الباحث عاص أطرش في دراسته:
من يؤيدون مشروع الخدمة المدنية من جيل الشباب، يؤيدونها لأسباب اقتصادية منفعية بينما يعارضونها لأسباب قومية أساسًا
من يؤيدون الخدمة المدنية - الوطنية لديهم موقف يعبر عن ثقة بالديمقراطية الإسرائيلية بدرجات أعلى من شباب عرب آخرين
هناك علاقة طردية بين تغييب "الفلسطينية" من تعريف الهوية لدى فئة معينة من جيل الشباب واكتفاء هذه الفئة بـ "العربية الإسرائيلية" وبين تأييدها للتطوع في الخدمة المدنية - الوطنية
وصل الى موقع العرب وصحيفة كل العرب بيان صادر عن المركز العربي للدراسات الإجتماعية والتطبيقية مدى الكرمل، جاء فيه "يُعتبر مشروع "الخدمة الوطنية - المدنية"، وفقًا للتسمية الإسرائيلية الرسمية، قضيّةً شائكة وحارقة تشغل المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر منذ سنواتٍ طويلة، ويعتبر إحدى مساحات الصراع بين القوى والفعاليات الوطنية الفلسطينية في الداخل وبين المؤسسة الإسرائيلية".
وتابع البيان "وقد صدر مؤخرًا عن "مدى الكرمل – المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية"، كتاب يتناول مشروع الخدمة المدنية، تحت عنوان "الفلسطينيون في إسرائيل ومشروع الخدمة المدنية" (2014)، والذي يقع في 211 صفحة، تتوزع على مقدمة وخمسة فصول، عناوينها: خدمة مدنية في خدمة أهداف سياسية (امطانس شحادة)؛ الخدمة المدنية بين البعد القومي والبعد الاقتصادي: نتائج استطلاع رأي (عاص أطرش)؛ تجربة الفتيات الفلسطينيات في الخدمة المدنية: حالة الفتيات في المثلث ووادي عارة (سهاد ظاهر – ناشف)؛ مواقف القيادات العربية تجاه مشروع الخدمة الوطنية المدنية (امطانس شحادة)؛ الخطاب السياسي بين مطالب دولة المواطنين ونفي الخدمة المدنية (رائف زريق)".
وأضاف البيان "واحتفاءً بصدور الكتاب وإطلاقًا له، نظم "مدى الكرمل" ندوة بالتعاون مع "جمعية الشباب العرب – بلدنا"، الاثنين الماضي، 22.09.2014، في مقر جمعية بلدنا في حيفا؛ شارك فيها ثلاثة باحثين ساهموا في الكتاب، وبحضور العشرات من الناشطين والباحثين والمهتمين. أدارت الندوة الناشطة ميسان حمدان، مفتتحة إياها بالترحيب بالباحثين والجمهور، ومتحدثة عن الخدمة المدنية – الوطنية بصفتها قضية ملحة وحارقة يواجهها المجتمع الفلسطيني في الداخل، وخصوصًا جيل الشباب، المستهدف في هويته العربية والفلسطينية.
في مداخلته، أوضح الباحث عاص أطرش، مسؤول وحدة استطلاع الرأي في مركز "مدى الكرمل"، والمحاضر في كلية الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية بنابلس، أن دراسته المعنونة بـ "الخدمة المدنية بين البعد القومي والبعد الاقتصادي"، اعتمدت على منهجية البحث الكمي في تحليل آراء ومواقف جيل الشباب تجاه الخدمة المدنية – الوطنية الإسرائيلية، وأن المعطيات جمعت بواسطة استطلاع رأي أعد عام 2012 لصالح "مدى الكرمل"، قورنت نتائجه مع نتائج استطلاعين سابقين اجراهما الباحث. وتبين أن نتائج استطلاع "مدى الكرمل" تتطابق مع الاستطلاعين السابقين، وتختلف إلى حد كبير مع استطلاع أجراه كل من الباحثين سموحه ولختمان عام 2009، فالاستطلاعات العربية الثلاثة تشير إلى أن 70% (تقريبًا) من الشباب العرب يرفضون الانخراط في الخدمة المدنية – الوطنية الإسرائيلية، بينما استطلاع سموحه ولختمان يشير إلى أن أكثر من نصفهم في جيل 18 - 22 يؤيدون الخدمة، وأنهم على استعداد للانخراط فيها بشكل شخصي".
وجاء في البيان "وقد أظهرت نتائج دراسة أطرش أن من يؤيدون مشروع الخدمة المدنية من جيل الشباب، يؤيدونها لأسباب اقتصادية منفعية، بينما يعارضونها لأسباب قومية أساسًا. وأظهرت النتائج أيضًا أن من يؤيدون الخدمة المدنية - الوطنية لديهم موقف يعبر عن ثقة بالديمقراطية الإسرائيلية بدرجات أعلى من شباب عرب آخرين.
وبينت الدراسة كذلك أن هناك علاقة طردية بين تغييب "الفلسطينية" من تعريف الهوية لدى فئة معينة من جيل الشباب، واكتفاء هذه الفئة بـ "العربية الإسرائيلية"، وبين تأييدها للتطوع في الخدمة المدنية - الوطنية.
وأشار عاص إلى أنه لم يجد فرقًا ذا دلالة إحصائية بين موقف الذكور من جهة تجاه الخدمة المدنية – الوطنية، وموقف الإناث من جهة أخرى، رغم أن نسبة الإناث المؤيدات للانضمام للخدمة المدنية أعلى من نسبة الذكور، لكن تأييد مجتمع البحث لانضمام الفتيات للخدمة المدنية أقل من النسبة العامة، وفق أطرش".
سهاد ظاهر – ناشف: أبوية المجتمع تدفع بالفتاة الفلسطينية للانخراط في الخدمة المدنية
وتابع البيان "أما الباحثة سهاد ظاهر – ناشف، منسقة برنامج الدراسات النسوية في مدى الكرمل، والمحاضرة في أكاديمية القاسمي وكلية أورانيم للتربية، فقد تناولت في مداخلتها نتائج دراسة ميدانية حول "تجربة الفتيات الفلسطينيات في الخدمة المدنية"، أجرت خلاله مقابلات مع 30 فتاة تتراوح أعمارهن بين 18 – 27 سنة، كن خضن في السابق، أو بالتزامن مع إجراء البحث، تجربة المشاركة في إطار مشروع الخدمة المدنية – الوطنية الإسرائيلية.
ولعل أبرز ما توصلت إليه الدراسة أن البنية الأبوية التسلطية التي تعيش في ظلها الفتيات الفلسطينيات، تساهم في دفعهن للمشاركة في الخدمة المدنية – الوطنية؛ فهذه البنية، وفق الباحثة ظاهر – ناشف، والتي تحد من قدرة الفتيات على العمل خارج "البلدة" بعيدًا عن البيت، تتشابك مع السياسات التمييزية التي تنتهجها المؤسسة الإسرائيلية الاستعمارية تجاه المجتمع الفلسطيني في الداخل، ومن ضمنها سياسات الإفقار، وشح فرص العمل للنساء الفلسطينيات في السوق، ورفع سن القبول في الجامعات الإسرائيلية لمواضيع "نسائية" معينة؛ وهذا التشابك بين الأبوية والسياسات الاستعمارية يضطر الفتاة الفلسطينية إلى البحث عن مخارج توفر لها مصدر رزق يتلاءم مع ظروف سياقها المطروح، ومن بين هذه المخارج المتوفرة مشروع الخدمة المدنية – الإسرائيلية، فـ 60% من الفتيات المشاركات في البحث قلن إن السبب الأساسي للتوجه للخدمة المدنية هو البحث عن عمل قريب من البيت، لأن الأهل لا يوافقون أن يعملن بعيدًا عنه، وقد أوضحن أنهن يفضلن الخدمة المدنية على العمل لدى مشغل عربي بسبب تدني الأجور وشروط العمل الصعبة لدى الأخير.
اللافت في نتائج الدراسة أن غالبية الفتيات أعربن عن معرفتهن المسبقة بأن عملهن هو خدمة مدنية – وطنية، وأنه بديل للخدمة العسكرية، بينما فقط 5 فتيات من أصل 30 (17%) أوضحن أنهن لم يعلمن ذلك مسبقًا، وأن الخدمة كانت بالنسبة لهن عملًا تطوعيًّا مقابل دعم مالي".
وجاء في البيان ايضا "مواقف القيادات العربية تجاه مشروع الخدمة الوطنية – المدنية" هو عنوان دراسة الباحث امطانس شحادة، مركّز مشروع دراسات إسرائيل في "مدى الكرمل"، والتي استعرض تفاصيلها وأهم نتائجها خلال الندوة، مبينًا أنه أجرى مقابلات مع 20 شخصية عربية لإنجاز الدراسة، تمثل الأحزاب والحركات السياسية المختلفة في الداخل الفلسطيني، الممثلة وغير الممثلة في الكنيست؛ ولجنة المتابعة العليا لقضايا الجماهير العربية؛ والبلديات؛ ومؤسسات المجتمع المدني.
ومن بين الأسئلة التي حاولت الدراسة الإجابة عليها، وفق شحادة: هل تتفق القيادات العربية على تعريف مشروع الخدمة المدنية؟ ما هو موقف القيادات من المشروع وكيفية التعامل معه؟ هل هناك حاجة لطرح بدائل للمشروع؟ هل نجح العرب في منع تطبيق مشروع الخدمة المدنية؟ ما مدى رضا القيادات عن العمل الجماعي لصد مشروع الخدمة المدنية؟ كيف سيتصرف المجتمع العربي في حال سن قانون يفرض خدمة مدنية - وطنية إلزامية على الشباب العرب؟
وقد تبين أن القيادات العربية على اختلاف انتماءاتها ترى في الخدمة المدنية – الوطنية مشروع أسرلةٍ وتشويه هويّةٍ خطير، وأنه بديل للخدمة العسكرية، ولهذا ترفضه جميعها، مع الإشارة إلى أن بعض القيادات تضع شروطًا لقبوله، من بينها إنهاء الاحتلال لأراضي عام 1967 تمامًا، أو نقل المشروع إلى إدارة عربية بهدف خدمة المجتمع العربي، وفك ارتباطه (أي المشروع) مع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وهو بديل لم تقبله غالبية القيادات التي أُجريت المقابلات معها، إذ ترفض رفضًا قاطعًا المشروع، مع مراعاتها لأهمية العمل التطوعي والاجتماعي.
واختتم البيان "ووفقا للدراسة، فإن غالبية القيادات قيمت بنقدية صريحة العمل الجماعي العربي في مكافحة الخدمة المدنية – الوطنية، وأشارت إلى مكامن الضعف والخلل، مع الإشارة إلى خلو الجدل السياسي حول المشروع من المناكفات الحزبية أو الأيدولوجية.
وأوضح شحادة أن غالبية القيادات العربية تتفق على أن الرد المناسب في حال سنت المؤسسة الإسرائيلية قانونًا يفرض الخدمة المدنية – الوطنية على فلسطينيي الداخل، هو رفض القانون وإعلان العصيان المدني، وهناك أصوات قليلة من بين القيادات تدعو إلى مكافحة القانون في حال سُنَّ بأدوات قانونية دون اللجوء للعصيان المدني، لما قد يترتب على هذا من تبعات.
نديم ناشف: الرفض حتى النهاية
ختامًا، قدم نديم ناشف، مدير جمعية الشباب العرب – بلدنا، مداخلة تلخيصية لوقائع الندوة، تناول خلالها تجربة الجمعية في مناهضة الخدمة المدنية – الوطنية الإسرائيلية، وقدم توصياته واقتراحاته، وعلى رأسها عدم البحث عن بديل للمشروع، والاستمرار في رفضه، خاصة أن ظروف المجتمع العربي لا تؤهله لإدارة بدائل مشروع كهذا في ظل ما يتطلبه من ميزانيات ضخمة، مؤكدًا أنه مهما فعل العرب فإنهم لا يمكنهم منافسة المؤسسة الإسرائيلية في وضع بدائل للمشروع، مع ما تضخه من أموال وتوفره من أدوات لنشره بين الشباب.
وبعد ذلك فتح المجال أمام المشاركين لطرح ملاحظاتهم وأسئلتهم على الباحثين المشاركين" بحسب البيان.