سليمان جودة في مقاله:
الجرح الذي أحدثه سلوك الجماعة في أعماق المصريين منذ 30 يونيو جرح غائر ولايزال ينزف وليس من السهل تجاوزه ولا نسيانه ولا القفز عليه
حديث المصالحة إن صح فإنما يدل على أن هذه الجماعة لا هي جماعة صاحبة أفكار تؤمن بها ولا يحزنون ولكنها جماعة تسعى إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح وأكبر قدر متاح من النفع
لا يختفى الحديث عن المصالحة مع جماعة الإخوان، كفكرة، حتى يعود من جديد، ولا يعود حتى يختفي وسط الزحام الذي نعيشه، وعلينا في كل الأحوال أن ننتبه بقوة إلى عدة أشياء فاصلة في الملف بمجمله، وهي أشياء لا يجوز أن تغيب عنا دقيقة واحدة!
الشيء الأول أن نية المصالحة، إذا كانت قائمة حقاً لدى الجماعة، هي نية تبدو زائفة، لأنها، كجماعة، لم تلجأ للفكرة إلا بعد أن تبين لها أن عنف عامين مع المصريين لم يذهب بها إلى شيء، ولن يؤدى بها إلى شيء في المستقبل، حتى ولو دام عشر سنوات، وبالتالي، فهي كجماعة إخوانية، غير مقتنعة بحكاية المصالحة هذه، ولم تلجأ إليها عن اقتناع، وإنما عن اضطرار، وعن إحساس بالفشل في مسار العنف!
الشيء الثاني أن الجماعة لا تزال تتصور، عن غباء فطري فيها، أن مشكلتها إنما هي مع الحكومة، وقد كان هذا صحيحاً في وقت سابق، ولو أنصفت هي نفسها الآن، لأدركت أن مشكلتها إذا كانت مع الحكومة وحدها، فالمسألة عندئذ، هينة، ولكن المشكلة بالأساس صارت مع المصريين في عمومهم، الذين رأوا من الجماعة في عمومها أيضاً ما لم يحدث أن رأوه من أعداء لهذا البلد، ولذلك فأمام الجماعة - إذا كتب الله لها أن تبقى - مشوار طويل عليها أن تحاول خلال إصلاح ما انكسر بينها وبين كل مصري تقريباً.. والله تعالى حده أعلم بما إذا كانت سوف تنجح في مهمة كهذه أم لا؟!.. الله وحده أعلم، لأني أتصور أن الجرح الذي أحدثه سلوك الجماعة في أعماق المصريين، منذ 30 يونيو، جرح غائر، ولايزال ينزف، وليس من السهل تجاوزه، ولا نسيانه، ولا القفز عليه.
الشيء الثالث أن حديث المصالحة، إن صح، فإنما يدل على أن هذه الجماعة، لا هي جماعة صاحبة أفكار تؤمن بها ولا يحزنون، ولكنها جماعة تسعى إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح، وأكبر قدر متاح من النفع، بأعلى انتهازية تستطيعها، حتى ولو كان ذلك سوف يتم حين يتم على حساب كل شيء.. وليس هناك ما هو أدل على ذلك إلا أن الجماعة قبل 25 يناير 2011 كان كل ما يهمها أن تحصل، بالاتفاق مع النظام الحاكم، على أي عدد من مقاعد البرلمان.. أي عدد.. وقد كان ذلك يحدث بمنطق الصفقة المتبادلة بينهما، وكان منتهى أملها، كجماعة، أن يتفضل عليها النظام، ويعطيها ما يحقق لها منافع فى البرلمان، ولم يكن كل ماعدا ذلك يعنيها!
الشيء الرابع أن الكلام عن مصالحة معناه المباشر، أو غير المباشر، أن هؤلاء الموجودين في السجون، من بين قياداتها، إنما هم معتقلون وليسوا مسجونين بقرارات من النيابة العامة، وليسوا متهمين في قضايا محددة، لها عقاب على كل تهمة فيها يحدده القانون.. إن القبول بفكرة المصالحة، بالشكل الذي يجرى طرحه، من وقت لآخر، معناه أن رئيس الحكومة، مثلاً، هو الذي اعتقلهم، وأنه سيستطيع بالتالي إطلاق سراحهم!.. وهو الشيء غير الصحيح بالمرة!
الشيء الخامس أن الجماعة تنسى أنه لا مشكلة لنا، كمجتمع، مع أي إخواني لم يرتكب عنفاً، ولم يحرض عليه، فمثل هذا الشخص يظل رغم إخوانيته مصرياً إلى أن يثبت منه العكس، ويظل مواطناً له كامل الحقوق والواجبات ويستطيع أن يمارس السياسة، إذا شاء، من خلال أي حزب قائم.. أما الذي ارتكب عنفاً، أو حرض عليه، أو خالف نظام الدولة، فالسجن مكانه، والقانون وحده هو الذي عليه أن يتكفل به طول الوقت!
حديث المصالحة، إذن، هو بالشكل الذي يجرى طرحه به، من آن لآخر، فخ محكم.. فلا تقعوا فيه، لأن له أهدافاً أخرى غير التي تُقال!
نقلا عن صحيفة المصري اليوم
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net