في فلسطين ليس لدينا حوادث طرق/بقلم: ب.أحمد ناطور

كل العرب
نُشر: 01/01 10:29,  حُتلن: 12:28

ب. احمد ناطور في مقاله: 

إجمالا حياة العربي لا قيمة لها هنا أصلا ويجوز إعدامه من غير سبب

في ميدان الجيش كان شاب مقدسي يقود سيارته البي ام دبليو فأصاب عددا من المارة بجروح طفيفة ومتوسطة فهب الجنود وأطلقوا النار عليه وأردوه قتيلا في الحال

سائق تراكتور دخل أحد الشوارع في القدس الشرقية فاصاب سيارة شرطة وتجمعت القوات المدججة عليه وأطلقوا النار عليه فأردوه قتيلا

إن كنت فلسطينيًا وإضطررت أنّ تغادر بيتك راكبًا أو ماشيًا أو طائرًا أو سابحًا فلتودع أهلك قبل خروجك فانك لا تدري أتعود أم لا تعود

السائق الفلسطيني لا يتسبب بحوادث طرق، خاصة إن كان الطرف الآخر يهوديا، ليس لأنّه سائق ماهر، وإنما لان أي حادث كهذا يعتبر هجومًا مسلحًا على اليهود. لدى السائقين الفلسطينيين ليست هناك مخالفات سير أيضا، لا لأنّهم لا يخطؤون بالسياقة، وإنّما لأنّ أيّ إنزلاق نحو الرصيف أو انحراف نحو محطة باص أو موقف قطار أو مارة من اليهود، فإن الأمر يستدعي إعدام السائق فورًا.

شرطة السير لا شأن لها بالسائقين الفلسطينيين، لأنّ من يتعامل معهم هي القوات الحربية الخاصة، ذلك لأنّ سياقة العربي هي من الأعمال الحربية المسلحة وليست عملية سياقة مدنية في شوارع المدن المأهولة، كما هو شأن سائر خلق الله على كرة الأرض جميعًا.

ليس واردًا أنّ تنحرف سيارة العربي عن مسارها في الشارع بسبب عطل فني، أو عائق في الشارع او خطأ آدمي، طالما كان المصاب فعلا أو حكمًا إسرائيليًا، ففي حال كهذا لا يسأل أحد ما الذي جرى حقيقة، بل إن ما يحكم الحالة هو ما هوية السائق وما هوية المصاب، حتى لو لم يصب أحد بالفعل. فإذا كان السائق عربيًا والمصاب يهوديًا فحكم الحادث هو إعدام السائق العربي ميدانيا دون قيد أو محاكمة أو شرط.

إجمالا، حياة العربي لا قيمة لها هنا أصلًا، ويجوز إعدامه من غير سبب، اما إذا امتلك آلة "خطرة" كالسيارة وأقدم على فعل ما لا يجوز فعله – كان يقود سيارته في شوارع بلدته، فيتعثر حظه فتنزلق كما تنزلق سيارات الخلق في كل بلاد الأرض- لعائق في الشارع أو لسهو وقع فيه ثم شاء القدر أن يزداد حظ الرجل تعثرًا وكان في المنطقة يهودي على مرمى النظر، فإنّ عمر السائق العربي قد مضى وانقضى لأنّه سيعدم في الحال. أما قاتله فيصير بطلا هماما تتصدر صوره نشرات الأخبارصباح مساء ويصبح نجما تروى عنه القصص والحكايات.

يومها، كان شاب فلسطيني يقود سيارته الصغيرة الحمراء من طراز فيات اونو، وحين وصل الى منطقة اللطرون - شرق مدينة الرملة، إنحرفت سيارته فأصابت مجندتين كانتا تنتظران في موقف الاوتوستوب. ذعر الشاب وفر من المكان. قال شهود العيان يومها "إنّه ليس واضحًا لهم إن كان هذا هجومًا على الجنود أم هو حادث سير "ضرب وهرب".

قامت الشرطة بقطع الطريق أمام السائق، فتوقف بين ارتال السيارات الواقفة، ولما اكتشف الجنود السيارة المتوقفة بين السيارات انقضوا عليه فحاول الهرب بالإتجاه المعاكس، فأصاب جنودًا كانوا أمامه. اطلق الجنود النار عليه وقتلوه على الفور. امتدح قائد شرطة لواء المركز فعل الجنود الشجعان ويقظتهم.

سائق فلسطيني آخر، إصطدم بسيارتي شرطة في حي اغوستا فيكتوريا في القدس ولم يصب أفراد الشرطة إلا إصابات طفيفة. اطلق افراد الشرطة النار عليه وأصيب إلا انه افلح بالهرب. أما سائق تراكتور الجرافة المقدسي الذي كان يعمل في ورشة بناء في وسط القدس الغربية، فلم يستطع الفرار. يومها خرج إلى الشارع الرئيسي بجرافته، فأصاب عددًا من السيارات وعددًا من المارة وقتل ثلاثة منهم فاطلقت عليه شرطية النار ثم اعتلى جرافته جندي وحارس واعدماه في مقعده.

في ميدان الجيش، كان شاب مقدسي يقود سيارته البي ام دبليو فأصاب عددًا من المارة بجروح طفيفة ومتوسطة، فهب الجنود وأطلقوا النار عليه وأردوه قتيلا في الحال. ومثل هذا سائق تراكتور دخل أحد الشوارع في القدس الشرقية فاصاب سيارة شرطة. تجمعت القوات المدججة عليه وأطلقوا النار عليه فأردوه قتيلا. الشابان إبراهيم العكاري وعبد الرحمن الشلودي قتلا هما الآخران بل وهدم بيت احدهما كعقوبة جماعية. أمّا آخر حدث في مسلسل الإعدام الميداني هذا فمقتل المرحوم علاء أبو دهيم - وهو رجل في منتصف العمر، متزوج وله أولاد، ساء حظه حين إنحرفت سيارته لتصيب شرطية إصابة طفيفة فأطلقوا النار عليه واردوه قتيلا، أما قائد شرطة القدس فقال ممتدحا فعل شرطته:  "لقد تصرف المقاتلون كما هو متوقع منهم".

وكذا ذهب مذهبه المفتش العام للشرطة الذي قال مخاطبًا مقاتليه الاشاوس: "أثمن عاليا فعلكم وأفخر بمهنيتكم وإصراركم على المواجهه". يشار الى أنّ عمليات الإعدام هذه لم تخضع لأي تحقيق من أي نوع كان او من أية سلطة كانت. ليس هذا فحسب، بل انها تحظى بمديح وشكر قادة الجيش والشرطة، بل من وزير الأمن الداخلي نفسه.

ترى لو افترضنا جدلا أنّ سائقًا مجنونًا ركبه الشيطان فاقدم على دهس المارة، الا تستطيع شرطة وجيش الدولة التي تتباهى بمهاراتها العسكرية بمناسبة وبغير مناسبة، إيقافه واعتقاله؟! استطيع أنّ اجزم بأن كل هؤلاء السائقين الذين اعدموا لم يكونوا مسلحين. أي أنّ الجيش حين وصل اليهم كان بامكانه تعطيل مركباتهم ثم القاء القبض عليهم. ما دام الأمر كذلك ما هو المبرر لقتلهم إذا؟ أليس من العدل أنّ يجرى التحقيق مع هؤلاء ومحاكمتهم بدلا من منحهم اوسمة البطولة ؟!

بالمقابل، فإنّ السائق اليهودي المستوطن – المسلح عادة، يتجول وهو حامل معه قصدا جنائيا مستديما يقرنه بالفعل الجرمي حين يلوح له ذلك. هو متهور في سياقته في العادة: ومع انه يقصد في الغالب قتل الضحية، فإن ما يفعله يبقى مجرد حادث سير ليس إلا.

يوم 14.4.2015 أقدم مستوطن على دهس عائلتين فلسطينتين على الطريق الرئيسي قرب بلدة النبي الياس، والعائلتان مكونتان من شقيقين وزوجتيهما الحاملين. لم يتوقف المستوطن لمساعدة ضحاياه بل تركهم ينزفون على الشارع، وإستمر في سيره نحو المستوطنة وإختفى هناك كأن شيئا لم يكن.

في شهر ديسيمبر 2011، دهس باص اسرائيلي فلسطينيًا. بطبيعة الحال لم تحضر الشرطة ولم تهرع القوات الخاصة المدججة بالسلاح كما تفعل حين يكون السائق عربيًا والضحيّة يهوديًا، ومن نافل القول إنّ الشرطة لم تطلق النار عليه.

باص آخر دهس فتى فلسطينيا في مدخل بلدة اللَّبَن الشرقية، ولما حاول أحد السائقين العرب تأنيب سائق الباص الإسرائيلي على فعلته، قفز من الباص اعداد من الجنود إعتدوا على السائق العربي وأوسعوه ضربًا.

في سلوان دهس رأس المستوطنين ومدير جمعية "العاد" لتهويد القدس أطفالا فلسطينيين لا تتعدى أعمارهم الاحد عشر عامًا فطار أحدهم في الهواء، وقد نشر الفيديو في مواقع العالم اجمع. أمّا هو فقد برر فعلته بأن الأطفال قد رجموه بالحجارة قبل دهسهم. معناه  أنّه قد فعل فعلته بقصد جرمي مبيت وأقل ما يقال فيه انه شروع في القتل. بعدها قيل إنّ شرطة السير قد حققت معه! شرطة السير! وليس القوّات الخاصة او المخابرات او حتى التشخيص الجنائي وبطبيعة الحال، لم يطلق عليه الجيش نارا لأنّ هذا مجرد حادث سير.

معناه انك إن كنت فلسطينيًا وإضطررت أنّ تغادر بيتك، راكبًا أو ماشيًا أو طائرًا أو سابحًا، فلتودع أهلك قبل خروجك فانك لا تدري أتعود أم لا تعود.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة