الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 09 / نوفمبر 17:01

الإخوان وفخ الإعدامات/ بقلم: زهير قصيباتي

كل العرب
نُشر: 18/06/15 08:34,  حُتلن: 08:58

زهير قصيباتي في مقاله:

صحيح أن عودة الدولة والبلد الى الاستقرار مسار طويل لكن الصحيح ايضاً أن الجميع سيخرج عن المسار إن لم يوازن بين إغراء القوة وحتمية احتواء الداخل

صدقية القضاء المصري ما زالت على المحك بل أنّ مسارعة واشنطن الى اعتبار أحكامه «مسيّسة» ستُلقي مزيداً من الشكوك حول العلاقات المصرية- الأميركية المتأرجحة بين مدّ وجزر

لن يُمكِّن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قادة جماعة «الإخوان المسلمين» من صفة «الشهداء الأبطال»... لذلك يُرجَّح تدخُّله في «اللحظة الأخيرة» لتخفيف عقوبة الإعدام في حق الرئيس السابق محمد مرسي ورموز في الجماعة. ولكن هل يستقيم هذا الاستنتاج مع رد «الإخوان» على الأحكام بإهانة الرئيس وبحملة عنيفة على الحُكم؟
وإذا كان أكيداً أن الانقسام في صفوف الجماعة- بين تيار يفضّل النهج السلمي وآخر يحبّذ «النضال الثوري» ضد السلطة- لن يمكّن «الإخوان» من تعبئة الشارع في «هبّة» الجمعة المقبل، فالأكيد في المقابل، بصرف النظر عن حسابات القصر، ان تنفيذ الإعدام بمرسي ورفاقه، سيمنح الجماعة مجدداً شرعية ضائعة، كرّس ضياعها عدم تنديدها علناً بالعنف والإرهاب اللذين يهزّان مصر.

بالإعدامات كذلك، سيتخلّص الحكم من خصوم ألدّاء، يؤرقه بعض التعاطف الغربي معهم، خصوصاً بسبب سياسة الاستئصال المتّبعة في مواجهة «الإخوان»، كما في التصدي للإرهاب. لكنّ حسابات الربح والخسارة لا تُسقِط في أبسط الاحتمالات، صبّ الزيت على نار التفجيرات والاغتيالات على أيدي تنظيمات تستغل اعتماد البطش أو الاستئصال في «تذويب» الجماعة، ذريعةً للرد بما هو أكثر عنفاً لـ «تذويب» هيبة السلطة وأجهزة الدولة.

واضح أن صدقية القضاء المصري ما زالت على المحك، بل أنّ مسارعة واشنطن الى اعتبار أحكامه «مسيّسة» ستُلقي مزيداً من الشكوك حول العلاقات المصرية- الأميركية المتأرجحة بين مدّ وجزر... وحول اعتماد الحُكم في القاهرة سياسة الثأر وكمّ كل الأفواه المعارِضة.

هكذا، تبدو الأحكام المشدَّدة التي أصدرتها محكمة جنايات القاهرة، رسالة إلى كل صوت يُعارِض تقييد الحريات ومصادرة الرأي، بذريعة «لا صوت يعلو على مكافحة الإرهاب».

وإن رجَحَت كفّة «مفاجأة» السيسي، وإقدامه قريباً على تخفيف عقوبة مرسي وسواه من قادة «الإخوان» الذين حُكِموا بالإعدام، فخطوة كهذه إن لم تسبق «هبّة» الجماعة في الشارع- وهذا مستبعد- ستفقد كثيراً من مفاعيلها لمصلحة التيار المتشدّد ودعاة استخدام القوة في صفوف الجماعة المحظورة. وكمن يقرّب النار من فتيل البارود، سيحاول هؤلاء توريط الشارع في حلقات أخرى من الدم، لتبدو الدولة في مواجهة فئات واسعة من المصريين، وليس مجرد جماعة محظورة صُنِّفت إرهابية.

لا مبالغة في وصف حال الكرّ والفرّ التي تعيشها مصر بين ثورة وأخرى، ثم انتفاضة ثم «هبّة»، بغليان بركان لا يبدو أن حممه ستخمد قريباً. الجميع في فخ، «الإخوان» منذ فضّلوا القفز إلى رئاسة كل السلطات فاتُّهِموا بمصادرة الدولة... والدولة حين سقطت أمام إغراء القوة، وعاملت المهزوم بقسوة بعد إقصائه. ولا مبالغة إن قيل أيضاً إن الحكم الذي يخشى على الأمن القومي لمصر، وعلى وحدتها في قلب أعاصير المنطقة وتفتُّتِها، لم يفز بعد بمعركة كسب قلوب المصريين، لأنه اختار سياسات كثير منها غير شعبي، ولم يربح خصوم «الإخوان». صحيح ان كثيرين لا يتعاطفون الآن مع الجماعة، وإن لم تكن لها علاقة بالإرهاب في سيناء والقاهرة، لكن ذلك لا يُحسب بالضرورة في رصيد إدارة الدولة، وإعادة البلد إلى مسار الاستقرار.

أما شهادة الأميركيين في نزاهة القضاء المصري، فإن لم تكن ذات صدقية كاملة، خصوصاً لمن يعرفون تاريخ الاتصالات بين واشنطن و «الإخوان»، فوجهُها الآخر يخفي لدى المتوجّسين من «مؤامرات» على مصر، رائحة تحريض قد يستغلّه دعاة التشدد و «النضال الثوري».

وبين نضال وثورة وهبّة، هل يُجدي بعد، البحث عن جردة حساب، مَنْ أخطأ ومَنْ أصاب مع الحقوق المشروعة للمصريين؟

بحجم مصر يكون القلق عليها، فيما المنطقة غارقة بالدماء، بالعنف والثارات... والمخيمات. صحيح أن عودة الدولة والبلد الى الاستقرار مسار طويل، لكن الصحيح ايضاً أن الجميع سيخرج عن المسار، إن لم يوازن بين إغراء القوة وحتمية احتواء الداخل، بين مطالب حرية مشروعة وعقلانية في الاعتراف بالأخطاء... لتفادي الخطيئة.

الخطيئة تتكرر إن صار الوطن نظاماً أو جماعة.

نقلا عن الحياة اللندنية

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة

.