سميح غنادري في مقاله:
مسموح لك كان تدخلي الى ما وراء ستار الاقتراع وانت تحملين صور روادك الوطنيين الاموات
احملي معك ابريق الى ما وراء ستار الاقتراع، مليء بخليط ماء نشلتيه من عين الجابية في الحارة الشرقية ومن عين العذراء في حي الروم ومن بئر حي الامير
انت وطن. والوطن ليس حقيبة تُحمل وتُنسى. الوطن تنفس. الوطن قلب ورئة ودماغ. الوطن شجرة مثمرة كلما رعيناها وهززنا اغصانها كلما تكاثر غمرها لنا بثمارها
غداً، الثلاثاء 11 آذار ستقررين في صندوق الانتخابات للرئاسة اية ناصرة تريدين ان تكوني. من الممنوع عليك ان تحملي معك الى ما وراء ستار الصندوق اية مواد انتخابية دعائية. لكن لا احد يمنعك من ان تحملي نفسك – مدينةً وتاريخاً ورؤية مستقبلية، وتطلعات قومية وطنية وحضارية وانسانية.
يا عاصمة وصخرة الباقين في وطنهم. يا بوصلة الطريق وامل الغريق وميناء العائد ومنارة التائه. يا وطن من افتقدوا الوطن. يا عربية في وطن هودّوه وأسرلوه وترجموه... إلى العبرية. يا جمل المحامل...سيري مرفوعة الهامة منتصبة القامة، موفورة الكرامة، وانتخبي ذاتك كما انت- عصية على الخنوع والكسر.
يا ناصرة!
لملمي ذكريات تاريخك، وخذيها معك الى ما وراء الستار. معركة البقاء في سنوات 1948 الى 1951 وفك الحصار، والتصدي للحكم العسكري حتى سنة 1966. معركة "العاشور" 1958 وتكسير كراسي "حفل" من اراد لك ان تحتفلين "باستقلالهم يوم نكبتك، وهتافك "ارض العروبة للعرب صهيوني شيّل وارحلي" و"جليلنا مالك مثيل وترابك اغلى من الذهب" و"ما بنرضى بالعيش الذليل لو صرنا لجهنم حطب".
خذي معك صور شهدائك الخمسة سنة 1961 الذين قتلهم جنود الحدود، لانهم ارادوا ان يتواصلوا ويلتقوا نهرًا ببحر الاهل اللاجئين في العالم العربي. هتفتِ يومها "الدم العربي دم حي عمره ما بصير مي". ولا تنسي اخذ صور شهدائك الثلاثة في هبة اكتوبر 2000. ولا تسجيلاً لخطاباتك الوطنية في ساحة اول ايار وباحة بيت الصداقة.
ولا تنسي ايضاً اخذ وقفتك في يوم الارض 1976، ولا هتافات مظاهراتك واضراباتك: "من الناصرة لغزة اهتزي يا ارض اهتزي" و"من الناصرة لبيروت شعب حي ما بيموت" و"من الناصرة لجنين شعب واحد ما بلين".
يا ناصرة!
مسموح لك كان تدخلي الى ما وراء ستار الاقتراع وانت تحملين صور روادك الوطنيين الاموات - الأحياء: اميل حبيبي وتوفيق زياد وسليم القاسم وفؤاد خوري وحسن ابو عيشة ومنعم جرجورة وتوفيق العفيفي ونجيب الفاهوم وصليبا خميس وحسين سلام(ابو علي سلام) وحسين ابو اسعد ونقولا عاقلة وطه البيومي وصبحي السروجي وفؤاد حمدان وغسان حبيب وفضل بسيوني وانيس كردوش وصبحي بلال... الخ.. الخ من مئات آخرين.
ولا تنسى اخذ صور الكوكبة التي صنعت انتصارك التاريخي الاول عام 1975، ولا هتاف شعبك من اقصى البلاد الى اقصاها: "انتصرت الناصرة، كلنا على طريق الناصرة". وتذكري كيف حاولوا حصارك ومنع الميزانيات عنك بهدف تركيعك، فاجترحت معضلة مخيمات العمل التطوعي وطرحت طريق "الكرامة والخدمات" معلنة ان من يفقد كرامته القومية والوطنية يخسر الامرين. وكان شعار مخيماتك "يداً بيد نبني ونحمي الناصرة". لبىّ شعبك النداء، من الجليل والمثلث والنقب والساحل، وجاءك متطوعاً حاملاً لشعاره: "نبني الناصرة نعمّر الوطن".
يا ناصرة!
احملي معك ابريق الى ما وراء ستار الاقتراع، مليء بخليط ماء نشلتيه من عين الجابية في الحارة الشرقية ومن عين العذراء في حي الروم ومن بئر حي الامير. عطرّية بحبق وحدتك الاهلية. قدّسيه بآذان جوامعك وقرع اجراس كنائسك أن حي على الفلاح وعلى الناصرة السلام وفي الناس المسرة.
اشربي وتعطري وتحصني يا ناصرة وتنقبي بوشاح وحدتك. يريدون سلبك هويتك فاشهريها في وجوههم: عربية فلسطينية" انسانية بشرية – واحدة موحدة أنا.
يا ناصرة!
انت وطن. والوطن ليس حقيبة تُحمل وتُنسى. الوطن تنفس. الوطن قلب ورئة ودماغ. الوطن شجرة مثمرة كلما رعيناها وهززنا اغصانها كلما تكاثر غمرها لنا بثمارها.
غابسو وساعر وسائر عصابات الليكود يريدون تركيعك. وبعض من ابنائك، يا للاسف، يتساوقون معهم ذاتياً او موضوعياً. ويتوعدونك بالعصا اذا ما عصيتِ، ويريدونك ان تكوني عمياء طرشاء خرساء. يسعّرون هويات التفرقة الفئوية والقبلية الحزبية والجاهلية والحاراتية والطائفية العصبوية. ويتحالفون مع مستثمرين ومقاولين ورجالات مافيا وخاوة لتحويلك عزبة وملكية خاصة لهم، من خلال الهيمنة على البلدية.
المعركة ليست على البلدية، بل على البلد وهويتها ايضا الوطنية والاجتماعية التقدمية.
مدينة لا نعيش فيها فقط، بل تعيش هي فينا. والبلدية عنوان وتمثيل لبلد. فما قيمة البلد – الوطن، اذا ما ربحت فئة ما البلدية وافقدتنا البلد. وهل يجوز لبلد ان تخنع لمن لسانه اطول وعصاه اعرض وعضلاته افتل، ويهدد بقبر الاخرين و/ او ترحيلهم من البلد.
يريدون تغييب المدينة وتحويلها الى غابة. وبالتخويف وبشراء الذمم وتمزيق النسيج الاجتماعي الوحدوي للناصرة يريدون الانتصار عليها. قولي لهم يا ناصرة ان اسرائيل كانت اشطر واشرس منهم، لكن عنفها وبلطجيتها لم تزدك الا عنفواناً.
يا ناصرة!
يوم 11 آذار لا تنتخبين مجرد من يرأس بلديتك. بل تنتخبين ذاتك، وتختارين ان تكوني رئيسة لذاتك، وباختيارك انت لا تنصرين فلانا ضد فلان، بل تنتصرين لذاتك. وما من خيار لك الا اما الانتصار لذاتك... او الانتصار لذاتك، بنصرك لوجهك ووجهتك القومية والحضارية والتقدمية اجتماعياً.
ما من مجال للتردد وللتقاعس وللحيرة ولا حتى للاستياءات والمرارات والاختلافات والخلافات وللغضب على اخطاء وقعت... لان تكون هي المعيار والخلفية لخيارك الانتخابي. المعركة على منع مرتكبي الخطايا بحق هذه المدينة من الاستيلاء عليها.
ولا يقولن احد اريد حماية نفسي، وحايد عن ظهري بسيطة. فمن عندها سيحمي البلد ويحيد الضرر عن ظهرها. واذا ما خنعنا من يحمي البلد من الخنوع، واذا ما ضبطنا انفسنا من يضبط البلد. اصلا هل بالامكان ان نحمي ونضبط الذات واذا كانت البلد والبلدية غير مضبوطة وغير محمية باهلها جميعاً؟
هنالك من يتوعد باقصاء وتهميش والغاء نصف البلد. وبالمقابل هنالك من يقول: البلد ليس اما انا او انت، وانما البلد نحن معاً وانت اخي واهلي فتعال معاً نأتلف ونتعاون في البلدية القادمة لصالح المدينة. فاختاري يا ناصرة: تريدين الاقصاء ام الائتلاف الشامل برئاسة امينة وخبيرة ومجرّبة؟
يا ناصرة!
مسموح لك ان ترتدي أي ثوب تريدين يوم الانتخابات وان تدخلي به الى ما وراء ستار الاقتراع. لن ينتبه احد لهذه "الدعاية الانتخابية" الممنوعة يوم الانتخابات.
اقتراحي لك ان ارتدي فستانك وقمبازك العربي الفلسطيني المطرز، فعلى صدره تعددت خيوط التطريز والرسوم والالوان... والثوب واحد. أي تماما مثلك يا ناصرة... تعددت حاراتك وعائلاتك واديانك وطوائفك وأطيافك السياسية والحزبية، والشعب واحد. والناصرة واحدة.
والناصرة سننتخب وللناصرة ستصوت. هذه وصية جيل مضى يهز الجيل القادم: قاومتُ فقاوم!
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net