أحمد فؤاد نجم شاعر مصري معروف، توفي في 3 كانون الأوّل 2013. كتب نجم مجموعاته الشعريّة كلّها بالمحكيّة المصريّة، وعاش حياته "صعلوكا" ضدّ النظام؛ ضدّ عبد الناصر والسادات ومبارك! بعد هزيمة 1967 لاقى نجم، والملحّن سيّد إمام، شهرة كبيرة بسبب الأغاني الوطنيّة التي كانا ينشرانها بين المصريّين، وبين الطلبة على وجه الخصوص. من قصائد نجم الشهيرة ما كتبه الشاعر بعد حادثة تعرّض فيها أحد السباب - عمّ اسماعين- لهجوم كلب أم كلثوم عليه. في سيرته الذاتيّة، يشرح الشاعر حبّه الكبير لأغاني "الستّ"، مبرّرا ربّما كتابته للقصيدة المذكورة فيقول، بالمحكيّة المصريّة طبعا: "المعروف عني أني طول عمري من دراويش الست أم كلثوم.. عاشق صبابة ومغرم متيم بصوتها السماوي الساحر وفنه الأصيل..[ أحمد فؤاد نجم: الفاجومي، الجزء الثاني، مكتبة مدبولي الصغير، القاهرة، 1995، ص. 61].
بعد ذلك، يذكر نجم أنّ الحادثة وقعت فعلا، وليست من بنات الخيال. بل يذكر أيضا أنّ كلب أمّ كلثوم هجم على الطالب إسماعيل خلوصي وآذاه. لكنّ الشرطة بعد أن عرفت من تكون صاحبة الكلب آثرت أن تقفل الملفّ، لأنّ " الخدمات التي أدّتها أمّ كلثوم للدولة كفيلة بأن تعفيها وكلبها من المسئوليّة الجنائيّة"!! ثمّ يضيف نجم أنّ ما أثاره فعلا ليست الحادثة ذاتها، بل ما كتبه أحد "الصحفجية" في "الجمهوريّة"، على لسان الشابّ "المعضوض" بالذّات: " أنا سعيد لأن اللي عضني كلب أم كلثوم[...] رحت فاقع القصيدة اللعينة..".
بقي أن نضيف أنّ الحادثة قد تكون وقعت فعلا، لكن ما دفعه إلى كتابة القصيدة، رغم حبّه لسماع أغاني "الستّ"، هو اعتبارها، ربّما، ممثّلة للطبقة البرجوازيّة في مصر، لا الريبورتاج الذي نشره أحد "الصحفجيّة" في جريدة "الجمهوريّة" بالذّات!!
كلب الست
في الزمالك- من سنين/ وفي حما النيل القديم/ قصر- من عصر اليمين/ ملك واحده من الحريم/ صيتها أكتر م الأدان/ يسمعوه المسلمين/ والتتر والتركمان/والهنود والمنبوذين*** ست فاقت ع الرجال/ في المقام والإحترام/ صيت وشهره وتل مال/ يعني في غاية التمام/ قصره يعني هي كلمه/ ليها كلمه في الحكومه/ بس ربك لجل حكمه/ قام حرمها م الأمومه/ والأمومه طبع ثابت/ جوه حوا من زمان/ تعمل إيه الست جابت/ فوكس رومي وله ودان*** فوكس دا عقبال أملتك/ عنده دسته خدامين/ يعني مش موجود في عيلتك/ صخص زيه يا اسماعين *** واسماعين دا يبقى واحد/ م الجماعه التعبانين/ اللي داخوا فى المعاهد/ والمدارس من سنين *** حب يعمل واد فكاكه/ ويمشى حبه في الزمالك/ والقيامه والفتاكه/ يرموا طبعا ع المهالك *** عم سمعه من قيامته/ حب يعمل فيها فله/ بعد ما ألوظ بيجامته/ اشترى حتة مجله/ قول مشي بيقرا ف حكايه/ من حكايات الغرام/ واندماجه في القرايه/ خلا مشيه مش تمام *** عاليمين يحدف بعيد/ خطوتين ويروح شمال/ لمحه فوكس من الحديد/ قال دا صيد- سهل وحلال/ هب نط في كرشه دوغري/ جاب بيجامته لحد ديلها/ إسماعين بدال ما يجري/ قال يا رجلي- رجلي مالها؟/ بص شاف الدم سايح/ من عاليها ومن واطيها/ وياللي جاى ويللي رايح/ المجله مش لاقيها*** حبه واتلموا الظنايا/ اللي هما البوابين/ والحكايه والروايه/ قال لهم- دا كلب مين/ كلب مين- ما كلب مينشي/ سُمعه لبخ حبتين/ قال له واحد منهم- امشي/ اللي جابك عنده مين؟/ قال دا شارع يا مواشي/ والجميع بيمر منه/ اللي راكب- واللي ماشي/ مستحيل نستغنى عنه *** كلمه من دا- وكلمه من دا/ ظاطو واترسمت فضيحه/ قول نهايته - والقصد منه/ إسماعين أكل الطريحه *** راحوا قسم الشرطه طبعا/ والنيابه كفيله بيهم/ واترموا في الحجز جمعه/ لما ييجي الدور عليهم*** حبه والشاويش أمين/ قال: سعيد النقشبندي/ قام غريم عم اسماعين/ قاله له: - محسوبك يا افندي/ قام سي سمعه- يروح معاه/ الشاويش قال:- غور بدمك/ راح تعوصنى- وفوق قفاه/ كف طرقح- داهيه في امك/ تفتتكر يفضل سي سمعه/ قد إيه في القسم نايم؟/ استصافه الحجز جمعه/ يا بلاش- آدى العزايم*** شاف بلاوى- ما تنحكيش/ م الديابه المكبوتين/ قال يا عالم- يا شاويش/ يا نيابه- يا مسئولين/ خلصوه بعد المناهده/ جثه من جُحر الديابه/ هي يمكن ساعه واحده/ كان في مكتب النيابه/ قال له مالك يا اسماعين/ قال له زي البمب.. مالي؟/ قال له عضك فوكس فين/ قال له سيبني أروح لحالي/ أنت شوف سي فوكس يمكن/ خد تسمم- غصب عنى/الوكيل قال برضه ممكن/ والشاويش- قعد يغنى*** إنت فين والكلب فين/ إنت قده يا اسماعين/ طب دا كلب الست يا ابني/ وانت تطلع ابن مين؟/ هيص يا كلب الست- هيص/ لك مجامك، في البوليس/ بكره تتولف حكومه/ للكلاب، ياخدوك رئيس ***
[ أحمد فؤاد نجم: الأعمال الشعرية الكاملة، القاهرة،2008، ص.260 - 268.]
ملاحظات:
القصيدة من بحر الرمل، أو مجزوء الرمل إذا توخّينا الدقّة: فاعلاتن أربع مرّات، اثنتان في كلّ شطر، وغالبا ما تكون التفعيلة الأخيرة في الشطر فاعلاتْ، تمشّيا مع تسكين الآخر في اللغة المحكيّة. الأسطر الستّة الأولى في الكتاب مثلا هي، "بيتان" في الواقع، وفي كلّ بيت أربع تفعيلات، اثنتان في كل شطر. لكنّها وردت في الكتاب، في ستة أسطر متعاقبة، هكذا:
في الزمالك/ من سنين/ وفي حما النيل العظيم/ قصر/ من عصر اليمين/ مللك واحدة من الحريم
أما في القالب الشعري التقليدي فيمكن إيراد المقطع نفسه على النحو التالي، بعيدا عن "الإيهام" المقصود، كما في بعض قصائد اللغة الفصيحة من الشعر التفعيلي:
في الزمالكْ منْ سنينْ وفي حما النيلِ القديمْ
قصرِ منْ عصرِ اليمينْ ملكِ واحْدة مْنِ الحريم
الشرطة - في وسط الشطر تعني أن الشطر كان في الأصل في سطرين.
النجمات الثلاث تعني نهاية فقرة .
التاء المربوطة تظهر في القصيدة دائما بدون نقطتين مثل الهاء، ولا تظهر الشدّة أيضا!
الألف طويلة دائما: حمى > حما، خلا > خلّى.
الياء في آخر الكلمة تظهر بدون نقطتين كما في الكتب المصرية عادة!
أخيرا، هناك ألفاظ مصريّة لا تخفى على القارئ، وأخرى يمكن فهمها من السياق.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net