الشيخ رأفت عويضة في مقاله:
مهاجمة صحيفة "شارلي ايبدو" الفرنسية أمر مدان ومرفوض بإجماع عموم المسلمين
مطلبنا هو الاتفاق على تحريم وتجريم المس او التطاول على الأديان وعلى الرموز الدينية لجميع أتباع الديانات
الإسلام يقدس حياة البشر مسلمين وغير مسلمين ويحرم الاعتداء عليها بغير حق ويعتبر مثل هذا الاعتداء اعتداء على البشرية قاطبة
لا يوجد مسلم فاهم لأصول وقواعد دينه يقبل الاعتداء على الأبرياء وإزهاق أرواح الآمنين، ولذلك يمكن القول بأنّ مهاجمة صحيفة "شارلي ايبدو" الفرنسية أمر مدان ومرفوض بإجماع عموم المسلمين، لان مثل هذا الهجوم يتنافى تمامًا مع ما يحمله الإسلام من قيم الأخوة، والتسامح، والتعايش، واحترام التعددية، واعلاء الكرامة الإنسانيّة حتى مع الخصوم والأعداء، فالإسلام يقدس حياة البشر مسلمين وغير مسلمين ويحرم الاعتداء عليها بغير حق، ويعتبر مثل هذا الاعتداء اعتداء على البشرية قاطبة، قال تعالى:" من اجل ذلك...".
هذا، من جهة لكن من الجهة الأخرى فإنّ اختراق المجلة المذكورة لكل الخطوط الحمراء في تهجمها على الديانة الإسلاميّة من خلال حملاتها الشرسة على الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، ولم تقتصر هذه الحملات على اعادة نشر الرسم الكرتوني المسيء اليه للرسام النرويجي عام 2006، وهو الرسم الذي اثار غضب مليار ونصف المليار مسلم، وتسبب في مظاهرات احتجاجية صاخبة، قتل فيها اكثر من مئتي شخص، وانما بلغت ذروتها عام 2011 عندما نشرت رسومًا أخرى أكثر إساءة واستفزازًا، من بينها واحدة تصور الرسول الكريم عاريا. هو جريمة مدانة بكل المعايير والمقاييس، ويجب على العالم أنّ يجمع على إدانتها ايضًا كما نجمع نحن المسلمين على شجب وادانه مثل هذا الهجوم البشع الأرعن.
وأريد أن أؤكد هنا على موقفنا نحن المسلمين ومطالبتنا الدؤوبة التي لن نتنازل عنها، والتي تبرز حاجة العالم اليها عند كل منعطف من مثل هذا المنعطفات، ومطلبنا هو الاتفاق على تحريم وتجريم المس او التطاول على الأديان وعلى الرموز الدينية لجميع أتباع الديانات، لما يمثله مثل هذا المس من إثارة للمشاعر والأحاسيس، ولما يؤدي اليه من إثارة للصراعات الدينية التي يصعب التكهن بعواقبها الوخيمة.
دعونا في الماضي وندعو اليوم الى ضرورة سن مثل هذا القانون الذي يحرم ذلك ويمنعه، بل ويعاقب عليه، حتى نسد الباب على المتشددين من اتباع جميع الديانات ولا نوفر المبرر لهم للقيام بأعمال انتقامية نرفضها جميعًا مهما كان حجمها.
وفي الختام اتوجه الى الإسلاميين الذي يريدون نصرة الإسلام ورسوله حقيقة، وإن كنت أشكّك في أنّ هذا الاعتداء على الصحيفة لم يكن مدبرًا بهدف تشويه صورة الاسلام والمسلمين وتنفير الفرنسيين خصوصًا والغربيين عموما من الاسلام، في ظل زيادة الإقبال على اعتناقه في اوروبا. اذ ما زال هناك من ينفخ في القربة ويحذر من خطر سيطرة الإسلام على اوروبا، ومثل هذه الاعتداءات تغذي هؤلاء المعادين المتربصين.
نعم اقول لكل من تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجرائم انه يعمل بعكس ما يريد، ويأثم ثلاث مرات بغض النظر عن نواياه – التي لا يعلمها الا الله-: اولها انه يمس ويقتل احيانًا اناسًا ابرياء ليس لهم في الامر ناقة ولا جمل –كما يقولون-، وهي مخالفة شريعة صريحة واضحة ومن المعلوم ان القضية العادلة لا تنتصر بالحل الظالم. وثانيها انه يكره الغرب في الإسلام وأهله، بحيث ان صورة العنف والإرهاب التي تغذيها الكثير من الجهات النافذة والإعلامية في الغرب تنطبع اكثر في عقول الغربيين، نتيجة لمثل هذه الممارسات، كما ويحول الاسلام والمسلمين من ضحية الى جلاد. وثالثها – انه يضع المسلمين في الغرب في دائرة الاستهداف والملاحقة المستمرتين كما حدث بعد أحداث أيلول وتفجير برجي التجارة العالمية.
كما وأتوجه الى الفرنسسين خاصة والاوروبيين عامة واقول ان الحلول الأمنية لن تجديكم نفعا وقد رأيتم بأم اعينكم كيف انه تم الوصول إليكم وايذائكم في عقر داركم ولن تغني عنكم اجهزة الاستخبارات والشرطة وغيرها شيئًا، لأنّ النار التي تغذونها او تسمحون بتغذيتها من خلال تدخلاتكم السافرة في شرقنا الاوسط ودعمكم لمشاريع تقسيمة، "والاسلام فوبيا" الذي ينتشر في بلدانكم لها مردوداتها العكسية والسلبية عليكم قبل غيركم فالقاعدة الفيزيائية تقول: بأنّ لكل فعل رد في مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه.
لذلك فإنّ المطلوب منكم حتى تأمنوا على انفسكم ودياركم وحتى تعيش المنطقة في أمن وأمان- وهو مطلبنا مثلكم- هو: أن توقفوا تدخلكم في شؤوننا وأن تتوقفوا عن دعم اعدائنا، وأن تمنعوا تفشي معاداة الإسلام في بلدانكم، هذا هو في تقديري واجتهادي الحل الأمثل لتحقيق الأمن والاستقرار والتعايش السلمي لنا ولكم وللعالم، بعيدًا عما تسمونه "الحرب ضد الارهاب"، لأنّ هذه الحرب ثبت فشلها فانتم من اشعل جذوتها وعليكم انتم ان تطفئوها لمصلحة الجميع.
الا هل بلغت، اللهم فاشهد
الكاتب: امام مسجد بلال بن رباح/ الطيبة
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان alarab@alarab.net