أبرز ما جاء في المقال:
نشهد، في الآونة الاخيرة، تفشيا في حالات رفض قبول العرب في الجامعات الاسرائيلية بسبب عدم استيفاء شروط القبول لامتحان اللغة العبرية
لا يخفى علينا نحن "فلسطينيو الداخل" أن الطريق إلى شهادة جامعية تصبح مضنية اضعافًا مضاعفة مقارنة بالطريق التي يسلكها الطالب اليهوديّ
ان حصول الطالب العربي على شهادة جامعية لم يكن يوماً أمراً مستحيلاً، ولكن صعوبات الطالب العربي مضاعفة مقارنة بأي طالب جامعي آخر في العالم وتحدياته كبيرة وعلى عدة جبهات وخاصة على صعيد اللغة
يسود الاعتقاد الخاطئ أن مدة عشر سنوات من تعلم اللغة العبرية تكفي لإتقان العبرية والسيطرة على مكنوناتها، وهو أمر ليس صحيحا بالمرة
يسود الاعتقاد الخاطئ أن مدة عشر سنوات من تعلم اللغة العبرية تكفي لإتقان العبرية والسيطرة على مكنوناتها، وهو أمر ليس صحيحا بالمرة
كون اللغة العبرية "عائقاً" – هو أمر قائم وسيبقى عائقاً ما دام الفرد لا يبذل الجهد المطلوب للتغلّب عليه، وما يحدث بالفعل هو "تأجيل العائق"، وهو نوع من الإنكار والاعتراف بوجود المشكلة واستبعادها لمعالجتها في المستقبل - "ليوم ما" !
تعتبر اللغة العبرية للطلاب العرب أهم مفاتيح التواصل مع العالم الخارجي عامة والأكاديمي خاصة. يبدأ الطالب العربي بالانكشاف للغة العبرية في جيل مبكرة وهو أمر محبذ يساعد باكتساب واتقان مهارات اللغة في المستقبل. وعندما يصل الطالب العربي الى المرحلة الثانوية يكون قد أكمل ما يقارب العشر سنوات من التعرف، والتعلم والانكشاف على اللغة العبرية. قد تبدو الصورة وردية ويعتقد الكثير أن هذه المدة الزمنية كافية ولعلها تعتبر كفيلة بإيفاء احتياجات الطالب للّغة وإتقانها !
وما هي الا بضعة اشهر حتى يكتشف الطالب العربي إحدى اسوأ نقاط الضعف التي لم يختبرها من قبل، عندما كان يعتقد ان لغته العبرية "جيدة جداً " بما أنه أنهى عدد الوحدات التعليمية المطلوب.
امتحان ياعيل
نشهد، في الآونة الاخيرة، تفشيا في حالات رفض قبول العرب في الجامعات الاسرائيلية بسبب عدم استيفاء شروط القبول لامتحان اللغة العبرية (יע"ל- ידיעת עברית לערבים) . حضرت الي، قبل عدة اشهر - وضمن مجال عملي في حقل الاستشارة - إحدى الطالبات مستغيثة تطلب المساعدة بعد أن أنهت دراستها الثانوية بتفوق مع معدل علامات امتحانات البجروت والبسيخومتري ( امتحان الدخول للجامعات) يعتبر من أعلى المعدلات المشرّفة، وعلى الرغم من ذلك لم يحالفها "الحظ" بأن تلتحق بالجامعة التي تسجلت إليها وتم رفضها لجميع الأفضليات التي رغبت بتعلمها، حيث كانت صدمتها كبيرة عندما تسلمت رسالة "رفض" لكل احتمالات التسجيل بسبب عدم "استيفاء" شرط القبول للحد الأدنى من علامة النجاح لامتحان اللغة العبرية!
أن تكون طالبا مرشّحا لأربع أفضليات ويتم رفضك لجميعها بسبب عدم استيفاء شروط اللغة العبرية لهو أمر مؤسف وخطير للغاية، ويضع حقبة تمتد على مدار عشر سنوات من التعليم في صورة قاتمة ومظلمة تثير التساؤلات حول جودة المنتوج – الخريج- وتطرح تساؤلات جدية حيال مسؤولية الفرد تجاه نفسه ومسؤولية جهاز التربية والتعليم حول هذا المنتوج غير الجاهز لمواجهة الحياة الأكاديمية والاجتماعية التي لا تخلو من الممارسات اليومية لمهارات اللغة العبرية سواء المحكية أم المكتوبة.
الطريق الى الشهادة الجامعية
ولا يخفى علينا نحن "فلسطينيو الداخل" أن الطريق إلى شهادة جامعية تصبح مضنية اضعافًا مضاعفة مقارنة بالطريق التي يسلكها الطالب اليهوديّ، وغالباً ما تقف اللغة "عائقاً " أمام قبول المرشح العربي لإحدى الوظائف الهامة والتي ذات المكانة الاجتماعية والإدارية المرموقة مقابل المرشح اليهودي – بحيث تكون النتيجة، "غالباً"، لصالح المرشح اليهودي بسبب أفضليته على "المرشح العربي"! مما يصعب على الخريجين العرب الاندماج في سوق العمل "المختلط" بسبب محدودية القدرات اللغوية، حيث يفضلون العمل كوكلاء مبيعات للمجتمع العربي بسبب "تميزهم وتفوقهم" في امتلاك لغة المستهلك العربي. الأمر الذي يضاعف الأزمة ويفاقم الوضع سوءاً من فقدان "فرص العمل" في بيئة تعتبر فيها اللغة العبرية مقياساً للكفاءة المهنية واللغوية.
ان حصول الطالب العربي على شهادة جامعية لم يكن يوماً أمراً مستحيلاً، ولكن صعوبات الطالب العربي مضاعفة مقارنة بأي طالب جامعي آخر في العالم وتحدياته كبيرة وعلى عدة جبهات وخاصة على صعيد اللغة، وإن لم يتمتع بثروة لغوية ملائمة فان صعوباته سوف تتفاقم وخسائره تصبح أفدح، بحيث تشكًل العامل الرئيسي لصعوبة الاندماج والتأقلم مع الواقع الأكاديمي الجديد وتهدّد استمرارية رحلته في التعليم الأكاديمي، وتشير الأبحاث إلى أن صعوبات اللّغة تعتبر من أحد عوامل التسرّب الرئيسية من الجامعات.
حتى الآن أثبت الطالب العربي قدراته المتميزة وتفوقه في عدة مجالات علمية وأدبية. ويتبوأ الكثيرون مراكز إدارية ومهنية مرموقة في مجالات تخصصهم المختلفة وفي الحقل الأكاديمي وهو خير دليل على ان النجاح حليف كل مثابر، وان الصورة ليست قاتمة إلى هذا الحد !
ولكن ما العمل مع خريجي المدارس؟ اللذين لا زالوا في بداية الطريق؟
يطرق معظمهم أبواب الجامعات، وما زالوا في البدايات، مع ثروة لغوية تكاد لا تصل إلى الحد الأدنى من المستوى الأكاديمي المطلوب، مما يزيد التحديات ويصعب التأقلم والاندماج والتواصل مع المحيط الأكاديمي ومع المحاضرين وفهم المراجع والمواد التعليمية في المحاضرات. حينها فقط يدرك الطالب العربي مدى عمق "الفجوة" بين ما تعلمه في "الماضي" وما يملكه "الآن" وما بين ما يتوجب عليه في "المستقبل"!
لماذا؟
لن أتطرق، هنا، الى كل العوامل والمسببات التي تقلل من رغبة الطالب العربي في امتلاك اللغة العبرية، وإنما إلى بعض المرادفات التي نصادفها في بعض الحالات، حيث يردد جزء منهم تبريرات تصل الى مسامعنا كنوع من التعزيز والتدعيم لموقفه، معتقداً أنها تحميه من احتلال "اللغة العبرية" لواقعه اليومي مثل:
"لغتي العبرية جيدة بما يكفي"، وهو نوع من التعامل غير الموضوعي مع قدرات الفرد، وإمكانياته ومحدوديتها، وفي بعض الأحيان نسمعه يردّد: "لدي بعض الأخطاء... بإمكاني التغلب عليها لاحقاً ... ليس الآن"، وهو نوع من التجاهل غير الواقعي لأهمية اللغة العبرية وضرورتها لاستمرارية مسيرته التعليمية، والمهنية والحياتية.
هذه الأخطاء "البسيطة" كفيلة بأن تجرده من الكثير من الامتيازات، بدءاً من الأخطاء اللغوية خلال المحادثة – مهما كانت قصيرة - أو عند تقديم الوظائف الأكاديمية والتقدم للامتحانات مما قد يكلفه الكثير من الخسائر، إضافة الى مرارة تكرار الخيبات.
العبرية المدرسية: هل هي ذاتها العبرية المتداولة في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية إضافة الى لغة التخاطب اليومية؟
يسود الاعتقاد الخاطئ أن مدة عشر سنوات من تعلم اللغة العبرية تكفي لإتقان العبرية والسيطرة على مكنوناتها، وهو أمر ليس صحيحا بالمرة، خاصة اننا نعلم جميعا نوعية النصوص ( الادبية على الغالب) وماهية المنهاج الذي يفرض على طلابنا، فهناك تجاهل تام وعدم تطرق للمواضيع الاجتماعية والسياسية والعلمية والاقتصادية، وهناك نقص في ساعات المحادثة باللغة العبرية. ومن جهة ثانية، فهنالك من يؤمن "بان الوقت قد بات متأخراً لتعلم اللغة العبرية"، وهو قياس زمني محدود لمنتوج لا تنتهي مدة صلاحيته أبداً..!
ومع زيادة نسبة الطلاب العرب الراغبين بالدراسة في الخارج او في الجامعات الأردنية برز سبب ثالث ورئيسي بات يؤثر سلبا على استثمار طلابنا العرب الوقت والجهد الكافيين في تعلم وممارسة اللغة العبرية، فهم يعتقدون ان لا حاجة للاهتمام باللغة العبرية واكتسابها حيث نسمع البعض يقول :"انني لا أنوي الدراسة هنا وأنني لست بحاجة اليها ".
زد على ذلك فان وجود العشرات من الفضائيات العربية على أنواعها وخاصة الإخبارية "قلّص" الحاجة لمتابعة محطات التلفزيون الاسرائيلية وخاصة نشراتها الاخبارية. الأمر الذي ادى الى الابتعاد عن متابعة اللغة العبرية والاستماع اليها , إضافة الى الابتعاد عن مواكبة القضايا السياسية, الاجتماعية والاقتصادية, والاطلاع على وجهة النظر الاسرائيلية بما يتعلق بكل القضايا آنفة الذكر, ولكن هذا الأمر يحتاج الى مقال مفصّل.
مما يجعله يعيش حالة انسلاخ مؤقت عن واقع سوف يعود اليه بعد عدة سنوات مكتشفاً أنه ساهم في تعظيم الهوة بينه وبين اللغة العبرية، بشكل خاص، عندما يواجه مواد وشروط اجتياز امتحانات القبول الحكومية أو النقابية والقانونية.
لقد تفاقمت مشكلة امتحان الدخول بالعبري الى حدّ أنها تغلغلت للأعمال الفنيّة المحلية، فقد قام المخرج سامح زعبي بالتطرّق اليها من خلال فيلمه – رجل بدون موبايل – حيث يكون بطل الفيلم شاباً في مقتبل العمر يقف عاجزاً أمام اجتياز امتحان القبول باللغة العبرية للجامعة، وتدور أحداث الفيلم حول صعوباته في مواجهة ضعفه بمهارات اللغة العبرية والذي يعيق تقدّمه ومستقبله الأكاديمي.
عائق اللغة العبرية
كون اللغة العبرية "عائقاً" – هو أمر قائم وسيبقى عائقاً ما دام الفرد لا يبذل الجهد المطلوب للتغلّب عليه، وما يحدث بالفعل هو "تأجيل العائق"، وهو نوع من الإنكار والاعتراف بوجود المشكلة واستبعادها لمعالجتها في المستقبل - "ليوم ما" !
من المفروغ منه أن قراءة الصحف اليومية العبرية، ومتابعة المواقع التي تعنى بتطوير مهارات اللغة العبرية، والاستماع لنشرات الأخبار بالعبرية، وقراءة نصوص من مختلف المجالات: الحياتية، والاجتماعية، والأكاديمية والسياسية بهدف الإثراء والتنوير. اضافة الى تعزيز المهارات الكتابية من خلال الانضمام لبرامج التعليم المختصة من خلال أقسام التحضير والارشاد الأكاديمي في الجامعات.
هنا يجب التنويه الى ان مهارة اكتساب اللغة هي سيرورة لا تنتهي، فاللغة بحر من المعرفة والتعلم المستمر ولا يتم الاكتفاء أو الانتهاء منها بتاتاً، ومن تعلّم لغة قوم ضمن شهادته.
* الكاتبة - مستشارة ومحاضرة في مجال التربية