بلال شلاعطة في مقاله:
إذا كان مصطلح "المعاقين" دارجاً في الماضي في القاموس اللغوي أعتقد أنه وفي الوضع الراهن غائب وهذا جيد لأن الإستعمال اللغوي بحد ذاته يؤثر في نظرة المجتمع لهؤلاء ولخصوصياتهم
مدرسة الحراك المجتمعي الأفقي لذوي الإحتياجات الخاصة خلقت مواضيع لم تكن مطروحة في السابق حول تداخلهم ودمجهم في المجتمع في مفهوم تحصيل الحقوق أو زيادة الوعي والمعرفة للحقوق وهو الحد الأدنى من المواضيع التي يجب أن تطرح
على المؤسسات في المجتمع العربي أن تستمر في التعاطي مع هذا القطاع الواسع بطريقة أوضح فالإصغاء المجتمعي هو خير طريقة للوصول بالمجتمع إلى بر الأمان المرحلة الانتخابية الحالية هي فرصة لتمثيلهم بشكل واقعي وعملي
قضية ذوي الإحتياجات الخاصة وعلى مدار سنوات شكلت منعطفاً حاداً في تعامل المؤسسات معهم من جهة وفي تعاملهم بذاتهم مع المؤسسات من جهة أخرى. بنظرة أفقية للمجتمع، هذه الفئة تشكل قطاعاً كبيراً، وفي سياق الإنتخابات الحالية يشكلون قوة جماهيرية وانتخابية لا يستهان بها. على مدار سنوات حاولوا أن يندمجوا في المجتمع العربي من خلال تجاربهم وكفاءاتهم الشخصية التي لا يستهان بها أيضاً. لا شك أن نظرة المجتمع لهم قد تغيرت حتى في مفهوم إطلاق المصطلحات اللغوية عليهم، وعلى مكانتهم وعلى مساحة حياتهم الشخصية.
إذا كان مصطلح "المعاقين" دارجاً في الماضي في القاموس اللغوي أعتقد أنه وفي الوضع الراهن غائب وهذا جيد لأن الإستعمال اللغوي بحد ذاته يؤثر في نظرة المجتمع لهؤلاء ولخصوصياتهم. من هذا الباب، طرأ تغيير مجتمعي وجماهيري حتى في الإستعمالات اللغوية فصرنا نطلق عليهم ذوو القدرات الخاصة او ذوو التحديات وذلك من منطلق جذبهم إلى مركز الخارطة الجماهيرية. المجتمع المتنور هو المجتمع الذي من خلاله نستطيع أن نجذب من هم في هامش الخارطة الإجتماعية والجماهيرية إلى مركزها.
المفهوم المجتمعي يفرض إيجاد نص لقواعد وآليات للتعامل مع هذه الشرائح المستضعفة فلا يكفي أن تكون القضية محصورة في سياق إطلاق المصطلحات والقواميس اللغوية، ولكن الأجدر ترجمة هذه القواميس اللغوية إلى ما هو ابعد من ذلك. ذوو التحديات حاولوا بهمتهم طرح احتياجاتهم على كافة أطيافها وهو ما فرض عليهم مجتمعياً وحتى سياسياً لأنهم يريدون الأفضل لأنفسهم ولعائلاتهم فقد حاولوا ولا زالوا يحاولون الوصول لحياة أفضل تنعكس على أطفالهم في البيوت. في الإنتخابات الحالية هنالك واجب أخلاقي وإنساني من الدرجة الأولى ليتم النظر إليهم وإلى وضعيتهم، لأن الإنتخابات وكما في الإنتخابات تنتج مساحة من النقاش والجدل السياسي، وربما ربط هذا الجدل السياسي مع المجتمعي له أولوياته في المرحلة الحالية. إذا كان ثلث المجتمع العربي يتشكل من ذوي التحديات من الأطفال والرجال والنساء والشيوخ، أصبح لزاماً لهذه الوضعية الديموغرافية أن تدخل في شق المساحة السياسية لأن الخارطة الديموغرافية بالأساس تعتمد على معطيات وأرقام اجتماعية هي في صلب العمل الجماهيري. تقرير الفقر الذي صدر مؤخراً هو أفضل مثال لتفاعل الخارطة السياسية مع الأرقام والمعطيات التي صدرت مع أنها صدرت في وسائل الإعلام وللأسف لفترة زمنية قصيرة.
الخارطة الديموغرافية للمجتمعات المستضعفة هي أساس الخطاب السياسي ولكن عندما يتم بناء الخطاب السياسي وفقا لها عندها يجب أن لا ينفصل بتاتاً عن الخارطة الديموغرافية القائمة. باعتقادي إعتماد الخارطة الديموغرافية الفئوية القائمة وفق المعطيات المجتمعية فيها إستثمار وتوظيف الوضعية لذوي الإحتياجات الخاصة للقوة الإنتخابية وهو بإعتقادي وبالتالي أمر مرفوض لأنه يعرف بالتفاعل السياسي المجتمعي لبناء الأجندة الحزبية الصرفة.
على نموذج ذوي التحديات أن يدخل في مساحة إثارة موضوعاتهم وهمومهم وقضاياهم في المرحلة الحالية لأن المرحلة الحالية تحمل جاهزية لإثارة مثل هذه المواضيع ولتدرج بالتالي على الأجندة السياسية لان الموضوع الإجتماعي لا ينفصل بتاتا عن الموضوع السياسي وفق ما تحدده الخارطة الديموغرافية المجتمعية. مدرسة الحراك المجتمعي الأفقي لذوي الإحتياجات الخاصة خلقت مواضيع لم تكن مطروحة في السابق حول تداخلهم ودمجهم في المجتمع في مفهوم تحصيل الحقوق أو زيادة الوعي والمعرفة للحقوق وهو الحد الأدنى من المواضيع التي يجب أن تطرح. إستغلال الحيز السياسي لطرح هذه المواضيع في المرحلة الحالية واجب أخلاقي وإنساني قبل أن يكون واجباً حزبياً وسياسياً وهنا لن ادخل في قضية بلورة رؤية حزبية جديدة لان النزاع قائم حتى على الهوية الحزبية القائمة في ظل ما نشهده من صراعات بين الأحزاب تارةً وفي داخل الأحزاب تارةً أخرى. من هذا المدخل عندما تقوم الأطر الحزبية والمجتمعية مجتمعةً مع بعضها البعض للتجاوب مع متطلبات ذوي القدرات الخاصة ودون الحاجة للدخول إلى تقطب حول قضايا تعتبر مسلمات عندها نصل إلى مجتمع متنور، فقضية تطور المجتمع ووصوله إلى التنور مقرونة بمدى الحرص على إبرازه وترجمته قولاً وفعلاً تجاه الفئات المستضعفة.
من هذا الباب بالتحديد، إذا تحدثنا عن هذه النسبة الكبيرة من قطاع ذوي الإحتياجات وإذا تم التأثير على متخذي القدرات عندها سينعكس الأمر على المجتمع برمته لان التجاوب الجماعي والجماهيري لا بد أن ينعكس على باقي القطاعات في المجتمع. من هنا تبرز مدرسة التأثير المجتمعي العامودي، بمعنى تأثير من الأعلى من متخذي القرارات على ذوي الإحتياجات الخاصة، وبالتالي التأثير على باقي قطاعات الشعب، وبالعكس طرح خطاب وضعيتهم ليصل إلى متخذي القرارات. في المرحلة الحالية من الطبيعي أن لا تتخذ قرارات مؤسساتية بطبيعة المرحلة ولكن مجرد طرح الوضعية مع الإشكاليات القائمة لذوي الإحتياجات الخاصة تؤثر بشكل قاطع مستقبلاً. التجارب تثبت أن ذوي الإحتياجات الخاصة يحملون الإرادة والطموح في جعل الروايات الشخصية والفردية الى روايات جماعية تعكس النقاش المجتمعي الحاصل في سياق الفعل ورد الفعل الجماهيري للتعامل مع قضاياه.م لا شك أن التطور الذي حدث في السنوات الأخيرة لتعامل المؤسسات معهم جيد ولكنه لا يكفي بمفهوم أن الإستمرارية في التعاطي مع هذا الموضوع وإيجاد الحلول لهم هو أفضل طريقة لمنع البيروقراطية القائمة كحاجز أمام طرح موارد للحد من الحواجز التي تواجههم مستقبلاً.
على المؤسسات في المجتمع العربي أن تستمر في التعاطي مع هذا القطاع الواسع بطريقة أوضح فالإصغاء المجتمعي هو خير طريقة للوصول بالمجتمع إلى بر الأمان. المرحلة الانتخابية الحالية هي فرصة لتمثيلهم بشكل واقعي وعملي لا يقتصر فقط على منبر التصريحات وإنما يجب أن يكون تمثيلاً فعلياً وعملياً على ارض الواقع، لا سيما أن الحديث يدور حول قوة إنتخابية وجميع الأحزاب الآن تبحث عن القوى الانتخابية هذا إذا كان الطرح السياسي أو الحزبي مقصوراً على السياسة بعينها. باعتقادي حان الوقت لطرح قضية ذوي الاحتياجات الخاصة وبقوة في الإطار القطري، مع العلم أن هنالك جمعيات محلية في البلدات العربية إلا أن هذا لا يكفي مما يحتم أن يكون هنالك مداً قطرياً يبحث ويتفاعل مع خطابهم وهو خطاب واضح يدعو إلى دمجهم في المجتمع بشكل جماهيري وقوي، مما يؤدي بالتالي إلى تنور مجتمعي يحمل خطاباً إنسانياً للأجيال المستقبلية في تعاملها وتجاوبها مع الفئات المستضعفة. وواجب المرحلة عليه وكما يجب أن يرتقي إلى واجبات المرحلة لتقوية خطاب ذوي الاحتياجات الخاصة لان الجميع عايش تجربة أو رواية معهم في هذه الحياة، فالمجتمع العربي قريب بفئاته من بعضه البعض وهذا ما يدعو للتفاؤل وكنت أقول هذا هو التفاؤل المجتمعي وضمن الصيغة العائلية.
الكاتب بلال شلاعطة: إعلامي وعامل اجتماعي جماهيري ومختص في الإدارة العامة.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان alarab@alarab.net