كميل فياض :
كلنا يعرف ان الحياة دورات كما يتجلى لحواسنا وعقولنا من اصغر الشحنات والالكترونات والفوتونات في الذرة الفيزيائية حتى فصول السنة وأيام الاسبوع
ان تعرِّف ظواهرية الحياة كدورات لا جديد في ذلك، لكن يخفى على الكثيرين ان في الحياة دورات غير ملموسة، تنشط على المستوى السيكلوجي اللاشعوري في حياتهم، وعندما اقول في الحياة دورات ولا اقول الحياة دورات، فإني اقصد ذلك، لأن الحياة ذاتها شيء، وانعكاساتها وظهوراتها شيء آخر، ذلك على مستوى التجربة والرؤية والوعي، ولأن الحياة في ذاتها غير ما ندركه ونعرفه في نطاق حواسنا وافكارنا ومشاعرنا التلقائية، يصبح للحديث عن دورات في الحياة أمر غير اضافي وغير تكراري لما هو معروف للعقل بالعادة، ومن هنا يكتسب الحديث عن الموضوع أهميته.
فكلنا يعرف أن الحياة دورات، كما يتجلى لحواسنا وعقولنا، من اصغر الشحنات والالكترونات والفوتونات في الذرة الفيزيائية، حتى فصول السنة، وأيام الاسبوع، مرورا بالدورات الدموية في اجسادنا، بلوغا الى الدورات الكونية. الكل يدور ويعيد نفسه وجريانه في مساراته الخاصة والعامة، والكل متواصل مترابط متفاعل – بصورة مباشرة وغير مباشرة – رغم الفضاءات والانقطاعات والابعاد المختلفة والحائلة كما يظهر.
من ضمن ما يعنيني في الموضوع الكشف عن الامر التالي : ان حياتنا كبشر تتطور وتتفتح ضمن مختلف انواع ومستويات الدوران المتكرر، ومن ضمن نفس المعطيات والامكانيات، وفي ذلك لا يوجد تطور في - الجوهر – اذ اننا محكومون بنفس الشرع والقوانين التي تقف في صلب الدوافع والمحركات ذاتها، وهي تقف وراء جميع الاستجابات والردود الفكرية والنفسية والحسية، رغم ما يبدو تجديدا وجديدا في الاختراعات والتشكيلات والتبديلات في نظام الاشياء وترتيبها، وفي نظام الافكار والمصطلحات والنسقيات الفكرية المختلفة، التي تسمى فلسفة، او فلسفات ..
فهي شيء والحياة في ذاتها شيء، كالوان واشكال واحجام تتغير على الدوام في مرايا ثابتة.. نحن نتطور ونتقدم كصور وانعكاسات وظلال في مرآة وعي لا يتغير في ذاته، لانه بسيط لا ينقسم في ذاته ولا يتجزأ، وهو ما نسميه حياة ووعي ورح والله الخ.. ليس الوعي في ذاته نتاج تطور وتراكم وحركة وتقدم، وهو موجود في النملة كما هو في جسد ريتشارد دوكنز عالم الاحياء الملحد، غير ان النملة تجسد الوعي فيها كنملة، وفي ريتشارد دوكنز كريتشارد دوكنز، لنا مثلا في الطبيعة : الشمس تعكس ضوؤهاعلى كل شيء تحتها وكل شيء يرد ضوء الشمس حسب قابليته، لكن الضوء في ذاته واحد لا يتغير ولا يتجزأ في الكل.
ان الكشف عن جوهر الحياة في ذاتها تحدٍ مثير للاهتمام، فهناك شعور عميق داخل كل منا برغبة في معرفة سر الحياة، وهناك رغبة في كل منا للعيش ابدا دون انقطاع، وهناك في اعماق كل منا عدم اكتفاء بشيء، وهناك قناعة بأن العالم ملكنا، وما نملكه من حطام وعمر قصير صغير جدا علينا ..
من اين يأتي هذا الشعور . . في الواقع هو ليس مجرد شعور سيكلوجي، انه بمثابة حدس معرفي وبمثابة دليل منطقي، كجزء من صميم حياتنا، يصلنا بجوهرنا البسيط والخالد واللامحدود ..وعندما يتطور هذا الحدس عبر التدرب والمواظبة اليومية الى تأمل واع وتحقيق متجاوز متسام الى جوهر وجودنا، يمكن ان يقف بنا على مشارف الحقيقة الواحدة المطلقة، فاذا كان هناك مغزى لكلمة تطور حقيقي وجذري في حياتنا كبشر، هو في هذا الاتجاه فقط أخيرا ..
اننا لسنا مجرد حلقة في دورة من دورات الحياة المتكررة، ولسنا مجرد كتلة مادية تتركب بقوى خارجية لتتفكك وتندثر داخل فصول مختلفة، لكن السعي للكشف عن ذلك لا يبدأ باعتقاد وينتهي بتسليم بديهي، بل يبدأ ببحث داخلي واعٍ جاد، يضعنا في حركة جدلية متواصلة متعالية للكشف عن جوهر حياتنا ووجودنا، عمليا هي الحياة تسعى لتعي ذاتها وتعقلها فينا خارج جميع الدورات والفصول.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net