الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 14 / نوفمبر 04:01

نعم انه نصر كبير ومبين/ بقلم: فريد ظاهر

كل العرب
نُشر: 27/08/14 10:21,  حُتلن: 11:08

فريد ظاهر في مقاله:

غزة شبه مسطحة لا تملك جبالا ولا وديانا مما يصعب عليها الاختباء والمراوغة

هذا الانجاز الكبير يجعل القيادة في السلطة الفلسطينية تفكر مليا بكيفية ادارة أية مفاوضات مع إسرائيل على أسس جديدة

المقاومة أثبتت أنها تستطيع الوصول الى كل نقطة في إسرائيل وجعلت 5 مليون إسرائيلي ينزلون الملاجئ دون رد من الجيش

المقاومة الفلسطينية كسرت هيبة إسرائيل بضربها لعاصمتها السياسية القدس وعاصمتها الاقتصادية تل ابيب وكلفت إسرائيل المليارات

قوات المقاومة في غزة تفتقر الى التمرين كما كل الفرق الحربية المقاتلة وتفتقر الى دورات التدريب على الاسلحة المتطورة ودورات الاستكمال العسكري

بالأمس أعلن عن وقف اطلاق نار دائم بين المقاومة الفلسطينية وبين إسرائيل، وبلحظات خرجت الناس والجماهير الفلسطينية محتفلة بالانتصار على إسرائيل، خرجوا في غزة وقطاعها وبرج البراجنة ورام الله والناصره، وبدأت تنهال المباركات عبر الفيسبوك وعبر القنوات الفضائيه، وخرج ممثلو حماس واعلنوا الانتصار كما وخرج أمين عام الجهاد الاسلامي رمضان عبدالله شلح معلنا الانتصار، فهل انتصرت المقاومة حقيقة وكيف؟ وهل كانت النتائج بمستوى التضحيات؟

كنت قد أشرت من اليوم الأول من عدوان إسرائيل الذي بدأته ضد غزة بأن هذا العدوان هو آخر عدوان تقوم به على غزة باعتبار انه كسدرة أو لفة بالطيارة وعودة بسلام، وانتهى اليوم الذي تستطيع به إسرائيل أن تنهيه متى شاءت بجلسة في القاهرة وأن تقرر نوع الاتفاق وتبلغ مصر (هذا الموجود) وإن لا سنتابع ضرب غزة .
بداية مهم الاشارة للنتائج المادية لهذا العدوان في الجانب الفلسطيني، هناك حوالي 2200 شهيدا و11000 جريح، قسم منهم سيبقى مع اعاقات دائمة، وهدم وتدمير اكثر من 20 ألف شقه سكنية ومشاغل ومصانع ومكاتب ومدارس ومستشفيات الخ . وفي الجانب الإسرائيلي، تعترف إسرائيل بمقتل 70 شخصا وجرح حوالي 2000 وتهجير عشرات الآلاف بعيدا عن بيوتهم وهدم عشرات المساكن .

هذا الفرق الكبير بالخسائر والتباين بالارقام وهو من سيجعل البعض يتشكك بنصر غزة، ولكن علينا الا ننسى ان هذا التباين كان طوال الوقت بين الطرفين .ولا يستطيع احد ان ينافس إسرائيل في قدرتها الجبارة في قتل الاطفال والمدنيين وفي جبروت آلتها العسكرية الموضوعة في خدمة مجرمي حرب تعودوا على قتل الفلسطينيين، ودعونا الّا ننسى أن إسرائيل هي القوة العسكرية الأولى في الشرق الاوسط وكما يصفها العسكريون فانها رابع اغنى قوة عسكرية في العالم، وتملك سلاح طيران من الافضل في العالم، وان الجهة المقابلة أي الفلسطينيين هي قوة متواضعة جدا جدا لا تملك دفاعات جوية وقوتها البرية ضعيفة ولا سلاح بحرية عندها، نقول هذا لانه قد هيّأ للبعض أن (القوة) الفلسطينية تضاهي إسرائيل .

إضافة لذلك فإن منطقة غزة حيث يقاتل الفلسطينيون وحيث يجري العدوان هي منطقة صغيرة جدا ذات كثافة سكانية عالية تفتقر الى الجغرافيا التي تؤهلها عمل تكتيكات وحرب عصابات كالتي نعرفها، فغزة شبه مسطحة لا تملك جبالا ولا وديانا مما يصعب عليها الاختباء والمراوغة (كما في لبنان)، كما أن قوات المقاومة تفتقر الى التمرين كما كل الفرق الحربية المقاتلة وتفتقر الى دورات التدريب على الاسلحة المتطورة ودورات الاستكمال العسكري بسبب الحصار وبسبب مراقبة كل شبر فيها بطائرات المراقبة المعادية .

لقد انتهت المعركة ولم تنتهِ الحرب، انتهت دون ان تستطيع إسرائيل :هدم الأنفاق بشكل كامل، ضرب قوة حماس العسكرية، القضاء على قادة المقاومة، حماية سكانها .وفي نفس الوقت استطاعت المقاومة رغم كل الظروف كسب دعم وتأييد كل الفلسطينيين في غزة والضفة وفي الـ48 والشتات لاول مرة في تاريخ الصراع نجد هذا الدعم اللامتناهي للمقاومة برغم الخسائر البشرية والمادية، وطوال الوقت كان حتى أهالي الشهداء يطالبون المقاومة الاستمرار بالمقاومة وصد العدوان الى حين تحقيق لاهداف .

استطاعت المقاومة من حماية قيادتها رغم طول الذراع الإسرائيلية الفتاكة، واستطاعت المقاومة من الاستمرار في انتاج الصواريخ خلال الحرب واكدت انها تملك مخزونا لاشهر طويلة، ونجحت المقاومة بالمحافظة على عدد كبير من الانفاق، ونجحت المقاومة في خطف جنديين سيكلفان إسرائيل الكثير. كما حوّلت المقاومة عشرات المستوطنات الى مدن اشباح بعد هروب سكانها وفضحت المقاومة هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية والتي هي الاخرى اوهى من بيت العنكبوت، وأثبتت المقاومة بأنها تستطيع الوصول الى كل نقطة في إسرائيل، وجعلت 5 مليون إسرائيلي ينزلون الملاجئ دون رد من الجيش .

كسرت المقاومة الفلسطينية هيبة إسرائيل بضربها لعاصمتها السياسية القدس وعاصمتها الاقتصادية تل ابيب وكلفت إسرائيل المليارات. نجحت المقاومة في توحيد جميع الفصائل العسكرية في جبهة واحدة ودون اي خلاف واحد لا بالتكتيك ولا بالخطط اليومية .
نجحت المقاومة بجمع كل القوى السياسية تحت لوائها ونجحت بالمحافظة عليهم موحدين رغم ما كان من فرقة وشرذمة سنين طويلة، فوجدنا فتح وحماس والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية والجهاد الاسلامي وحزب الشعب الفلسطيني وغيرهم صفا واحدا طوال كل الحرب .
خلقت المقاومة شيئا جديدا في إسرائيل، لم تحلم به إسرائيل في ابشع كوابيسها، وهي مسألة اللاجئين، فما يسمى محيط غزة قد فرغ من سكانه تماما ولم يبقَ فيه سوى اصحاب الوظائف كمثل مركّز الامن هناك والذي قتل بالامس، وتم تفريغ منطقة اشكول بشكل كبير جدا، كما اعلنت كل المنطقة عن عدم استعدادها لفتح العام الدراسي. وكل هذا أمام اعين الحكومة الإسرائيلية التي وقفت عاجزة أمام هذا المشهد غير قادرة على حماية شعبها.

إن اسلوب المفاوضات الذي اعتمدته المقاومة وطول النفس الذي أبدته كان مثيرا للاعجاب وأظهر الخلافات العميقة داخل الكابينيت الإسرائيلي الذي لم يعد يجتمع في الايام الاخيرة واقتصر القرار على نتنياهو ووزير دفاعه وبالمقابل وحدة فلسطينية لا يغلبها غلاب .

انتهى العدوان وقد فقدت إسرائيل ما تبقى لها من هيبة ردعية وبالمقابل فإن قوة الردع الفلسطينية اصبحت كبيرة وكبيرة جدا، إضافة الى مصداقية عالية كتلك التي يمتلكها حزب الله الذي اصبح عنوانا للإسرائيلين لفهم ما يحدث. مصداقية المقاومة أهلت المتحدث باسم حماس سامي ابو زهري ان يبلغ الإسرائيلين بانّ باستطاعتهم العودة الى بيوتهم بدءً من الساعة السابعه، الامر الذي لم يجرؤ نتنياهو او احد من حكومته على قوله لسكان الجنوب بعد
أن فقدوا مصداقيتهم وصدقهم بعيون الإسرائيليين .
انتهت هذه الجولة وكانت شروط المقاومة تتلخص بما يلي: فتح المعابر الإسرائيلية والمصرية، تحرير أسرى عملية شاليط وأسرى حماس بالضفة، اقامة ميناء بحري وميناء جوي وكذلك حرية التنقل بين الضفة وغزة .

وكانت مطالب إسرائيل عديدة جدا: نزع اسلحة المقاومة، تدمير كل الانفاق، وضع شروط على الاغذيه الداخلة الى القطاع (كما كان سابقا) منع ادخال الحديد، مراقبة كميات الاسمنت الى غزة والعديد العديد .لقد رفضت جميع المطالب الإسرائيلية ولا عودة عليها لاحقا .اما المطالب الفلسطينية فقد تحقق منها الآن التالي :
تفتح جميع المعابر حالا، ويتم أدخال جميع المواد الغذائية كما يقرر الشعب الفلسطيني.
يتم أدخال الأسمنت والحديد بالكميات التي يحتاجها الفلسطينيون .
يتم تحويل الاموال (المعاشات) حالا وعدم ربطها لاحقا بأي حدث .
يسمح بالصيد لمسافة 6 اميال بحرية (حوالي 10 كم) بعد ان كانت 4 اميال وفي الواقع لم تكن إسرائيل تسمح بالصيد لمسافة اكثر من 700 متر فالانتقال هناك كبير جدا وبه نقلة نوعية .
بعد 30 يوما بدءً من وقف اطلاق النار يجلس المتفاوضون لبحث المطالب الفلسطينية بإقامة الميناءين وتحرير الاسرى والتنقل بين الضفة وغزة ولا بحث لمطالب إسرائيلية (وما اعرفه بالسياسة فإن إسرائيل لن تعارض تحقيقها ولكن اعطيت فرصة لنتنياهو للنزول عن الشجرة) على ان يقنع نتنياهو حكومته خلال هذه الفترة. وهنا اعتبر أن باقي مطالب المقاومة ستتحقق وهي قاب قوسين أو أدنى والضمان لتحقيقها هو السلاح الفلسطيني وليس الدول الضامنة مع أهميتها.

فاوضت إسرائيل المقاومة تحت النيران بعد أن تحدثت بعنجهية بأنها لن تفاوض تحت النيران ولهذا مدلولاته الكبيرة وأن عدم التعنت الفلسطيني بتحقيق هذه المطالب حالا له أسبابه السياسية والدبلوماسية مع عدم التنازل عنه في الشهر القادم، فوجود مصر في الصورة بعد كل هذا الخلاف الكبير مع حماس يجب ان يحترم فلن يستطيع الفلسطينيون الاستغناء عن دور مصر ولا معابرها، وهناك اعتبارات أخرى للمانحين الذين سيتم اعمار غزة بجله من اموالهم والتي تقدر بالمليارات .

إن قوة الردع التي خلقتها المقاومة والعجز الذي ابدته إسرائيل في حماية هيبتها وسكانها، يجعلها تحسب ألف حساب لأي مغامرة مستقبلية مع غزة، كما وأنها تحسب ألف حساب لدخول الضفة الغربية الى دائرة العسكرة، كما بدأت بعمل مليون حساب لأي تحرك لحزب الله التي تقدر قوته بمئات المرات عن قوة غزة .

اعلنت القيادات الفلسطينية أن هذا النصر هو نصر استراتيجي، وهو نصر يقصر المسافة للوصول الى القدس وتحرير فلسطين، كما وأنه قد قبر اتفاقيات اوسلو التي دفنها الإسرائيلي بيديه مع اطفال غزة .إن هذا الانجاز الكبير يجعل القيادة في السلطة الفلسطينية تفكر مليا بكيفية ادارة أية مفاوضات مع إسرائيل على أسس جديدة وبتركيبة وفود مفاوضة جديدة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net


مقالات متعلقة

.