصم الاذان وصداها يرتطم بالسماء، ونحن عندما نشير هنا للوطن فنشير له من بعده الجغرافي والديمواغرافي المشترك في الواقع والهوية والتاريخ والمصير وهذا المشترك الذي يجمع العرب يجعلهم يأنوا ويتألموا من وطأة سوداوية الحال في الوطن العربي التي تعمه الحروب الأهلية والطائفية والعبثية وتعصف به كيانا وأرضا وشعبا حيث بات الصراع عنقوديا متشعبا ولا يشمل أطراف النظام والمعارضه فقط لا بل يشمل أطراف وتداخلات كثيرة منها المحلية ومنها الاقليمية والعالمية وبالتالي ما هو حاصل أن بوصلة العرب إنحرفت نحو مسار تدمير الذات عبر حروب وصراعات لها اول وبداية ولا تلوح في الأفق نهايتها لا بل انها مستمرة في زرع الخراب وحصد الارواح وتشريد البشر من أوطانهم قسرا والزج بهم في عذابات متاهات التشرد واللجوء والجوع والعذاب، والجاري حقا وحقيقة عكس المعكوس ويخالف كل منطق عندما نشاهد في أم أعيننا تشريد الشعب وإجلائه من وطنه بدلا من جلاء ورحيل الحكام والطغاة والقتلة المجرمين الذين يقتلون الشعب ويشردونه ويدمرون الاوطان... منطق بين وبين وغياب الخيارات الاخرى..بين جلاء الشعب وبقاء الحاكم او اسقاط النظام واسقاط الوطن معه.. البطش والبطش باللخر تجاوز في مفهومة وشكله وفحواه كل التصورات عندما نرى معطيات الخراب على الارض السورية والارض العراقية وليبيا والنتيجة واحدة هي الخراب والدمار ولا آثار تذكر لمفهوم ثورة او مفهوم ربيع غابت من وعن واقعه كل المعطيات وكل المقومات التي تؤهله بأن يكون ربيعا....ربيع الموت والخراب!!
لطالما اتهمنا الآخر والإستكبار والصهيونية بإستهدافنا وحَّيك المؤامرات ضدنا، لكننا الان مكشوفين من جميع الاتجاهات وحربنا اليوم ليست ضد اسرائيل ولا لتحرير فلسطين واشك إن كانت في يوم من الايام بهذا المعنى والفحوى في ظل حكم الطغاة العرب.. حربنا اليوم من انتاج واخراج عربي. لا نقول انه انتاج عربي خالص، لكنها حرب يخوضها العرب وهم حطبها ووقودها من فلوجة العراق ومرورا بحلب الشام وحتى بنغازي ليبيا وصنعاء اليمن وهي حرب تتشظى وتتسع رقعتها نحو ارض الكنانة وكامل الوطن العربي وما هو لافت للنظر هو الحياد الغربي والتنصل الغربي الكامل من المسؤولية والزعم بالحيادية وكأن حال لسانهم يقول: من زايد الى زايد وفخار يكسر بعضه وهاكُم يا عرب أفضل انواع الاسلحة وأقتلوا بعضكم كما تشاءوا وعندما تنتهوا من اداء المهمة اخبرونا حتى نرسل لكم قوافل اغاثة ومركبات لإجلاء ماتبقى من جوعى ومرضى وجرحى في حلب وحمص واليرموك وما زال حبل الدمار والخراب على الجرار..!
حرية همجية
لا أدري صراحة اذا كانت الحرية في مرمى الشعب ام أن الشعب في مرمى نيران حرية همجية القتل والخراب ولا ادري في خضم هذه الحالة العربية إذا كان التاريخ مؤهلا أصلا لصناعة حاضر الشعوب وهي واقعة تحت وطأة وابل من القتل والذبح وبعيدة كل البعد عن طائلة المستقبل على الارض العربية الملطخة بخليط من المفاهيم وغارقة في طيات طوفان الدم والقتل والذبح، والكارثة أن لكل طرف من الأطراف جمهوره في مباراة يحكمها مفهوم ومنطق من يسجل اكثر اهدافا للموت في مرمى موت الآخر، وما الموت واخيه الموت الاخر إلا عربيا خالصا سليل هذه الأمة الممتدة من المحيط الى الخليج...أمة تعلق مصيرها ومصائرها على مخالب الموت والدمار المتعدد الاشكال من بينها الشكل الاكثر إجراما وقتلا الذي يتجلى في الطغاة ومناصريهم من قتلة قتل فيهم الحاكم مزايا واخلاق البشرية ليتحولوا الى مجرد الة قتل لكل من يعارض هذا الحاكم..!!
الحروب الاهلية العربية
نخشى ما نخشاه ان الحروب الاهلية العربية قد خرجت منذ امد عن السيطرة وصارت الصراعات تتوالد وتتكاثر تحت مسميات لاتعد ولا تحصى كلها مجتمعة تضمن استمرارية حروب هذه الفاجعة الجماعية العربية الكبرى التي تبدو انها عصية على الحل والواضح هو أن السلام والسلم اصبح صعب المنال الى حد اصبح فيه الفرز بين القاتل والمقتول والضحية والجلاد قضية يدور حولها الجدل في اطارات وتعريفات من هو الظالم ومن هو المظلوم ومن هو المعتدي ومن هو المعتدي عليه...فقط للمثال وليس للحصر نجلب مثالا من واقع الفاجعة العربية حين يجلس الجالد والمجلود والقاتل والمقتول على طاولة واحدة.
في "جنيف" يتمتعون بنفس الحقوق ونفس الشروط دون تحديد من هو المسؤول عن الكارثة والفاجعة الوطنية والانسانية الجارية في سوريا التي راح كامل الوطن والشعب السوري ضحيتها..إبادة جماعية للبشر والحجر.. وطن تعتريه حمة القتل والمجازر الجماعية والمسالخ البشرية وما زالت لعبة الصور بعيدة كل البعد عن واقع فاجعة بشرية...دمار..قتل اطفال..قتل نساء..تمزيق اجساد..هدم وخراب..رائحة الموت تملا كل مكان..تُزكم انف الافق الشاسع..من هناك تسقط براميل الفاشية على رؤوس وبيوت الناس.. لا أفق للحياة في افق الموت!!
قوانين الغابة
وطن تعتريه الفوضى وتحكمه قوانين الغابة في ظل فراغ قانوني وغياب النظام بشكل عام فلا النظام المستبد قائما على الارض ولا الطرف الاخر قادر على اسقاط النظام وفرض النظام والجاري هو إستمرار كينونة معركة الوجود واللا وجود الذي يخوضها الطرفان في حين يستميت فيه النظام المستبد في معركة اللا وجود الاخيرة الذي يعتبرها الفاصلة وفي احيانا كثيرة يعتبرها خاسرة،، لكنه يستمر في خوضها حتى ينتقم من الطرف الاخر ومن ثم يسقط بلا عودة تحت مقولة "علي وعلى اعداءي"...اكثر المعارك الدموية تدور في الساعات الاخيرة التي تسبق الهدنة، لكن في الحالة العربية الجارية تبدو الهدنة بعيدة المنال في ظل استفحال حالة الحرب والموت والدمار وكثرة الاطراف المتحاربة وتشابكها... الحالة العربية الراهنة تُثبت أن معركة التحرر من الاستعمار الخارجي اقل تكلفة وشراسة من معركة التحرر من الإستعمار الداخلي المتمثلة بانظمة الحكم والطغاة في العالم العربي .. نحن لسنا في سرب الأمم المتقدمة صناعيا وانسانيا وحضاريا لاننا ببساطة ما زلنا منهمكين بصناعة الموت والقمع والخراب ومنكبين على تطوير وإقتناء ادوات القتل والإبادة الفردية والجماعية من اجل إبادة الاخر من ابناء وبنات شعبنا وملتنا وديننا..خصائص وخصوصية حالتنا العربية لم تعد تسمح لنا برمي الكرة في ملعب الاخرين وتعليق اسباب فاجعتنا الجماعية على شماعة " المؤامرة الخارجية" والامبريالية ونحن اليوم نقدم خرابنا ودمارنا الذاتي على طبق من ذهب مجانا لاعداءنا واصدقاءنا ... نحن فاجعة الفواجع وكارثة الكوارث التي تعيد انتاج نفسها في اشكال جديدة من الحروب الاهلية والطائفية والعدمية!!
إبادة جماعية جارية
هي فاجعة جماعية من المحيط الى الخليج وهي ايضا إبادة جماعية جارية في سوريا والعراق وبوتيرة أقل في دول عربية أخرى مثل ليبيا واليمن وستصل نيرانها الى اقطار عربية أخرى إذا لم يتدارك العرب الامر ويتصالحوا مع ذاتهم قبل فوات الأوان ولا يفوتني هنا المرور على ظاهرة استيراد "المجاهدين" من كل اقطار العالم وجلبهم الى ميادين المعارك في الدول العربية كسوريا والعراق وغيرهما وهؤلاء انفسهم جزء من الفاجعة ومن صناعتها ايضا... الكثير من بين هؤلاء يقاتلون تحت راية الطائفة او حزب الطائفة لجانب هذا الطرف او ذاك..هم ايضا زيت ووقود وحطب هذه الفاجعة المفجعة..هي فاجعة وكارثة جماعية حاصلة ليست في بلاد الشام والرافدين وفلسطين فقط لابل في كل الاقطار العربية...هي فاجعة جماعية يجلس على فوهتها طغاة وشبه طغاة ومجرمون وشبه مجرمون وتجار وشبه تجار يفاوضون على وجود الوطن والانسان العربي ككل..فاجعة بكل مقوماتها تتفاوت حدتها من قطر عربي الى اخر، لكنها في الذاكرة العامة والمحصلة فاجعة جماعية تجتاح الوجدان والواقع العربي بشكل ماساوي...أمه بهذا الحجم وهذا العدد عاجزة عن وقف المذبحة ووقف التفريط بالوطن العربي...امه مضلَّلة وتائهة في تيه مرير وعسير ... الفاجعة الجماعية العربية:ارض الخراب والدمار.. وما زالت كرة النار تتدحرج والسؤال الى اين ومتى؟؟!
* الكاتب باحث علم إجتماع ورئيس تحرير صحيفة ديار النقب الإلكترونية
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net