الشيخ رأفت عويضة في مقاله:
بعيدا عن أي تحليل أكاديمي علمي لظاهرة العنف في المجتمع البشري نرى أن ظاهرته مركبة تتداخل فيها جملة من العوامل والأسباب المتصلة
ظاهرة العنف دون شك صنيعة منظومة كاملة من العوامل والأسباب التي جعلتها على شكلها المفزع والمخيف
هناك مجموعة من العوامل والأزمات أدت وما زالت الى تفشي العنف لعل من ابرزها - في إعتقادي - ضعف ووهن الروابط والعلاقات الإجتماعية وتهاوي القيم الدينية والأخلاقية وغياب العدالة الإجتماعية
الغريب في أمر العنف والقتل في تزايد مستمر وتصاعد هستيري حتى غدت الدماء عند بعضنا ارخص من الماء (51% من جرائم القتل تقع في المجتمع العربي)
أعطى تاريخنا الحديث بتطوره التكنولوجي للعنف موقعا جديدًا في حياتنا الإجتماعية، فأصبح بفضل الإعلام والاتصال والتكنولوجيا، متواجدا وقائما في المدرسة والبيت والشارع، كما في السياسة والدين والسلطة. لكن هذا لا يعني أن نسلم او نستسلم له ولأصحابه كأنه قدر لا فكاك منه بل علينا أن نواجهه بقوة وشجاعة حتى نطرده من مجتمعنا.
ففي العام الماضي المنصرم (2014) لوحده قتل في مجتمعنا العربي في اسرائيل 59 شخصا، ومنذ بدية العام 2015 قتل خلال شهر واحد 9 أشخاص، وبالرغم من الإضرابات والمظاهرات والفعاليات التي نظمت وتنظم لمواجهة هذه الآفة المدمرة.
وبعيدا عن أي تحليل أكاديمي، علمي لظاهرة العنف في المجتمع البشري، نرى أن ظاهرته مركبة، تتداخل فيها جملة من العوامل والأسباب المتصلة ، فهي دون شك، صنيعة منظومة كاملة من العوامل والأسباب التي جعلتها على شكلها المفزع والمخيف، فكما هو الحال في كل الظواهر الاجتماعية، فهناك مجموعة من العوامل والأزمات أدت وما زالت الى تفشي العنف، لعل من ابرزها - في إعتقادي - ضعف ووهن الروابط والعلاقات الإجتماعية، وتهاوي القيم الدينية والأخلاقية وغياب العدالة الإجتماعية، لذلك علينا إن أردنا الحد من العنف أن نعزز القيم الدينية والأخلاقية في البيت والمدرسة والمجتمع وأن نربي الجيل عليها.
واذا إنتقلنا للحديث عن الجهات المسؤولة عن تفشي هذه الظاهرة في مجتمعنا العربي، فبإمكاننا أن نوجه إصبع الاتهام أولا الى الدولة بمؤسساتها المختلفة وسياساتها التمييزية الموجهة نحونا والأوضاع الاقتصادية القاسية التي تفرضها علينا، والى الشرطة على وجه الخصوص بعدم كشفها عن الجرائم ومرتكبيها، والى سكوتها على إنتشار السلاح الناري بين أيدي الناس وخصوصا عصابات الإجرام المنظم..، لكننا في نفس الوقت لا يمكننا أن نغض الطرف عن دورنا نحن العرب في إطلاق وحش العنف الكامن في داخلنا ليعمل فينا نهبا وجرحا وقتلا، فنحن شركاء في زرع القنابل الموقوتة المتفجرة في طريق استعادة عافيتنا وتمكين مجتمعنا من أجل النهوض والتطور، فتعاطي السموم والمخدرات وترويجها قنبلة، وحوادث الطرق قنبلة أخرى، والغش في الامتحانات قنبلة ثالثة، وهكذا أصبح مجتمعنا العربي حقلا مزروعا بالألغام الموقوتة، التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة حتى لو لم تكن متوقعة. وهذا يدل على أزمة قيمية وأخلاقية باتت تهدد أمن وإستقرا ر مجتمعنا برمته، ولا خلاص لنا من العنف وسائر أمراضنا إلا بالتحامنا مجددا بقيمنا وتثويرها حتى تصقل شخصياتنا وتهذب أرواحنا وتحرر عقولنا مما علق بها من افكار ومفاهيم معيقة.
والغريب في أمر العنف والقتل في تزايد مستمر وتصاعد هستيري حتى غدت الدماء عند بعضنا ارخص من الماء (51% من جرائم القتل تقع في المجتمع العربي)، وحتى صار السلاح يباع كما تباع الحلوى (23000 قطعة سلاح في الطيبة لوحدها)، وصار القاتل يقتل أحيانا بأتفه سبب وأحيانا بلا سبب أصلا (اللعب صهيب فريج مثلا)، وصار القتلى والضحايا لا يدرون فيم قتل ومن الذي قتلهم، وتحولنا الى مجتمع عدواني لا يتقن لغة التفاهم والحوار، وصرنا جميعا ندور مع دوامة العنف ودولابه ننتظر اللحظة التي يقلبنا فيها كما قلب من نعرف من أصدقاء ومعارف، وكأننا في آخر الزمان الذي قال فيه نبي الرحمة السماحة محمد صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتلُ فيم قَتَلَ، ولا المقتولُ فيمَ قُتلَ)).فهل بعد هذا كله سيكون لدينا بعض الوقت لنتدارك أنفسنا ومجتمعنا قبل تفككه ام ان الوقت قد فات؟!هذا ما ستنبيء به الأيام القادمة.
والله المستعان ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net