عصام مخول في مقاله:
مشروع الفوضى الخلاقة غريب عن الناصرة وعن جماهيرنا العربية في اسرائيل غريب عن ثقافتنا السياسية وعن طابع معركتنا الوطنية وطبيعة مواجهتنا التقدمية
لم يعد رامز جرايسي مرشح جبهة الناصرة الديمقراطية فقط بل صار مرشح تحالف القوى الوطنية والتقدمية في المدينة مرشح مشروع الوحدة الكفاحية
لو لم يكن هناك علي سلام، كان من شأن القوى التي يغلب عليها الحنين الى ناصرة ما قبل التاسع من كانون الاول 1975 أن تخلقه على شاكلتها ومثالها ومن أية مادة سياسية توفرت ومع أية فرصة سنحت
دورهم يقتصر على معاداة الشيوعيين وجبهة الناصرة، وتفكيك المشروع الوطني والمعسكر التقدمي وتفكيك الوحدة الكفاحية وهي في حمأة حماسها تعتبر أن العقبة الأساسية التي يجب إزالتها من طريقها للنجاح في مهمتها هو إسقاط الجبهة من قيادة بلدية الناصرة وإسقاط رامز جرايسي من رئاستها
المواجهة في الناصرة هي قبل كل شيء، مواجهة بين مشروعين: مشروع وحدة الصف الكفاحية، وهو المفهوم الذي ارتبط بانتصار جبهة الناصرة التاريخي عام 1975 ومعركة يوم الأرض الخالد، وبين مشروع "الفوضى الخلاقة" الموعود والوعيد، وهو مفهوم روَّجت لاعتماده وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليسا رايس في المنطقة العربية كلها، بهدف تفكيكها وإخضاعها لمشاريع الهيمنة الامبريالية. وفي إطار هذا المفهوم، كان المطلوب تغييب التناقض بين الامبريالية والصهيونية وحلفائهما من الرجعيات العربية من جهة، وبين الشعوب العربية المكافحة من الجهة الأخرى، وأن يُمحى من ذاكرة الشعوب شعار الشيوعيين التاريخي:"مع الشعوب العربية، ضد الامبريالية وعكاكيزها في المنطقة، وليس مع الامبريالية وعكاكيزها المهترئة ضد الشعوب العربية". وكان المطلوب أن يحل مكانه الترويج للتناقض الامبريالي المفتعل، بين محور سني ومحور شيعي، وتفكيك الاوطان على أسس مذهبية وطائفية وإثنية متخلفة.
إن من كان يعتقد أن هجمة تفكيك الشعوب والدول والكيانات السياسية والإثنية في المنطقة العربية، وخارجها، والتي امتدت من يوغوسلافيا وحتى العراق وأفغانستان، ومن السودان وليبيا، وحتى سوريا وأوكراينا، والتي تقودها الامبريالية وأدواتها الصهيونية والرجعية العربية، سوف تمر دون أن ترمي بشباكها على ساحة جماهيرنا العربية، فهو واهم.
ومن كان يعتقد أن المؤامرة لتبديد حقوق شعبنا الفلسطيني القومية، يمكن أن تحاك خيوطها دون أن تنصب الفخاخ لاصطياد الثوابت الوطنية والتقدمية لجماهيرنا العربية، وتفكيك مشروع وحدتها الكفاحية، والإجهاز على حقوقها، وعلى ما تبقى لها من أرض في النقب وحقوق قومية ومدنية، إنما هو واهم أيضا، أو أنه لا يعرف عن تاريخ هذه الاقلية القومية الكفاحي وعن الصدام بينها وبين المشروع الصهيوني شيئا..
في ظل مشاريع التبادل السكاني، والترانسفير، وابتزاز الاعتراف بـ "الدولة اليهودية"، والتآمر على حق العودة، والحل السياسي المفروض على مقاس مشروع الاستيطان الاحتلالي، ومشاريع التجنيد والخدمة المدنية للشبان العرب، وقوننة العنصرية، يصبح تفكيك الوحدة الكفاحية للاقلية القومية العربية في اسرائيل، وبناء كتلة رجعية بديلة، وثقافة سياسية، تجمع الانتهازية السياسية والاندماج في المشاريع السلطوية والمفاهيم الرجعية، الحلم الرطب للمؤسسة الحاكمة في اسرائيل وللرجعية العربية وأنظمة البترودولار سواء بسواء.
وهناك من توهم ان الساعة مؤاتية في الناصرة، وبات واضحا أن مشروع "الفوضى الخلاقة" الذي زجت به أيادٍ خفية على ساحة الناصرة منذ انتخابات 22 أكتوبر 2013، مستغلة انشقاق علي سلام عن جبهة الناصرة الديمقراطية، هو أكبر من "ناصرتي"، وأكبر من ناصرتنا نحن، التي تربينا، من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، على أنها قلعتنا الوطنية، المعادية لثلاثي الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية مهما بدل هذا الثلاثي من لبوس.
إن مشروع "الفوضى الخلاقة"، غريب عن الناصرة، وعن جماهيرنا العربية في اسرائيل، غريب عن ثقافتنا السياسية وعن طابع معركتنا الوطنية وطبيعة مواجهتنا التقدمية. وغريب أيضا عن قطاعات واسعة من مؤيدي ناصرتي ومن مؤيدي التجمع الذين رفضوا التنازل عن وجدانهم الوطني، وانتقدوا قيادات متنفذة في تنظيماتهم وأحزابهم، اختارت أن تقبع في القلب من تحالف تغلب عليه الانتهازية السياسية والخطاب الرجعي، ويصب في تطويع الاقلية القومية العربية لمفاهيم "الفوضى الخلاقة" الذي ترعاه المؤسسة الاسرائيلية وأنظمة الرجعية العربية وأموال الخليج.
فالثقافة السياسية المستوردة من أعماق التحالفات الرجعية في المنطقة تتناقض والثقافة الوطنية، والسياسية والحضارية التي راكمتها الناصرة.. ولو لم يكن هناك علي سلام، كان من شأن القوى التي يغلب عليها الحنين الى ناصرة ما قبل التاسع من كانون الاول 1975، أن تخلقه على شاكلتها ومثالها، ومن أية مادة سياسية توفرت، ومع أية فرصة سنحت. ولا يحرجها في ذلك، أي تناقض بين مركبات هذا التحالف. ولا يزعجها أنها لا تطرح برنامجا بلديا حقيقيا ولا مشروعا اجتماعيا ولا همًّا وطنيا، بل ان دورها يقتصر على معاداة الشيوعيين وجبهة الناصرة، وتفكيك المشروع الوطني والمعسكر التقدمي وتفكيك الوحدة الكفاحية. وهي في حمأة حماسها تعتبر أن العقبة الأساسية التي يجب إزالتها من طريقها للنجاح في مهمتها هو إسقاط الجبهة من قيادة بلدية الناصرة وإسقاط رامز جرايسي من رئاستها.
إن هذا الاصطفاف، الجديد-القديم، من شأنه أن يطرح تحديا قويا، ليس أمام الحزب الشيوعي والجبهة فحسب، وإنما أمام كل إنسان وطني وتقدمي في الناصرة اليوم.. لقد أثبتت التجربة التاريخية للأقلية القومية العربية في إسرائيل وخارجها، أنه لم يحدث أن قام تحالف في صلبه العداء للحزب الشيوعي وحلفائه في الجبهة إلا وتكشف تحالفا رجعيا مطعونا في دوره الوطني والاجتماعي، ولا يصب إلا في خدمة المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، ومشاريعها المعادية لمصالحنا الوطنية.
إن الحسم السياسي الشجاع والمسؤول الذي قامت به حركة أبناء البلد، والحسم المبدئي والشجاع والمسؤول الذي أقدمت عليه حركة شباب التغيير، وقطاعات هامة في فرع التجمع في الناصرة التي انحازت لضميرها الوطني، وغلّبت مبدئيتها على كل حساب آخر، وانسحاب كتلة الإصلاح والتغيير من القائمة الأهلية وفك شراكتها مع التجمع، يخلق مفهوما جديدا للمعركة الانتخابية في الناصرة، ويخلق حراكا سياسيا مختلفا نوعيا. فبمقدور الناصرة اليوم، وبعد أشهر معدودة من التجربة المرة، أن تستنهض كل ما فيها من القوى والشخصيات الوطنية والتقدمية الحقيقية، وفيها الكثير منها، وبمقدورها أن تلفظ مشروع "الفوضى الخلاقة" وأصحابه، وبمقدورها أن تنطلق نحو مرحلة وطنية جديدة. بمقدورها أن تعيد ترسيم الخارطة السياسية للقوى الوطنية وتحالفاتها من جديد، ليس في الناصرة وانتخاباتها فقط، وإنما على ساحة الجماهير العربية القطرية (بضم القاف وسكون الطاء وليس بفتحهما).
إن هذا الفرز يجب أن يكون أكبر من الناصرة وأوسع من جغرافيتها.. وبمقدوره أن يشكل حراكا جديدا وفرصة لنفض غبار العجز والإحباط عن أداء السياسة العربية، ودور الاقلية القومية العربية وأداء مؤسساتها ومعاركها الحقيقية. في الناصرة يعاد رسم الخارطة السياسية لجماهيرنا وشبابنا المتحفز المطالب بالتغيير عبر النضال لا عبر الانبطاح. عبر بناء الوحدة الكفاحية وعبر إسقاط مشروع "الفوضى الخلاقة ".
أزمة الناصرة
إن أزمة الناصرة، وفي تجاوز لديناميكية انتخابات محلية اعتيادية، قد فرزت في الأشهر القليلة الماضية "كتلتين جماهيريتين" (بمفهوم غرامشي).. كتلة القوى الوطنية والتقدمية من جهة، وما تمثله من تراث الثقافة السياسية الكفاحية، وكتلة القوى والقيادات الرجعية والانتهازية. وما تعكسه من سياسة الانبطاح ومسايرة مشاريع السلطة والمصالح الفردية والمراهنة على تحالف السلطة ورأس المال (محليا وقطريا )..
القوى الوطنية والتقدمية
إن أهمية هذا ليس في كونه فرزا أفقيا بين القوى السياسية فقط، وإنما في كونه فرزا عموديا داخل القوى السياسية والاجتماعية أيضا، وداخل الكتل البلدية ومؤيديها حيث يقتضي الأمر.. وفي إطار هذا الفرز لم يعد رامز جرايسي مرشح جبهة الناصرة الديمقراطية فقط، بل صار مرشح تحالف القوى الوطنية والتقدمية في المدينة. مرشح مشروع الوحدة الكفاحية التي تتسع لكل أهل الناصرة والدرع الواقي لهذه المدينة العريقة، حتى النصر..
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net