فادي عبّاس في مقاله:
توحدت الأحزاب العربية في قائمة واحدة تستثني وتقصي بعض الأحزاب والشرائح - بصرف النظر عن حجم هذه الأحزاب والشرائح - فإن في الوحدة الآخذة بالتبلور – على ما يبدو – من الإشكالات ما فيها
إن لم تكن الوحدة أكثر من مجرّد ترتيب مقاعد دونما إعتماد أية آلية للعمل المشترك وبناء المرجعية اللتي تظل الجميع، فستكون هذه الوحدة خالية من المضمون
مسألة الفكر لأية أقليّةٍ مهمّشةٍ ومستثناة من الكثير من الحقوق في شتّى مجالات الحياة هو أمر ضروريّ جداً ولا بدّ منه ولكن هذا لا يعني أبداً لأن بعض الذين يركزون على العمل اليومي والحقوق المدنيّة لا فكر لهم
إن توحدت الأحزاب العربية في قائمة واحدة تستثني وتقصي بعض الأحزاب والشرائح - بصرف النظر عن حجم هذه الأحزاب والشرائح - فإن في الوحدة الآخذة بالتبلور – على ما يبدو – من الإشكالات ما فيها، وإن لم تكن الوحدة أكثر من مجرّد ترتيب مقاعد، دونما إعتماد أية آلية للعمل المشترك، وبناء المرجعية اللتي تظل الجميع، فستكون هذه الوحدة خالية من المضمون.
ولعلّ من أكثر ما يدعو إلى الإستغراب في مسألة المرجعة والمنهج والفكر السياسي هو أن الكثيرين ينسون المرجع الفكري لأي من الأحزاب المختلفة، ثمّ لا يتذكرونه إلا قُبيل الإنتخابات بفترة وجيزة، وكذلك مسألة الدعوة للوحدة، مع العِلم أن مسألة الوحدة دائماً ما كانت تُطرح قبيل كلّ إنتخابات، ثم لا يتم التطرّق إليها بعد ذلك، ولكن المسألة هذه المرّة أشدّ خطورة ً – على الأحزاب العربية بالأساس – نَظراً لرفع نسبة الحسم، هذا الرفع الذي يُفسّرُه الكثيرون على أنه نِكايَة ًبالأحزاب العربية، ورُبّما يكون كذلك، ولكن ربما لا يكون، ولستُ بصدد البدء بتحليل ٍ مُفصّلٍ للدوافع لدى أحزاب اليمين الإسرائيليّ من وراء رفع نسبة الحسم، وهي كثيرة، ولكن ممّا لا شك فيه بالنسبة لي أنهم يُفضّلون أقل تمثيل ممكن للأحزاب العربيّة، رغم أنه، حتى في هذه المسألة، هناك من لديه وجهة نظر أُخرى مختّلِفة.
إن من سعي الأحزاب العربية الحثيث للوحدة – هذه المرّة – يتضّح جلياً أن الكثيرمنهم لا تعني له الوحدة – بالأساس - أكثر من قارب نجاة يعبرون به نسبة الحسم المرتفعة – نسبيّاً – إلى ضفة الأمان، ورغم الخطأ في التعميم في هذا السياق، فإن هذا – على الأقل – ما يبدو لمُراقب يحاول أن يكون موضوعياً قدر الإمكان، وأن يحلل الأمور والأحداث، بناءً على ما يبدو من التصريحات المختلفة والتسريبات الإعلامية المتفقة في بعض الأحيان، والمختلفة في كثيرٍ من الأحيان، وكل هذا – ناهيكم عن الإستثناءات والإقصاءات والخطوط الحمراء والزرقاء، والعديد من الالوان الأخرى اللتي يضعها بعض الأطراف تجاه الآخرين، ثمّ إنهم يعللون ذلك تارة ً بالمرجعية الفكرية، وطوراً باتهام الآخرين باتهامات بحاجة إلى الكثير من الأدلّة اللتي لا يملكونها، وبالتالي، نستخلص أنها ليست مبنية سوى على الحقد على الآخرين أو التخوّف من القوّة اللتي قد تكون معروفةً أو غير معروفةٍ لهم، واللتي يتمتّع بها هؤلاء الآخرون.
إن مسألة الفكر لأية أقليّةٍ مهمّشةٍ ومستثناة من الكثير من الحقوق في شتّى مجالات الحياة، هو أمر ضروريّ جداً ولا بدّ منه، ولكن هذا لا يعني أبداً لأن بعض الذين يركزون على العمل اليومي والحقوق المدنيّة لا فكر لهم، كذلك، فكما ذكرنا سابقاً أعلاه، فلا يُمكن لأي عاقل أبداً أن يقبل إهمال البعض للفكر، ثمّ تذكره من أجل التذرّع به واستخدامه كأداة يهاجمون به الآخرين الذين – على ما يبدو – لديهم شعبيّتهم لدى شرائح لا يُستهان بها نظراً لأنهم بالنسبة لهذه الشرائح. يملأون الكثير من الفراغ الميداني الذي يتركه "أصحاب الفكر"، كذلك، فإن العمل البرلماني والحزبي يجب أن يكون مُنبَثِقاً عن المرجعية الفكرية اللتي تشمل الجميع، لا العكس.
كم أتمنّى أن تتحقق الوحدة وأن اللتي تنأى عن الأنا وتمثّل أوسع شرائح ممكنة من الجماهير، دونما إقصاء أو استعداء لأحد أو استخفاف بدور أحد أو عقل أحد، وكذلك الإتفاق على برامج عمل وعلى آلية تضمن عدم تكرار مشكلة كيفية التمثيل وتركيب القائمة المشتركة على أساس ديمقراطيّ يحوي الجميع، لكنني أرى – بكلّ أسف – إن هذا ما هو إلا حلم بعيد المنال، ويواجه الكثير من التحدّيات والعراقيل اللتي يضعها – بالأساس – الكثيؤين ممن هم في مواقع صنع القرار من الأحزاب المختلفة الذين يدعون إلى تشكيل هذه القائمة وهذه الوحدة وهذه المرجعيّة، بهذه الطريقة.
إن ما حدث ويحدث من إقصاء واستبعاد لعدد من الأحزاب والشرائح في مجتمعنا، من شأنه أن يعطي هذه الأحزاب والشرائح الذريعة لخوض الإنتخابات في قائمة منفصلة، مما يفرغ فكرة الوحدة من مضمونها.. كما أن ما ذكر من شأنه - ربما - أن يؤدي بشرائح من الجماهير إلى الإنقسام ما بين:
1. مقاطعة الانتخابات، إحتجاجاً، مما يناقض أحد الأهداف للمعلنة للوحدة.
2. التصويت لقائمة الأحزاب والشرائح المستثناة، سواء عن سابق تأييد أو من منطلق التصويت الإحتجاجي!
3. ربما سيكون في القائمة الأخرى المذكورة ما فيها من المخاطرة بعدم بلوغ نسبة الحسم، وبالتالي إلى ضياع عشرات الآلاف من الأصوات.سواء اجتازت القائمة الأخرى نسبة الحسم أم لم تفعل، فإن التصويت للقائمة الأولى "التوافقية" بين الأحزاب سينخفض إلى حد كبير، مما سيؤدي إلى خفض التمثيل العربي في الكنيست بدلاً من زيادته, بحسب الهدف المعلن من الأحزاب ومن الجماهير! , وبحسب ما يمكن أن تكون عليه تركيبة القائمة البديلة للمستبعدين، إن تم تشكيلها، فإنه ليس من المستبعد تحقق الإحتمال - مهما كان ضئيلا ً هذا الإحتمال - أن لا تصل القائمة التوافقية بين الأحزاب اللتي تتم بلورتها - على ما يبدو -إلى النواب السبع الأوائل الذين يشاع أنه تم الإتفاق - مبدئياً - على توزيعهم بين الأحزاب، فهذا الإحتمال، مهما كان ضئيلا ً فإنه سيكون وارداً ومحتمل التحقق، حتى لو أبدى البعض استنكارهم واستخفافهم بهذه الإمكانية!
ومن يدري؟ فربما تتجاوز القائمة الأخرى - كذلك - نسبة الحسم، وتتمكن من التمثل بأربعة نواب أو أكثر،فنظرياً - على الأقل - هذا الإحتمال وارد، وإن تحقق سيؤدي إلى انهيار ما تبقى من مصداقية وقوة الأحزاب الفاعلة ومرجعياتها الفكرية.
نحف
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان alarab@alarab.net