لمى مرجية في مقالها:
ككلّ إنسانٍ منتمٍ لمدينته لبَّيْتُ شغفي في المشاركةِ بالفعاليات وكنتُ من أوّل الحاضرين ولم يخِب ظنّي أبدًا فكلّ ما شاهدت كان بمستوًى عالٍ جدًّا ولكن ما أبهرني حقًا هو المشاركة الكبيرة لغير المسيحيين وكأنّ الفروقات تلاشت أمام تعطّشنا للفرح
أطفالُنا هم حصاد المستقبل لنزرع بداخلهم المحبّةَ والخير وإحترام الآخر بكلّ ما تحمله كلمة "الآخر" من اختلافات وفروقات حتى نحصدَ جيلًا واعيًا مِقدامًا متماسكًا وقادرًا على الوقوفِ أمام كلّ الصعوبات
منذ يوم الأربعاء المنصرم (17.12.2014)، بدأت فعاليات السوق الميلادي في الناصرة، المعروف باسم "الكريسماس ماركت"، فكانت الافتتاحية بإضاءةِ شجرة الميلاد، والكثير من الفعاليات الجميلة التي لا زالت مستمرة حتى يومنا هذا.
عيدُ الميلاد، هو عيدٌ للطوائف المسيحيّة، يمثّل تذكارًا لولادة السيّد المسيح، ويرافَقُ عيد الميلاد باحتفالات دينية وصلوات خاصة بالمناسبة، واجتماعات عائلية واحتفالات إجتماعية، أبرزها وضع شجرة الميلاد، وتبادل الهدايا، واستقبال بابا نويل، وتناول عشاء الميلاد... علمًا أن أعدادًا كبيرة من غير المسيحيين تحتفل بالعيد أيضًا، وهذا هو الأمر الذي يُضفي على بهجة العيدِ رونقًا خاصًّا.
ككلّ إنسانٍ منتمٍ لمدينته، لبَّيْتُ شغفي في المشاركةِ بالفعاليات، وكنتُ من أوّل الحاضرين، ولم يخِب ظنّي أبدًا، فكلّ ما شاهدت كان بمستوًى عالٍ جدًّا، ولكن ما أبهرني حقًا هو المشاركة الكبيرة لغير المسيحيين، وكأنّ الفروقات تلاشت أمام تعطّشنا للفرح، واضمحلّت الضمائرُ من لغتنا واختفت، فلم يعُد هذا "عيدُنا" وذلك "عيدكُم"، بل اجتمعت الضمائرُ كلُّها لترسم الألفةَ والفرح.
هذه خطوةٌ بسيطةٌ لزرع المحبّةِ في جيلِ المستقبل، جيلٌ يحترم الاختلاف، ولا يجعلُ منهُ عائقًا، أو سببًا للنفورِ والابتعاد. ولا بدّ هنا من ذكر المثل الصيني الشهير "إذا أردتَ محصولًا لسنة فازرع قمحًا، وإذا أردتَ محصولًا لسنوات فازرع شجرًا، أمّا إذا أردت محصولًا يدوم إلى الأبد فازرع ثقافةً ومحبّة"، أطفالُنا هم حصاد المستقبل، لنزرع بداخلهم المحبّةَ والخير، واحترام الآخر بكلّ ما تحمله كلمة "الآخر" من اختلافات وفروقات، حتى نحصدَ جيلًا واعيًا مِقدامًا متماسكًا، وقادرًا على الوقوفِ أمام كلّ الصعوبات.
أجدُ نفسي مدينةً لأبناء بلدي بكلمة شكر... شكرًا لأنّكم جعلتم الفرحَ عيدًا، ومنحتم أطفالكم تلك المساحة لتتدفّق طفولتهم بحرية، دون موانعَ دينيّة، فالطفولةُ تعجزُ عن فهم الحدود، ولها كامل الحقّ في ممارسةِ كِيانها. فليس من حقّ أي أحد، أن يمنع طفلَهُ، مهما كان اسمه؛ أحمد وبشارة، برنديت وفاطمة من ممارسةِ أبسطِ حقوقِه، ألا وهو الفرح.
في الثورة التي قامت ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر، سنة 1919، قال سعد زغلول جملتَه الشهيرة "الدين لله والوطن للجميع"، أمّا أنا اليوم، وبمناسبة ثورة الفرح النصراويّة، سأُعطي لنفسي الحق في تحريف الجملة وأقول "الدين لله والفرح للجميع"...
وكلمة أخيرة لا بدّ من قولها، فخرٌ لي أن أنتميَ لمدينةٍ يتشارك سكّانُها الحزنَ والفرح، دونَ عوائق طائفية.
الناصرة
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان alarab@alarab.net