محمد صلاح في مقاله:
فبينما تطوي مصر صفحة وراء أخرى وتسير من موقع إلى آخر لإنجاز خريطة الطريق السياسية يمضي الإخوان على نهجهم من دون تغيير
سعى الإخوان إلى تدخل خارجي كما جرى في ليبيا، وقبلها العراق، من دون أن يدروا أن الظروف مختلفة ولا تسمح لأميركا أو الغرب بتكرار الغزو أو الحظر الجوي
يعتقد الإخوان أن توقفهم عن أفعالهم الآن يعني إقراراً بالفشل واستسلاماً للسيسي ولذلك هم مستمرون، بينما الأخير ليس أمامه إلا اعتماد سياسة النفس الطويل عبر حكم رشيد
الجدل الدائر في مصر الآن حول سقوط الصحافية ميادة أشرف ضحية للاشتباكات التي دارت الجمعة الماضية بين عناصر الإخوان والشرطة، لم يكن الأول ولن يكون الأخير، فما دام هناك تظاهرات مسلحة فإن ضحايا سيسقطون، وكالعادة بمجرد وقوع الضحية تبدأ الجماعة في استغلال الموقف، ويستنفر أعضاؤها، وتكثف صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقعها الإلكترونية ووسائل إعلامها و «جزيرتها» لإلصاق تهمة القتل بالشرطة.. فالإساءة إلى كل ما له صلة بالدولة الآن صار هدفاً في حد ذاته، وربما ينساق معها بعض «الناشطين» من المقتنعين بمبدأ «الثورة مستمرة على طول الخط» من دون أن يسألوا أنفسهم من الذي يتظاهر بالسلاح ويحتج بعنف ويحرق البلد على من فيه؟ عموماً الواقعة محل تحقيق في النيابة، وقد تكون الزميلة ضحية رصاص الشرطة أو متظاهري الجماعة، لكن المؤكد أن دماءها استُغلت وجرت المتاجرة بها ولن تكون الأخيرة.
فبينما تطوي مصر صفحة وراء أخرى، وتسير من موقع إلى آخر لإنجاز خريطة الطريق السياسية، يمضي الإخوان على نهجهم من دون تغيير، على رغم أن آمالهم في العودة إلى الحكم وجلوس الدكتور محمد مرسي على مقعد الرئاسة مجدداً ضعفت وتلاشت، بل أصبحت محالاً بالنسبة للجميع إلا لدى الإخوان، ما جعل خطاب الجماعة السياسي خارج كل السياقات، ويجعل نشاط عناصرهم رجالاً ونساءً في الشوارع والميادين والجامعات وحول المساجد مجرد سلوك هدام يزيد من غضب الناس عليهم، ويباعد بينهم وبين الناس وإنْ قرَّبهم أكثر من مكتب الإرشاد!!
سعى الإخوان إلى تدخل خارجي كما جرى في ليبيا، وقبلها العراق، من دون أن يدروا أن الظروف مختلفة ولا تسمح لأميركا أو الغرب بتكرار الغزو أو الحظر الجوي، لم تغير الجماعة من استراتيجيتها أو حتى آلياتها وهي تسير في طريق الصدام من دون أن تبدو في الأفق أي مؤشرات عن قرب انتصارها!!. ومع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي، يستخدم الإخوان كل آلياتهم لوقفه ومنع إجراء الانتخابات وضرب كل خطوة قبل الإعلان رسمياً عن رئيس آخر يحل محل مرسي.. وماذا بعد؟
فهم البعض عبارة وردت في كلمة المشير عبدالفتاح السيسي، التي ألقاها في مناسبة استقالته من منصبه كوزير للدفاع تمهيداً لترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية، أنه يدعو ضمناً إلى مصالحة مع «الإخوان المسلمين»، في المقابل نفهم جميعاً أن الإخوان ماضون في مسلسل عنف التظاهرات، وأن الجماعة تضغط بكل أوراقها لتمنع السيسي من الترشح، أو لتُفشل أي نظام سيأتي لحكم مصر بعد نظام الجماعة، فهل يسعى الإخوان إلى صفقة يخرجون منها بأقل الخسائر الممكنة ويكسبون من ورائها حضوراً على الساحة مرة أخرى؟ المؤكد أن من مصلحة السيسي أن يتوقف عنف الشارع، وأن تهدأ البلاد، وأن ينتهي الإرهاب وتصمت أصوات الانفجارات، لكن إذا ما كان الثمن صفقة تمنح قادة الإخوان خروجاً آمناً، وتلغي القضايا المتهمين فيها، وتسمح بعودة «الإخوان المسلمين» كجماعة تعمل بترخيص رسمي، فإنه نعم سيكسب الإخوان ولكن ستضرب شعبيتهم، وسيفقدون رصيدهم لدى الناس، وستُربك أحوال البلد الذي لن ينهض إلا بالعدل ولو بعد فترة، وبتطبيق القانون ولو بصعوبة، وبالتسامح وليس الابتزاز. ونعم أيضاً، من مصلحة الإخوان أن يعودوا إلى الساحة السياسية ولو من دون مرسي رئيساً، وأن يخرج قادتهم من السجون، وأن تعود الجماعة لتخترق كل شارع وحارة وكل حي وقرية ومدينة، وأن تربط مصالح الناس بها بمشاريع تعليمية وصحية واقتصادية، وأن تكرر المحاولة مرة أخرى لتعود إلى الحكم لكن بعد أن تقضي على معارضيها، وهم كثر، وتحصل على عفو قضائي، وهو مستحيل، وأن تمسح أحزان أهالي ضحايا سقطوا في عهد مرسي أو بعده في تظاهرات ومسيرات مسلحة، وهذا محال. يعتقد الإخوان أن توقفهم عن أفعالهم الآن يعني إقراراً بالفشل واستسلاماً للسيسي ولذلك هم مستمرون، بينما الأخير ليس أمامه إلا اعتماد سياسة النفس الطويل عبر حكم رشيد، وتطوير للاقتصاد، والارتقاء بحياة الناس، وتحقيق العدل والنهوض بمصر، ومقاومة الإرهاب والإخوان. كل التطورات منذ 30 حزيران (يونيو) وحتى الآن لا تمنح السيسي أو الإخوان أي مجال للتراجع أو الاستسلام!!
نقلاً عن "الحياة"
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net