النائب د. باسل غطاس في مقاله:
الجبهة الداخلية في اسرائيل لا تزال متأهبة وتعيش حالة من عدم الاستقرار والخوف
تجدد إطلاق النار والعودة للقصف الجوي العشوائي وقتل المدنيين سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش الدبلوماسية الاسرائيلية والقضاء التام على ما اعتمدته إسرائيل تاريخيا من لعب دور الضحية بينما كانت هي الجلاد
لم تضع الحرب على غزة 2014 أوزارها نهائيا بعد وغبار الدمار الوحشي للعدوان الاسرائيلي لا يزال يطغى على المشهد. التطورات لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها استئناف الحرب وان كنا نرجح تمديد التهدئة وصولا لوقف إطلاق نار متفق عليه قريبا.
عليه فمن المبكر إجراء تلخيص نهائي وشامل للحرب ونتائجها ومع ذلك من الضروري في هذه المرحلة بالذات التي تجري فيها المفاوضات في القاهرة تحليل وفهم مركبات الوضع الحالي خلال التهدئة الأولى ل- 72 ساعة التي اتفق عليها الأطراف، هذا من شأنه توضيح إمكانيات الطرف الفلسطيني في تحصيل أفضل النتائج وصولا ليس فقط لفرض شروط المقاومة بفرض وقف إطلاق النار الدائم وانما بتوفير العوامل المحلية والاقليمية والدولية لتحقيق الشروط لانهاء الاحتلال والفصل العنصري والتوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية.
إسرائيليا:
مركبات الوضع الحالي وبعيدا عن التسميات المحببة إعلاميا من انتصر ومن انهزم في هذه الحرب هي كما يلي:
• القوات البرية انسحبت تماما من القطاع بحسب المصادر الاسرائيلية وان كانت لا تزال تتموضع على الحدود مع القطاع.
• الجبهة الداخلية لا تزال متأهبة وتعيش حالة من عدم الاستقرار والخوف وان كانت في المنطقة الأبعد عن الحدود قد بدأت في العودة إلى طبيعتها تدريجيا. حالة التوتر الشديد التي يعيشها المجتمع الاسرائيلي لا تزال في الأوج وتتطلع إلى انفراج سريع ينقذ ما بقي من الإجازة الصيفية للإسرائيليين ويجعلهم يتحضرون للسنة التعليمية.
• الأضرار الاقتصادية هائلة وهي أكبر بكثير مما صرح به حتى الآن والاقتصاد كله في حالة من الترقب وهذا يعني خسائر مباشرة نتيجة الحرب بمقدار يتجاوز العشر مليارات شيكل وخسائر غير مباشرة ستتمثل في تباطؤ الاقتصاد وهبوط مداخيل الحكومة من الضرائب مما يعني زيادة العجز والاقتراض وزعزعة في التصنيف الإئتماني وهذا سيترجم إلى خسائر بعشرات مليارات الشواقل في السنوات القليلة القادمة. في حالة إطالة أمد الحرب سيكون الإقتصاد الاسرائيلي مرشحا لخسارة عقد كامل من النمو مثلما حدث بعد الانتفاضة الثانية.
• الحلبة السياسية في إسرائيل تشهد تيارات عنيفة لا تزال كلها تحت السطح ولكنها ستظهر بقوة قريبا وهذا ما يعلمه نتنياهو وهو يعرف أنه موجود بين خيارين كلاهما مر وسيؤدي إلى اقتراب نهايته السياسية. الخيار الأول التعنت في المفاوضات والإصرار على إظهار انجاز سياسي يستطيع تسويقه إسرائيليا على أن الحرب حققت أهدافها وهذا يعني المخاطرة بعودة الحرب أزاء إصرار المقاومة والطرف الفلسطيني على شروطها. الخيار الثاني القبول بشروط المقاومة برفع الحصار وتوسيع مناطق الصيد وإطلاق سراح السجناء مقابل تحقيق تهدئة لفترة طويلة من الزمن. نتانياهو خاسر في كلا الخيارين حيث ستتضح الهزيمة العسكرية والسياسية لتصرفه الأحمق في الحرب وفي انهيار كل عوامل واستراتيجيات إدارة الصراع التي اتبعها في السنوات الست الماضية.
إقليميا ودوليا:
• مع نجاح إسرائيل في إدارة المعركة الدبلوماسية لصالحها في البداية فقد فقدت إسرائيل بسرعة التفهم والتأييد الدولي إزاء مسلسل المجازر الدموي وجرائم الحرب التي ارتبكتها وهي تقف الآن في موقف حرج جدا دوليا خاصة على مستوى الشعوب والمنظمات المدنية وفي نفس الوقت تعود القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني عادلة إلى قلب الضمير العالمي وستواجه إسرائيل موقف صعبا بالعودة إلى مرحلة المراوحة والتسويف في الوصول إلى حل دائم وانهاء الاحتلال. أي ان تجدد إطلاق النار والعودة للقصف الجوي العشوائي وقتل المدنيين سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش الدبلوماسية الاسرائيلية والقضاء التام على ما اعتمدته إسرائيل تاريخيا من لعب دور الضحية بينما كانت هي الجلاد. وفي كل الأحوال فعلى صعيد المنظمات الدولية الرسمية يجب ملاحقة إسرائيل لمعاقبتها على جرائم الحرب التي ارتكبتها ويجب أن يرتعد خوفا كل ضابط إسرائيلي من رئيس الأركان حتى آخر الطيارين وضباط المدفعي والمدرعات من مصير مشابه لمجرمي الحرب في رواندا والبوسنيا. لن يكون هذا سهلا مع قوة ونفوذ اللوبي اليهودي في كل مكان إلا أن دم الأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين يغطي وجوههم وأياديهم وسيظل يلاحقهم إلى يوم الدين.
• إسرائيل تراهن على نشوء محور "معتدل" يشمل إسرائيل السلطة الوطنية مصر والسعودية ولكن هذا المحور هو وهمي في العقلية الاسرائيلية التي تفكر بشكل "صليبي" ولا تتعلم من التاريخ فقوة الحق الفلسطيني من ناحية وصمود المقاومة على الأرض من ناحية أخرى سيجعل إقامة أي محور من هذا النوع أضغاث أحلام حتى لو كان هناك التقاء لمصالح بعض الأنظمة العربية مع إسرائيل لفترة زمنية محددة.
فلسطينيا:
• نقاط القوة كثيرة أولها الصمود على الأرض وإن كان بثمن انساني ومادي باهظ. هذا الصمود هو ما أدخل إسرائيل إلى المأزق الذي بينا مركباته سابقا وهو وفقط هو سيكون الورقة ألأقوى في يد القيادة الفلسطينية.
• ثانيها الذهاب إلى القاهرة بوفد فلسطيني موحد وتحويل مطالب المقاومة إلى مطالب الشعب الفلسطيني وهذا بدأ يؤتي ثماره أولا ببدء تعديل في الموقف والسلوك المصري الذي سيلعب دورا مركزيا خلال المفاوضات.
• تبني إستراتيجية فلسطينية تقوي وتوطد المصالحة الوطنية وإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية وأولها منظمة التحرير الفلسطينية وتعيد اللحمة لقضية فلسطين وتقطع الطريق على أي محاولة إسرائيليةأمريكية بتحويل غزة إلى قضية منفصلة لا علاقة لها بإسرائيل أو بالضفة الغربية والقدس والتعويل على أن تقوم مصر بتوفير الحل الجغرافي والاقتصادي لها. ينبغي فرض إعادة الوحدة والتواصل الجغرافي والانساني بين القطاع فورا وأن يكون هذا من ضمن تفاصيل رفع الحصار عن قطاع غزة.
مرحلة ما بعد غزة البطولة والصمود لن يكون كما قبلها بالتأكيد والنتائج محكومة بأداء الفلسطينيين بالأساس.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net