بلال شلاعطة في مقاله:
لا شك أن شباب المجتمع العربي يتوقون لوحدة الأحزاب فهذا ما يتضح من خلال صفحات شبابية عبر شبكات التواصل الاجتماعي
لا شك أن هنالك علاقة وثيقة ما بين الطرح الحزبي والطرح الاجتماعي ولكن حتى الآن سيطر الطرح الحزبي على الطرح الاجتماعي
في المجتمعات الغربية هنالك أحزاب تدقق على الطرح المجتمعي وحتى تصف نفسها بالأحزاب المجتمعية فيصبح الطرح الاجتماعي هو الطرح السياسي
تكثر الطروحات عبر شبكات التواصل الاجتماعي والتي تتعلق بمطلب وحدة الأحزاب العربيّة مع بعضها البعض، والمثير للنظر أن الشباب الذين ينتمون لتيارات وأحزاب مختلفة يطالبون بمعظمهم بوحدة الأحزاب العربيّة. من مدخل هذا الطرح ومن خلال هذا المقال أود أن أخوض في الفجوة القائمة ما بين الطرح الشبابي والطرح القيادي وبالتحديد في السياق المجتمعي.
كنت في مقال آخر قد طرحت الخطاب الشبابي المطلوب في الفترة الحالية مع إقرانه مع الطرح الاجتماعي المنشود. لا شك أن شباب المجتمع العربي يتوقون لوحدة الأحزاب فهذا ما يتضح من خلال صفحات شبابية عبر شبكات التواصل الاجتماعي. أعتقد أن الطرح السياسي والحزبي للأحزاب العربيّة ابتعد كثيراً عن الطرح الاجتماعي مع أنه القاسم المشترك لجميع التيارات والأطر في المجتمع العربي.
الطرح الاجتماعي تم إهماله من قبل القيادة العربيّة والغريب في الأمر أن الدعاية الانتخابية وفي كل انتخابات تأخذ بعين الاعتبار هذا الطرح، ولكن على ما يبدو يتم تجاهل هذا الطرح والتعامل معه بعد الانتخابات. من خلال معرفتي للعديد من الأكاديميين والباحثين في المجتمع العربي اكتشفت ان لديهم ما يكفي من الكفاءات لمساعدة القيادة السياسية اذا صح التعبير للنهوض بالمجتمع العربي الى ارفع المستويات.
السؤال الذي يطرح هل يتم اهمال الطرح الاجتماعي قصداً أم سهواً من قبل القيادة السياسية؟ لا شك أن المجتمع العربي قد مر خلال الخمس سنوات الأخيرة بالعديد من المتغيرات، والقضايا المجتمعية الحساسة فعلى سبيل المثال ازدياد ظاهرة العنف، العنف ضد النساء، الاعتداءات الجنسية، القتل والسلاح غير المرخص الخ. باعتقادي هذا هو الطرح الاجتماعي والذي يجب ان يتم توظيفه من قبل القيادة القطرية وهو الأقرب على قلوب الجماهير، فلا يكفي أن تكون مكافحة هذه الظواهر فقط من خلال التصريحات الإعلامية ولكن يجب أن تتخذ خطوات عملية من شانها ان تستنهض المجتمع العربي. إذا كان الطرح الاجتماعي هو الموحد لهموم وتطلعات المجتمع العربي إذاً يجب تغذيته من خلال الواقع العملي ووفقا للاحتياجات القائمة في المجتمع مع الاستعانة بالمؤسسات والأطر المهنية.
لا يخفى على احد أن ظاهرة العنف في تزايد في المجتمع العربي وحقيقة تم المبادرة لمكافحة الظاهرة من خلال لجنة المتابعة ولكن حتى الآن لم تفي بالمطلوب وزيادة على ذلك تم طرح خطوات إعلامية ولكن حتى الآن لم تترجم إلى واقع عملي. ما يحتاجه هذا المجتمع وأكثر من ذي قبل إلى قبول الطرح الاجتماعي، فمن خلاله تستطيع أن تطور المكانة الاقتصادية للمواطنين العرب ويمكن أيضا تدعيم كل ما يعرف بالقطاع الثالث طبعاً مع الشفافية المطلوبة لهذا القطاع. في الآونة الأخيرة يسيطر الطرح السياسي والحزبي، ومع قراءة سريعة على صفحات شبابية في المجتمع العربي والتي تدعو لوحدة الأحزاب يبدو أن الشباب يهمهم مستقبلهم ومستقبل هذا المجتمع لأنهم يدعون إلى الوحدة وبامتياز.
لا شك أن هنالك علاقة وثيقة ما بين الطرح الحزبي والطرح الاجتماعي ولكن حتى الآن سيطر الطرح الحزبي على الطرح الاجتماعي لأنّ الطرح ذاته لم يتم تقويته في مضمون الطرح الحزبي حتى في حالة السيطرة، وعليه يجب فصله تماما وإبرازه وبشكل مستقل من خلال الدعاية الانتخابية الحالية وهذه فرصة للتسابق على إعادة النظر في كل ما يتعلق بالتعامل مع القضايا الاجتماعية الساخنة. القيادة الحقيقية هي التي تستثمر الخطاب الحزبي لإبراز الخطاب المجتمعي، فبالتالي هو القاسم المشترك لجميع الأحزاب والتيارات في المجتمع العربي. ما نبحث عنه في هذا المجتمع هو تطور ورقي مجتمعي والذي سينعكس على العديد من القضايا التي تخص أبناء وبنات هذا المجتمع والاعتماد فقط على الخطاب الحزبي سيضعف النسيج المجتمعي واكبر مثال على ذلك الصراع الحزبي والسياسي الذي كان وعلى مدار سنوات بين الأحزاب العربيّة.
في نفس السياق يجب القول إنّ المفهوم الديموقراطي يستدعي تعددية فكرية الا ان المفهوم الديموقراطي أيضاً يدعو إلى مجتمع صحي ومتنور فمن خلال صيغة هذا المجتمع ستصل إلى مفهوم التعددية الفكرية الصحية. تبني الخط الواقعي والعملي من خلال الأحزاب يحتم عليها إظهار الطرح الاجتماعي من خلال معادلة مشتركة لا تقتصر على حزب أو تيار دون الآخر، بل العكس هو الصحيح فالطرح ذاته هو الاستثمار في بنية مجتمعية وهي قائمة ومتفاعلة في هذا المجتمع. القيادي الصريح والحقيقي هو الذي يتعالى عن الفكر الايديولوجي خدمة لمصلحة مجتمعية عليا، فالذي وضع مواثيق الاحزاب والتيارات السياسية اشخاص عاديون والذي باستطاعته تغييرها أيضا اشخاص عاديون.
الطريق الى مجتمع صحي ومتنور مع توظيف الخطاب المجتمعي هو احد مواصفات القيادة، مواجهة الحقيقة المجتمعية كما هي دون إتاحة الفرصة لاعتبارات سياسية أن تقوم بالاستيلاء على الطرح الاجتماعي. بمعنى أن يكون هنالك احتلال او استعمار من قبل الطرح السياسي للطرح المجتمعي بل على العكس تماما يجب تليين الخطاب السياسي والخطاب الحزبي لينسجما مع الخطاب المجتمعي وحتى كانت اقول السماح للخطاب المجتمعي ان يستعمر الخطاب الحزبي.
هذا هو القاسم المشترك لجميع التيارات في المجتمع العربي والذي لم يتم تطويعه حتى الآن من قبل القيادة الحزبية في المجتمع. في المجتمعات الغربية هنالك أحزاب تدقق على الطرح المجتمعي وحتى تصف نفسها بالأحزاب المجتمعية فيصبح الطرح الاجتماعي هو الطرح السياسي. مذهب إبراز الطرح الاجتماعي حاجة ماسة والتي تفتقدها الأحزاب العربيّة حتى الآن، مما يقتضي بناء هذه المدرسة في المجتمع العربي وهذا هو باعتقادي الامتحان الهام لمفهوم القيادة بأرقى معانيها وأبعادها.
الكاتب بلال شلاعطة: إعلامي وعامل اجتماعي جماهيري ومختص في الإدارة العامة
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net