كان الليل قد بعثر نفسه و غطى أزقة المدينة كلها، و الظلام خيم فوق اسقفة البيوت، و الناس نيام مثل الجثث الهامدة التي تنتظر فراق الشمس و قدوم القمر لكي تفرغ ما في العيون من دموع، و النجوم تنادي بصوت عال عال، وتصرخ بأنها سوف تقول لا بل تفضح سر ما قد أخفاه الظلام الدامس ، و لكن في اللحظة ذاتها تتراجع عن ذلك الصراخ لكي لا تعدم في مشنقة القدر، يا لها من ليلة من ليالي الزمان، حيث كنت واقفة أمام شرفة غرفتي في يدي سيجارتي التي اعتدت على مسكها كل ليلة في تمام الواحدة و النصف ليلا، كان دخنها يحرق قلبي من دون آن يصل إلى ثناياه، و لهيبها يقتل كل زاوية من جسدي دون أن يلمسه، ويشعل نار الانتقام في مكان ما في دماغي,
و في يدي الأخرى كنت امسك قلمي الرصاص الذي لا يفارقني, أينما كنت كان هو قلم صامت لا يملك اللسان، و يا ليت كان له لسان ليقرأ ما وراء السطور، أطلق سبائك الرصاص يا قلمي الرصاص تكلم ، غرد بقول المستحيل حتى لو كان خطأ، للأسف صامت بلا لسان و لكن مع قلب، تكلم عن الشخص الذي يكتب بك، اصرخ، و لو كان الصراخ سوف يرجع صوت الصدى، لم يصرخ، و ألان أتي إلى ذاتي التي كانت تنظر من ذلك الزجاج الذي يرسم لها الحياة، كنت انظر و أحدق في الليل و خفاياه، و أتذكر ما جاء في قاموس الماضي، و لا أنسى ما كتب في الحاضر عن المستقبل, كنت أقول يا ليتني لم اخلق بشرا، يا ليتني كائن أخر من عالم منطوي عن الحياة، أليك يا جسدي ابحث عن شخصية أخرى و انتحلها، اهرب يا اسمي من ذاتي و ارحل و لا تقترب مني فأني ألوث معناك .
و أنا في ذلك الصراع الذي لا ينتهي و لا اعرف من سيكون الفائز و الخاسر مع ذاتي، و كدت أن ارمي نفسي من النافذة و اهرب من بقايا البشر في الحياة,
و أذا بالباب يطرق، بدأت الأسئلة تدور و تطرق كالمطرقة في رأسي، و يقول دماغي من ذلك المزعج في ذلك الوقت المتأخر من الليل يطرق الباب على فتاة في غرفتها تبكي على أعمال البشر في الحياة، و أذا بي أتقدم خطوات إلى الأمام و يدي ترجف خوفا،
و فتحت الباب، كان ذلك الزائر غريب عجيب، كان هو الحب، فتحت شفتاي المطبقتين و قلت ما الذي آتى بالحب إلى بابي، و قال أنت هي التالية على القائمة و لم افهم قوله أنت هي التالية على القائمة، تفوه في كلامه و قال, دخان سيجارتي وصل إلى انف القدر، و رصاص قلمي قتله و هو لا زال يأخذ نفس في الحياة, و دموعي سلبته و هو يملك الثروة، و كلماتي بقبت تهمس في مخيلته رغم أني رحلت من الذاكرة، قالت شفتاه لقد أزعجت القدر، و لكي يعاقبكي أرسلني إلى هنا لأكون وسيلة الانتقام له، و لم اكترث لما قال، و قبل أن يرحل ترك ورائه بصمة و قال أنت هي التي بدأت بالحرب و تحديت القدر، أليك النتيجة، و فر هاربا في الأفق البعيد دون أن أتذكر تفاصيله التي تركها .
وطرقت الباب، و نسيم الهواء يداعب وجهي و اخذ شعري يتناثر أدراج الرياح، و عدت أتأمل الحياة مرة أخرى، و في احد الأيام التي كانت فيها الحياة ترمي شرا على البشر، و إذا بي أقف على طاولة الزواج، و ارتدي ذلك الفستان الذي تحلم به كل فتاة، و في يدي أكليل الورد، و تعجبت من ذاتي!!!
انتظرت فارس أحلامي على تلك الطاولة كثيرا وكثيرا
ولم يأت و بدأت أفواه الناس تتحرك من مكانها، وفي تلك اللحظة جاء ذلك الفارس الذي اعتقدته رجلي .
وكانت ملابسه ملطخه بالدماء، لم ادري ما الذي جرى له لماذا هو في ذلك الحال، قال انتهى كل شيء وفر هاربا، و قتلني في الحياة و أنا لا زلت استنشق الهواء، و سالت دموعي على خدي تأخذ مكانها تحت عنقي .
كانت دموع سوداء لوثتها كحلتي التي تزينت بها .
وفستاني مزقته لكي اخترق ما كان من الحب بقايا في جسدي، فارس أحلامي فر هاربا دون أن اعرف لماذا تركني واقفة على تلك الطاولة، اخذ فؤادي رغم انه بالداخل .
عدت إلى مسكني وغرفتي التي رائحة السجائر لا تذهب منها، هل شاء القدر و فعل بي هذا، أو أنا التي جنيت على نفسي ؟؟؟
أعيش في الحياة و لكن انتظر الآخرة، وعادت سيجارتي إلى مكانها و قلمي حذف قلبه، و أنا هنا أتأمل الحياة من نافذتي، و كأن شيئا لم يحصل و لكن في داخلي بقايا حياة، وعرفت لماذا قرع الحب بابي في تلك اللحظة، لكي يخبرني بالعقاب الذي جهزه القدر من اجلي ذلك هو عقاب القدر .....
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net