الطالب توفيق حصل على المرتبة الثانية ضمن مسابقة الكتابة الإبداعية في لواء الشمال، بعد أن كتب وأبدع قصة من حياته بعنوان: "سيد وحفيد"
حصل الطالب توفيق فادي أبو أحمد من الصف الخامس في مدرسة الحرش الجماهيرية الابتدائية الناصرة، على المرتبة الثانية ضمن مسابقة الكتابة الإبداعية في لواء الشمال، بعد أن كتب وأبدع قصة من حياته بعنوان: "سيد وحفيد". ويشار إلى أنّ توفيق حصل على شهادة تقدير بعد تميزه وحصوله على المرتبة الثانية في الكتابة الإبداعية عن صفوف الخوامس في لواء الشمال. ومن الجدير بالذكر أن الطالب توفيق فادي أبو أحمد متفوق في تحصيله العلمي، وفي حديث مع والدته أعربت "عن سعادتها بإنجاز إبنها وما يملكه من مواهب، إضافة إلى شخصيته المميزة، الفعالة والطموحة".
الطالب توفيق أبو أحمد بعد إستلامه شهادة التقدير
اليكم قصة سيد وحفيد بقلم: الطالب توفيق فادي أبو أحمد
كان هذا في الصيف الماضي، في العطلة الصيفيّة بالتحديد، والتي قررت أن أقضي بعض أيامها عند صديقي خالد في قرية عرابة. وقبل السفر ذهبت لزيارة جدي وودعته، وقلت له: إلى اللقاء يا "سيد". وكلمة "سيد" هذه هي كلمة التحبب لجدي، فلم أكن أناديه "سيدي" بل "سيد". فأجابني بنفس النغمة:" إلى اللقاء يا حفيد" ...
"سيد" و "حفيد" هما أكثر كلمتان حبيبتان على قلبي، فكل القصص الشائقة عن المستقبل الزاهر ونفحات الماضي وتجارب الحاضر أبطالها أنا وجدي،"سيد" و"حفيد". جدي قدوتي، مثال يحتذى، فهو من يروي لي أجمل الطرائف، وأحلى الحكايات، وأغرب القضايا التي واجهته في المحاكم.
كان يومًا عاديًا للغاية، ركبت الحافلة لوحدي، وأمامي جلس جد وحفيده، الجد يشرح لحفيده كل ما يراه عبر النافذة، تذكرت كيف كان "سيد" يشرح لي كل معلومة يعرفها خلال جولتي معه في مدينة الناصرة، والتي زرنا فيها منطقة عين العذراء، فكنيسة البشارة، خان الباشا، والجامع الأبيض حيث قمنا بجولة في أسواق الناصرة العريقة، أشم عبق التراث والأصالة، لطالما قال لي أن التعرف على هذه الأماكن من شأنه أن يعمق الاعتزاز بالهويّة ويجسر العلاقة بين الماضي والحاضر، ولطالما ردد أن التراث هو ذاكرة الأمة، وهج الماضي وإشراقة المستقبل. وتذكرت أننا جلسنا في أحد المطاعم كصديق وصديقه، شربنا عصير الليمون بالنعناع، وأكلنا الفلافل والشاورما، كنت يومها في قمة السعادة، لقد وعدني "سيد" برحلة بين أحضان الطبيعة وسأقترح عليه يوم الأحد القادم الذهاب إلى "حرش صفورية" إن شاء الله.
وصلت الحافلة عرابة، توجهت لمنزل صديقي بحيويّة ونشاط عظيمين، بوجه مشرق وثغر مبتسم، الشمس ساطعة، السماء صافية، البلابل تغرد صادحة، الأشجار تكللها تيجان الظلال والأنوار، الفراشات طائرات، والنحل يسرح بين الازهار، لعبت مع صديقي طول النهار، بمرح كالأطيار، أكلت، وشربت، وتسلقت الأشجار وتشاجرت مع بعض الأولاد...عادي جدا!
وعندما قاربت الشمس على المغيب، عدت وصديقي إلى المنزل وهممت بتغيير ملابسي، فإذا بالهاتف يرن، ومع أن الرنة كانت عادية إلّا أنني أحسست بقشعريرة في جسدي، شعرت ببرودة في معدتي بالرغم من الطقس الصيفيّ الحار، ردت والدة صديقي على الهاتف، كانت تغمغم كلامًا غير مفهوم، ورأيت ملامح وجهها تتغير، ثم نادتني:
- "إنه أبوك.. يريد التحدث إليك"، أعطتني سماعة الهاتف وهي تربت على كتفي وتقول لي:
- خذ يا حبيبي.
كانت تلك أول مرة تناديني :"يا حبيبي" فدائمًا ما كانت تناديني باسمي.
ولأول مرة أسمع والدي يتحدث بصوت مخنوق، تحبسه العبرات:"جدك مريض، ونحن في المستشفى.. اهتم بنفسك". وأغلق الخط. كان هذا هو فقط ما قاله، إلا أنني أعرف والدي.. إنه يخفي أمرًا ما!
تهاويت على المقعد، وبدأ العرق البارد يغسل وجهي، وأحسست برغبة شديدة في البكاء، وقلت بصوت كسرته الصدمة الخانقة:" ما الذي حصل؟!هل أصاب جدي مكروه؟! يا رب ارحمنا!". عدت حزينًا، دخلت دون أن ألقى أحدًا من أهلي، محطم الأعصاب، محمر الأنف والعينين.
بعد أسبوع أخذتني أمي لزيارة جدي في المستشفى وقالت لي:" إنه مشتاق إلى رؤيتك يا توفيق".
كنت سعيدًا لأنني سأراه وبدأت بتحضير المواضيع التي سأحدثه عنها، وقلت في نفسي: "حتى لو كان مريضًا فعندما سنتحدث سيكون هذا أفضل تعزية له". دخلت المستشفى، كان جدي مستلقيًا في السرير وعندما رآني ابتسم واعتدل في جلسته، ركضت إليه مادًا يديّ أريد معانقته وأظن أنني صرخت:"سيد، الحمد لله على السلامة! ".
لكن "سيد" لم يعانقني ولم أسمع منه كلمة"حفيد"،نظرت إلى أبي فقال لي: "جدك لا يستطيع الكلام وربما فقد النطق".
خرجت من المستشفى لا ألوي على شيء وأعتقد أنني ذرفت دموعًا غزيرة...
"يا الله، يا رحمن يا رحيم، أريد شيئًا واحدًا فقط! أريد"سيد" أن يناديني"حفيد".