فايز اشتيوي في وداع سميح القاسم:
لم يكن سميح القاسم شاعرًا كبيرًا ورمزًا من رموزنا في الشعر والمقاومة فحسب، بل كان موسوعة تمشي على الأرض، في الشعر والجغرافيا والترجمة، كما عرفته عن قرب
كان سميح الشجرة المثمرة التي تفيأ شعراؤنا الشباب ظلالَها، وكان لهم الأب الحاني على أبنائه، لم يحدث أن غضب من أي منهم، بل دومًا احتضنهم بحب وحنان، كونهم الجيل الذي سيتابع المسيرة
عذرني لذهولي وبكائي، فقد غلبني الدمع وطالما استعصى عليَّ، فألمي يفوق كل ألم، وحزني يربو على كل حزن، فإن كان شعبنا فقد رمزًا من رموزه، فإني فقدت روحي
في كلمته أمام الحضور الحاشد في جنازة الشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم رئيس تحرير صحيفة كل العرب، قال فايز اشتيوي مدير عام مؤسسة كل العرب:"أستاذي، معلمي، حبيبي، رفيقي الحاضر أبدًا، شاعرنا المقاوم العنيد كصخر فلسطين، أخي سميح القاسم، ترجل الفارس سميح القاسم، الشاعر المقاوم العنيد، صاحب الإنسانية والمواقف الأبية، يكفيني شرفًا أني عملت لجانبه في مكاتب "كل العرب" ما يقارب 20 عامًا.
ماذا أحدث عنك وماذا أقول ومن أين أبدأ؟، تعاندني الكلمات الآن وقد كانت تنساب من شفتيَّ حتى لو حاولت حبسها، تعاندني كلماتي يا حبيبي لأنها تأبى تصديق رحيلك، ماذا أكتب فيك وأنا أرى كل الوطن ينتحب الآن؟.
معلمي الحبيب: هل أبدأ من بداية معرفتي بك عام 91 وأستحضر السنوات بذكرياتها التي ما زالت راسخة في ذهني؟ وكيف أسميت صحيفتنا (صحيفة الجماهير العربية)، وكيف كنت تضفي جوًّا من المرح والفكاهة بين الموظفين، إنني ما زلت أسمع ضحكتك في جنبات مكتبي، وأحاول إعادة نكتة لك لأضحك طويلاً.
حبيبي سميح: ما زالت جدران مكاتب صحيفتنا "كل العرب" تعيد صدى صوتك وأنت تمر على الموظفين تلقي نكتة هنا وطرفة هنا، ويفيض الضحك، وما زالت غرفة الطعام التي جمعتنا أعوامًا تعيد علينا نفس المشاهد حين كنا نجتمع للغداء، ويتهادى صوتك بيننا كماء الجدول الرقراق، ونضحك وتضحك، وكم اختلفنا وصرخنا، ثم عدنا واتفقنا.
أستاذي الأغلى: رافقتك في تنقلاتك في الداخل وأسفارك للخارج، وما زلت أذكر أمسيتك في باريس، وكيف صُدم موظف الاستقبال في الفندق لكثرة الحضور، فاضطر لإحضار عاملات للرد على المكالمات، ويومها أدركت عظمة سميح القاسم، وقد بلغ الأمر بموظف الاستقبال أن راح يمعّط شعره في ذهول كونه ما اعتاد على حضور جمهور كتلك الليلة.
صديقي ورفيقي سميح: منذ تعارفنا لم تنقطع علاقتي بك، ولن تنقطع اليوم وغدًا، وأعاهدك يا أخي الذي لم تلده أمي، سأظل وفيًّا لك ولذكراك ما حييتُ.
شاعرنا العظيم سميح: اعذرني لذهولي وبكائي، فقد غلبني الدمع وطالما استعصى عليَّ، فألمي يفوق كل ألم، وحزني يربو على كل حزن، فإن كان شعبنا فقد رمزًا من رموزه، فإني فقدت روحي.
شاعرنا المقاوم سميح: أسرح بفكري الآن، وأنت تسلم راية الشعر والمقاومة التي حملتها ورفاقك الذين سبقوك إلى جوار الله، وأتساءل في نفسي من سيتسلم الراية بعدك؟ وهل لدينا سميح آخر يتسلمها بعدك؟
شقيقي سميح: هل أذكر أنني الوحيدُ الذي كنتَ خلال مرضك الأخير تصرُّ على تقبيله وعناقه رغم منع الأطباء، وكنت ترفض الانصياع لأوامرهم حين تراني وتقبلني وتعانقني وأقبلك وأعانقك.
ختامًا إلى شعبنا وأمتنا: لم يكن سميح القاسم شاعرًا كبيرًا ورمزًا من رموزنا في الشعر والمقاومة فحسب، بل كان موسوعة تمشي على الأرض، في الشعر والجغرافيا والترجمة، كما عرفته عن قرب، كان سميح الشجرة المثمرة التي تفيأ شعراؤنا الشباب ظلالَها، وكان لهم الأب الحاني على أبنائه، لم يحدث أن غضب من أي منهم، بل دومًا احتضنهم بحب وحنان، كونهم الجيل الذي سيتابع المسيرة.
رحمك الله يا حبيبي، وأسكنك فسيح جناته، وألهمنا جميعًا الصبر وحسن العزاء.