البروفيسور رفيق ابراهيم:
الذاكرة هي إحدى قدرات الدّماغ الأساسية التي تدخل في جميع الفعاليات الذهنية وبتعريفها العلمي العام هي القدرة على تخزين المعلومات واسترجاعها عند الحاجة
النسيان يؤدي في حياتنا بوجه عام وفي نشاطنا التعلّمي بوجه خاص وظيفتين متعارضتين
من جهة يلعب دوراً ايجابياً إذ لولاه لما استطاعت الشخصية أن تنهض بأعبائها وأن تتكيف مع البيئة ومن جهة أخرى يلعب النسيان دوراً سلبياً بحيث في خسارتنا المعلومات تتعرقل مهارات وأداءات في غاية الأهمية
كثيراً ما ننسى أموراً مهمة في حياتنا اليومية، مفتاح السيارة ، اسم شخص قابلناه فجأة في مكان عام، موعد، مما يسبب لنا إحراجاً و أحياناً خسارة. فالذاكرة هي عبارة عن تجارب واعية عاشها الشخص في الماضي وتشكل مجموعة من الحلقات المترابطة والتذكر هو استيحاء ما تعلمناه واحتفظنا به سابقا ، أما النسيان فيعني الفشل في تجميع واستعادة المعلومات التي تم معالجتها وخزنها في الذاكرة، فالنسيان ظاهره يعانى منها جميع الناس بغضّ النظر عن كبر السن.
البروفيسور رفيق ابراهيم
هل النسيان نقمة أم نعمه من النعم التي رزقنا الله اياها ولماذا? ، ما مدى اثرها على الانسان وما هي اسبابها ؟ وكيف يستطيع الانسان مكافحة النسيان السلبي؟ ما هي أنواع الذاكرة ؟ وما هي العوامل النفسيه والعضويه المؤثرة على عملية التذكر؟ وكيف يمكننا تقويه الذاكرة؟ وما مدى تأثير الأجهزة الحديثه المستعمله اليوم بكثره على القدره على التذكر؟
هذا وغيره من المواضيع كان عنوان لقاء البروفيسور رفيق ابراهيم المطول مع الإعلاميّة غاليه ناطور- قدور. خلال اللقاء تحدث البروفيسور رفيق ابراهيم أيضا عن طرق تصنيف الذاكرة بناء على مدتها، وطبيعة استرجاعها وعن الدراسات التى تشيرالى العوامل العديدة التي تكمن وراء حدوث النسيان.
الذاكرة والنسيان
الذاكرة هي إحدى قدرات الدّماغ الأساسية التي تدخل في جميع الفعاليات الذهنية، وبتعريفها العلمي العام هي القدرة على تخزين المعلومات واسترجاعها عند الحاجة. أما النسيان فهو فشل الفرد في استدعاء معلومات من الذاكرة الطويلة المدى التى يرغب الانسان فى استحضارها وذلك لعلة من العلل.
بحسب البروفيسور رفيق ابراهيم النسيان يؤدي في حياتنا بوجه عام وفي نشاطنا التعلّمي بوجه خاص وظيفتين متعارضتين. فمن جهة يلعب دوراً ايجابياً إذ لولاه لما استطاعت الشخصية أن تنهض بأعبائها وأن تتكيف مع البيئة ، ومن جهة أخرى يلعب النسيان دوراً سلبياً بحيث في خسارتنا المعلومات تتعرقل مهارات وأداءات في غاية الأهمية والحيوية مع كل الجهد الذي بذلناه في تعلم هذه المعلومات وحفظها.
العوامل التي تؤثر في الذاكرة:
هناك عوامل كثيرة تؤثر في الذاكرة وتؤدي الى حدوث النسيان أهمها:
1. نوع المادة : أن الماده سهلة التعلّم تكون ايضا سهلة التذكر والمادة فقيرة المعنى وغير مترابطة تكون اكثر عرضة للنسيان .
2. التعلم التكراري : اذ يؤدي هذا التعلم الى تقوية الانطباعات في الذاكرة وبالتالي التذكر الجيد.
3. درجة المعنى أو الفهم لخبرات الإنسان أو لما يتعلمه في الحياة: لقد ثبت أن الخبرة ذات المعنى والمترابطة في عناصرها والمفهومة بشكل واضح تسهل عملية الاحتفاظ في الذاكرة كما تسهل عملية التذكر.
4. الصدمات، العقاقير والكحول: بما أن استبقاء المعلومات وتخزينها يعتمد على عمل الدّماغ فأن أي شيء يحدث له قد يؤثر في هذه العملية . فاذا تعرض شخص ما الى صدمة او ضربة شديدة في الدّماغ نتيجة حادث ينتج عنه ارتجاج في الدّماغ أو في حالات التشبع الزائد للدماغ بالكحوليات والمخدرات او تسممه بالعقاقير، قد يؤدي الى إتلاف خلايا الدّماغ وبالتالي الى إضعاف الذاكرة وتدهورها .
5. الحاله الدافعية والانفعالية : مثل هذه الحالات تمثل عاملا مهمّا في فاعلية عمليات التذكر فالمادة التي تسبب إيلاما نفسيا للفرد تكون اكثر عرضة للأنطفاء والنسيان وهذه هي وجهة نظر تطوريه (فرويدية) وذلك على عكس المادة التي يتبعها اثر باعث على الارتياح فالأحتمال أن تحيا في الذاكرة هو أكبر .
النسيان نعمة ونقمة
على السؤال "هل النسيان نعمة ام نقمة؟" أجاب بروفيسور ابراهيم أن أغلبية الناس يتفقون على أن النسيان ذو حدين : نعمة ونقمة. فمن جهة للنسيان فوائد ذهنيه ونفسية، وذلك بكونه وسيلة لتفريغ الذاكرة مما يشوبها ومن هنا دوره في تخفيف الأعباء على الدّماغ و تجديد النشاط الدّماغي .. وإتاحة الفرصة لخبرات جديدة يتعلمها الإنسان. فعلى صعيد نوعية الأحداث، على الأغلب يكون النسيان نعمة عندما ننسى امورا حزينة ومؤلمة وذكريات موجعة، فمهما كان الحزن العميق يقطع احشاءنا ، فهذه الآلام تهدأ شيئا فشيئا حتى تصير ذكرى لتكون اقل ضررا من ان تكون كما عرفناها وواجهناها. فلولا النسيان لعشنا في محيط من الاحزان ولظل البال مرهق.. وظل الفكر في عناء .. وانطوينا داخل بحر من الهموم.
فيجب أن نتذكر أنه لولا النسيان لما قدرنا أن نتواضع وأن نرفع الهامه. فكما هو معلوم لكي نتواضع علينا أن تنسى الحسب والنسب والمنصب ولكي نرفع الهامه علينا أن ننسى لحظات الفشل والانتكاس. ولكن عندما يكثر النسيان، هنا تحدث المشكلة فتنقلب هذه النعمة الى نقمة. فى اغلب الاحيان يكون النسيان نقمة عندما ننسى أمورا ذات قيمة يتعين علينا القيام بها أو انجازها او التعامل معها، فقبيحٌ أن ننسى مثلا عيوبنا وزلاتنا وأن ننسى مراقبة الله لنا في السر والعلن .
الحاسوب القراءة والتذكر
أن القراءة وفهمها وتحليلها تختلف على الإنترنت عنها في قراءة النصوص. فتغدو القراءة في عالم الإنترنت كالإبحار أو ألتحليق فوق النصوص. فمتصفحي الشاشات الذين يمسحون الصفحات أفقياً وعمودياً ويتنقّلون بسرعة هائلة من موقع إلى موقع آخر، لا يقرأون إلاً 20 في المئة من النصوص . وقد أثبتت ابحاث جديده بأن الدّماغ يحفّز بشكل مختلف عند القراءة على الإنترنت، منه عند القراءة من الورق. فرغم أن تفاعل قشرة الدّماغ يتم في الحالتين، لكن القراءة على الإنترنت تتطلّب مشاركة مناطق دماغية، إضافة الى تلك المعنيّة بالقراءة والكتابة، وذلك بفضل استخدام حاسة اللمس وأستعمال الفأرة الإلكترونية وألأنكشاف الى الصور والمربّعات المتحركة على الشاشة وغيرها.
أن مثل هذه القراءة في البيئة إلألكترونية رغم أنه ينمي في عملية القفز قدرات جديدة، أهمها القدرة على ممارسة مجموعة من النشاطات في الوقت نفسه، هو يؤثّر سلبا على مستوى التركيز والاهتمام، ما يُصعّب فهم المعلومات المتدفّقة. أما بالنسبه للذاكره، فهي تتقلّص أثناء القراءة الالكترونية وذلك لقلة أستخدام الذاكرة المكانية للنص. فقارئ النص الورقي يتذكّرمكان وجود معلومة ما في الصفحة أو الكتاب على عكس متصفّح الشاشه الإلكترونية في الحاسوب أو في الأجهزه الذكيهً.
الذاكرة الخارجية
بحسب بروفيسور ابراهيم ، يعتمد أغلبية الناس اليوم على محركات البحث (google وغيرها) للإجابة على ألأسئلة وخاصة الصعبة منها، وتخزين المعلومات في الهواتف الذكية، فهم بذلك يجدون طريقه لحفّظ المعلومات من دون بذل جهد لحفظها في ذاكرتهم. أن مثل هذه الظاهرة حقا بامكانها أن تهدّد القدره على التذكّر ذاتياً، بفعل استعمال هذه القدرة بصورة سطحية والاعتماد على " ذاكرة خارجية"، فثمّة خوف مبرّر من ضعف تدريجياً لذاكرتنا البشرية. من هنا ، يجب عدم أهمال التعلّم بالطرق التقليدية، وأعطاء ألأهمية للحفظ عن ظهر قلب، بهدف بناء أساس صلب من المعرفة الضرورية عند ألأفراد. فيكفي أن نراقب الصغار عند معالجتهم للأدوات التقنية، لنفهم أنّهم يتمتعون بذكاء (تكنولوجي ) جديد ، يشير إليه البعض باسم "ذكاء الأصابع" .
زيادة على ذلك، أن ألأستعمال المفرط للأجهزة الإلكترونية وللهواتف الذكيّة ومطالعة شاشاتها بشكل دائم وقهري يتجلى في نوع من الإدمان الذي يصعّب الامتناع عن هذا النوع من المطالعة. ولذا، ربما يجب التنبّه إلى حال صغار السن، الذين هم أكثر حاجة ألى هيكلة الأولويات، كي نحفزهم على قراءة القصص، وحفظ المواد ألادبيه، وحلّ المسائل السهله والمعقدة والتمرن على أخذ القرارات بسرعة، بحسب بروفيسور ابراهيم. ولكن رغم كل السلبيات، بروفيسور ابراهيم لا يوافق القول " أن الإنترنت يحوّلنا أغبياء" ولا يخشى مثل هذا التحدّي، فكما تأقلم الذهن البشري بعد أكتشاف الحروف المكتوبه وبعدها المطبوعة، والإنتقال من الثقافة الشفاهيّة إلى الكتب المطبوعة، فعلى الأرجح أن أمراً مماثلا سيحدث الآن مع الدخول الى عصر الشاشة الإلكترونية.
نبذة عن البروفيسور رفيق ابراهيم
حصل على لقب الدكتوراة في علم النفس العصبي من الجامعة العبرية وتخصص في تشخيص وعلاج الاضطرابات النفسية والعصبية في قسم الأعصاب في المركز الطبي رمبام وأشرف في هذه الفترة أيضاً على مركز الخدمات النفسية في كسرى - سميع. يعمل محاضرا وباحثا في مركز أدموند ي.سفرا لأبحاث الدّماغ في جامعة حيفا، ويشغل منصب رئيس لجنة الماجيستير للقسم، ورئيس برنامج أعسار التعلّم لمتكلمي اللغة العربية. للبروفيسور ابراهيم أبحاث كثيرة في مجال العمل ألأدراكي للدماغ ، ومهارات اللغة ، والتمثيل الدّماغي للغة وتحليل الوظائف التعلّمية لدى الأشخاص العاديين ، ذوو العسر التعلّمي، والمصابين باصابات دماغية.
موقع العرب يدعو كافة الأطباء والصيادلة والممرضين وأصحاب الخبرة الواسعة في مجال الطب، الى إرسال مجموعة من المقالات التي تتعلق بالأمور الطبية على مختلفها لنشرها أمام جمهور الزوار الكرام لما فيه من توعية ضرورية للزوار. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الشخص المعني أو الطبيب، والبلدة وصور بجودة عالية على العنوان: alarab@alarab.net