الدكتور سائد عبدالله حاج يحيى:
عدم تحبيب المادة للتلاميذ يعتبر أهم محاور المشكلة لأن الطفل إذا أحب شيئا فعله مباشرة دون دفع أو إجبار
على الأستاذ والتلاميذ الاتفاق حول ميثاق العمل المدرسي ومن أهم النقاط التي يحتويها الميثاق الاتفاق حول الواجبات المنزلية
مشكلة إهمال الواجبات المنزلية لا يتعلق فقط بالأساتذة والوالدين إنما يتجاوزهم للأطفال أنفسهم، إذ لا بد من أن يحاول الطفل الاتزان في حياته اليومية
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الأول : الأسباب
إن إهمال الواجبات المنزلية، ليس هو المشكل بل هو من مظاهر انعدام المسؤولية وكره الدراسة، بسبب تصورات الطفل وعدم تفهمه لأسباب هذه التمارين الإضافية، بل ربما يعتبرها شكلا من أشكال العقاب غير المبرر. أسباب الظاهرة تتنوع وتختلف حسب الحالة لكني سأحاول إجمالها في النقط التالية :
من طرف الأساتذة :
عدم تحبيب المادة للتلاميذ يعتبر أهم محاور المشكلة لأن الطفل إذا أحب شيئا فعله مباشرة دون دفع أو إجبار، بل ويفعله وهو مستمتع كأنه يلعب بلعبة محببة إليه.
ثم عدم شرح التمارين وأسبابها لتلاميذ يجعلهم يحكمون مخيلتهم الواسعة وتصوراتهم الخاطئة ويعتبرون الأعمال المنزلية عقابا دون ذنب.
د. سائد عبدالله حاج يحيى
من طرف الآباء :
عدم تشجيع الآباء الأبناء على القيام بالواجبات المنزلية، فكثيرا ما يكون أصل المشكلة من تهاون الآباء في دفع أبنائهم لإنجاز وواجباتهم المدرسية، وهذه قصة حقيقة قصتها أم في إحدى القنوات الفضائية ليستفيد منها الآباء،
تحكي الأم فتقول:
عندي بنت أدخلتها المدرسة وهي مازالت صغيرة، كانت تقرأ نصف يوم، كلما عادت من المدرسة مساءا سألتها عن أحوال المدرسة وكيف تعاملت مع أستاذتها وزملائها، كانت إجابتها جيدة وقد طلبت مني الأستاذة القيام بواجب منزلي " نقل جملة واحدة "، قلت لها كُلي ثم شاهدي التلفاز قليلا لنقوم بالواجب سويا، بعد أن أكلت وعند مشاهدتها لتلفاز نامت، ولم أستطع إيقادها لأنها صغيرة وتعبت من المدرسة؛ فأخذت كتاب الواجب وقمت بنسخ الجملة بيدي اليسرى لكي لا تكتشفها المربية، في اليوم التالي سألتها عن أحوال المدرسة والواجب فقالت : جيدة وأعطتني المربية نجمة (أي قمت بالواجب بشكل جيد )، فقلت لها هل عندك واجب اليوم قالت : نعم نقل جملة أخرى فقلت كُلي وشاهدي التلفاز قليلا لنقوم بالواجب معا، ونفس الشيء حدث نامت وهي تشاهد التلفاز، وأنا أعدت نفس الفعل نقلت الجملة بيدي اليسرى، في اليوم الثالث عند عودة ابنتي من المدرسة سألتها عن المدرسة والواجب، فقالت: جيد وأعطتني المربية نجمة ثم قالت عندي واجب نقل جملة، فقلت لها كلي وشاهدي التلفاز ولكن لا تنامي هذه المرة لنقوم بالواجب معا، فقالت لا يا أمي فالواجب " حَيْ حُل نفسُ بنفسُ ".
صدمت الأم بتصور ابنتها وحاولت بعد ذلك تصحيح تصورها ولكنه من صعب إصلاح ما كُسر، إن هذه الحكاية على بساطتها تسلط الضوء على أهم أسباب الفشل الدراسي، أي عدم تحمل المسؤولية، لأن أبناءنا يحتاجون التدرب على تحمل المسؤولية من الصغر.
من طرف الأبناء :
عدم الاكتراث وكثرت المُلهيات من أسباب ضياع الأبناء بصفة عامة، وهي نفس أسباب عدم القيام بالأعمال المنزلية، لأن هناك أشياء ممتعة وأفضل للقيام بها مثل اللعب ومشاهدة التلفاز.
في الجزء القادم سأسلط الضوء على بعض النقط المهمة من أجل خلق دافعية ذاتية عند الأبناء للقيام بالواجب المنزلي.
الجزء الثاني : الحلول
تتمة للمقالة السابقة " إهمال الواجبات المنزلية: الأسباب "؛ في هذه المقالة بعض النقط التي رأيتها مهمة في التعامل مع هذه المشكلة، وأهم ما أود التركيز عليه أن هذه النقاط هي اجتهاد شخصي من قراءتي لمجموعة من الكتب التي تهتم بتربية الأطفال ومجموعة من التدوينات ومن خلا ل ممارستي المهنية، ثاني نقطة أن مثل هذه المشاكل التي تتعلق بالإنسان هي مُركبة ومتشابكة بالأصل لأنها تتعلق بمخلوق مركب من عقل وعاطفة وسلوك ؛ لذلك قد يحتاج علاج هذه المشكلة لتركيب مجموعة من الحلول لإنتاج دواء ناجع، وأخيرا لحل هذه المشكلة لابد من أن تتعاون عدة أطراف فيما بينها.
حلول من طرف الأساتذة :
أولا لا بد من الاتفاق الأولي بين أطراف العملية التعليمية حول الواجبات المنزلية، إذ على الأستاذ والتلاميذ الاتفاق حول ميثاق العمل المدرسي ومن أهم النقاط التي يحتويها الميثاق الاتفاق حول الواجبات المنزلية ولا ضرر في الاتفاق حول عددها ومدى صعوبتها مثلا تحدد في ثلاث أيام في الأسبوع،كما يُذكر التلاميذ بأهمية الواجب المنزلي وتأثيره على مدى تحصيلهم وتفوقهم الدراسي.
ثانيا لا بد من معرفة الأسباب الشخصية للمُهل في واجباته المنزلية، هذه الفكرة ستساهم في توسيع ومعرفة الرأي الأخر في المشكلة ؛ من الممكن مثلا أن يطلب من التلميذ أو التلاميذ كتابة موضوعي إنشائي حول أسباب عدم القيام بالواجب أو القيام به بشكل رديء، وبذلك نعرف المشكل ونحله من جذوره، لأن المشكل من الممكن أن يكون متصلا بتصورات خاطئة لذا الأطفال، وأول خطوة لتصحيحها هي معرفتها.
حلول من طرف الآباء :
إن المطلوب من الآباء هو تشجيع أبنائهم على الدراسة والقيام بالواجبات المتصلة بها، ولكن معظم الآباء يقولون: "أنا أشجع ابني على القيام بواجباته الدراسية لكنه لا يقوم بها"، وهنا يا صديقي المشكل ليس في الطريقة أي التشجيع ولكن المشكل في كيفية تطبيق الطريقة، إذ أن أول ما يجب فعله لتفعيل التشجيع هي معرفة ما يحفز الأطفال وما هي رغباتهم، سواء من خلال الملاحظة أو حتى أن تطلب منهم كتابة ما يريدون الحصول عليه وما يتطلعون إليه ثم تستعمل هذه القائمة لتشجيعهم على القيام بأعمالهم الدراسية، وكذلك الاستفادة من مجموعة من الوسائل الموجودة مسبقا مثل التلفاز والإنترنت والألعاب الإلكترونية فلابد من أن تكون متصلة بالأعمال المدرسية.
إن الواجبات المدرسية تختلف درجة صعوبتها لذا في بعض الأحيان يكون من الضروري مساعدة الأولاد على إنجازها وإعادة توضيحها، إذ لابد أن يحس الطفل أن العائلة متضامنة معه من اجل إنجاز وواجباته المدرسية ؛ فهذا يقوي الروابط الإيجابية لذا الطفل سواء مع عائلته أو مع الدراسة بشكل عام.
و أخيرا لا بد من تدريب الأطفال على تحمل المسؤولية وربطها بالوقت، ويُستحسن تحديد وقت معين للدراسة في المنزل مثلا بعد العودة من المدرسة وتناول الطعام وقبل التلفاز والإنترنت، وكذلك تحديد مدة زمنية حتى وإن لم تكن هناك واجبات منزلية فهناك المراجعة أو على الأقل المطالعة.
حلول من طرف التلاميذ:
إن مشكلة إهمال الواجبات المنزلية لا يتعلق فقط بالأساتذة والوالدين إنما يتجاوزهم للأطفال أنفسهم، إذ لا بد من أن يحاول الطفل الاتزان في حياته اليومية أو كما قال صلى الله عليه وسلم " ساعة وساعة " بمعنى هناك وقت لدراسة ووقت لراحة والمرح، باتزان دون أن يسيطر جانب على الآخر فنصبح مثل السيارة التي تتحرك بثلاث عجلات، متدبدبة على الطريق.
ثم من أهم ما على الأطفال تعلمه ترتيب الأولويات لأن لكل شخص أولويات في الحياة حددها هو نفسه أو حددها له المجتمع والأسرة والإعلام، علمت بذلك أم لم تعلم أنت تعمل حسب أولويات مرتبة مُسبقا، لاحظ أعمالك وتصرفاتك وستعرف ما هي أولوياتك في الحياة، إن ترتيب الأولويات كترتيب البيت الداخلي، فأنت لا تستطيع العمل في مكان مضطرب لا تعرف أعلاه من أسفله، كذلك الحياة؛ لا تستطيع العيش بها وأنت لا تعرف ما هي أولوياتك أهي الدراسة أم اللعب أم العمل، عند الأذان ما هي الأولوية أهي الصلاة أم الدراسة، عند الرجوع من المدرسة ما هي الأولوية أهي الواجبات المدرسية أم اللعب أم الأكل، حدد أولوياتك لتقود حياتَك.
في الختام:
الأعمال المنزلية فرصة لتَفوق ولرَبط المدرسة بالأُسرة وهي طريقة لرفع من جودة المنتوج التربوي ؛ بشرط أن نُحسن استعمالها، وبألا تزيد من أتقال الآباء بالساعات الإضافية وساعات الدعم.
الطيبة