قيس يوسف ناصر
إن البناء المكثف، والبناء متعدد الطوابق، هو نمط تشجع مؤسسات التخطيط على تسييره في البلدات العربية لتأمين أكبر عدد ممكن من الوحدات السكنية.
لا يتعامل الطاقم مع مشكلة مخططات التوحيد، والتقسيم في البلدات العربية، وهي حسب النمط التخطيطي المذكور شرط لإصدار رخص البناء.
لا ينتفض الطاقم على نمط التخطيط السائد في البلدات العربية، والذي يجعل التخطيط امر طويلا.
نشر الطاقم المسمّى "طاقم المائة وعشرين يومًا" مؤخّرًا تقريره حول التعامل مع ضائقة السكن في البلدات العربية في البلاد. وقد سُمي الطاقم، الذي التأم حسب قرار خاص لحكومة إسرائيل، طاقم المائة وعشرين يوما نسبة الى المدة التي حددتها الحكومة للطاقم في قرار التعيين لبحث ضائقة السكن في البلدات العربية، وطرح الحلول لها. وفي تقريره المذكور يسرد الطاقم الخطوات الضرورية في نظره لتذليل عوائق التخطيط والتطوير في البلدات العربية.
عمليّا، لم يكن طاقم المائة والعشرين الطاقم الأول الذي يبحث ضائقة السكن في البلدات العربية، فقد سبقته الى ذلك لجنة أور، وقبل لجنة أور لجان أخرى. كل هذه اللجان تعاملت مع ازمة السكن في البلدات العربية، وطرحت الحلول المناسبة، كل واحدة حسب توصياتها، ولكن الحال لم تتغير بشكل جديّ. في مقالتي هذه أود ان اصوّر باختصار مواطن الضعف في التقرير على نحو يقودني للتوقع أن التقرير لن يغيرّ الى حد كبير واقع البلدات العربية. أسند تقويمي هذا على أمور عديدة سأذكر بعضها بإيجاز.
أوّلا: لا يروقني تسمية الطاقم طاقم المائة وعشرين يوما للتعامل مع ضائقة السكن في "بلدات الأقليات". لا أرى تبريرًا لاستعمال مصطلح "بلدات الأقليات" في حين أنّ ضائقة السكن في المجتمع العربي ضائقة شاملة، ولا تفرّق بين بلدة وأخرى مهما كانت هوية سكانها. هناك فرق حتى على الصعيد النظري بين التخطيط لفئة ما كمجموعة واحدة والتخطيط لهذه الفئة كمجوعة فئات، ولهذا الفرق اسقاطات على تشخيص الحاجات للجمهور المعنيّ، وعلى الحلول فيما بعد.
ثانيا: صرّح الطاقم في التقرير أن هدفه الوصول الى نحو 26 الف وحدة سكنية مصدّقة حتى عام 2019. ولكن هذا الهدف هو نسبة قليلة مما يحتاجه المجتمع العربي من وحدات سكنية. ان ترخيص الوحدات السكنية القائمة في البلدات العربية، وما يحتاجه المواطنون العرب من وحدات سكنية في السنوات القريبة هو أضعاف مضاعفة من السقف الذي وضعه الطاقم. أي أنه حتى لو افترضنا أن كل توصيات الطاقم ستطبّق وسريعًا، وهو ما اشكّ به الى حد كبير، فان ما سيحظى به المجتمع العربي من وحدات سكنية بالكاد يسدّ حاجته الحقيقية الحالية والمستقبلية.
ثالثا: لا ينتفض الطاقم على نمط التخطيط السائد في البلدات العربية، والذي يجعل التخطيط امر طويلا ومضنيا. فحسب النمط التخطيطي الذي اتبعته وزارة الداخلية في البلدات العربية، يجب أولا اعداد خارطة توجيهية للبلدة او لمجموعة بلدات، وبعدها اعداد خارطة هيكلية عامة للبلدة حسب الخارطة التوجيهية، وبعدها خارطة هيكلية تفصيلية حسب الخارطة الهيكلية العامة. ونتيجة لهذا النمط لا يستطيع المواطن العربي اصدار رخصة بناء إلاّ عند الانتهاء من كل هذه المراحل، والتي تستغرق 20 عاما بالمعدل. بالرغم من ذلك، لا يتعامل الطاقم مع هذا النمط التخطيطي، ولا يقترح تغييره مع أنه يُكوّن احد الأسباب الرئيسية، في نظري، التي تعوّق التخطيط، والتطوير في البلدات العربية.
رابعا: لا يتعامل الطاقم مع مشكلة مخططات التوحيد، والتقسيم في البلدات العربية، وهي حسب النمط التخطيطي المذكور شرط لإصدار رخص البناء. ومن المعروف أنه على اثر التغييرات التي تحدثها مخططات التوحيد، والتقسيم في صفات الأرض من حيث الملكية، والحدود، فإنّ ذلك يصعّب على المواطنين تقبّل هذه المخططات، وهو ما يعوّق إجراءات المصادقة عليها، وتطبيقها، إن صُدّقت في نهاية المطاف. مع ذلك، لا يعطي الطاقم حلولا مباشرة لتذليل العقبات الخاصة بهذه المخططات، مستكفيا بتوصيات عامة حول زيادة العمل على تسويق فائدة هذه المخططات، وتعزيز أهميتها أمام المواطنين.
خامسا: إن البناء المكثف، والبناء متعدد الطوابق، هو نمط تشجع مؤسسات التخطيط على تسييره في البلدات العربية لتأمين أكبر عدد ممكن من الوحدات السكنية. ولكنْ، ولأسباب عديدة مركبة ومنها انعدام سوق عقاري يزيّن في أعين أصحاب الأراضي والمستثمرين تبني هذا النمط ،ويثبت لهم أنّ هذا النمط مربحٌ من الناحية المادية، لا يلحظ المجتمع العربي تطبيقا واسعا لمخططات البناء المكثف. مع ذلك، لا يتعامل الطاقم مع ضرورة خلق سوق عقاري في البلدات العربية، ومع ضرورة خلق الوسائل التي تجعل البناء المكثف في البلدات العربية مربحا.
سادسا: مع أن توسيع مناطق نفوذ السلطات المحلية العربية، هو أحد المطالب الرئيسية الدائمة، ومع أن هناك العديد من طلبات توسيع النفوذ لبلدات عربية عالقة منذ سنين، ومع أن هناك لجان حدود عديدة أوصت بتوسيع نفوذ بلدات عربية، وتوصياتها لم تطبّق حتى اليوم، اكتفى الطاقم بان يوصي بإقامة لجنة حدود ثابتة للبلدات العربية، ولم يطرح حلولا بخصوص الطلبات العالقة منذ سنين، والتوصيات التي لم تطبّق!
أخيرا، لا أنكر الجوانب الإيجابية في تعيين الطاقم المذكور، أولا على صعيد الاعتراف بوجود ضائقة سكنية خانقة في البلدات العربية، والعمل على حلها، وثانيا بوجود توصيات معينة للطاقم تساهم في حل المشكلة. مع ذلك، أظنّ أن حكومة إسرائيل حمّلت الطاقم ما لا يستطيع القيام به. لا يمكن حل مشكلة مزمنة منذ اكثر من ستين عاما خلال مائة وعشرين يوما، وفي مجال التخطيط في البلدات العربية على وجه الخصوص، مع كل ما فيه من تحديات تخطيطية، ودستورية، وسياسية تتعلق بعلاقة الدولة بمواطنيها العرب، وبالأهداف القطرية، والسياسية للتخطيط في اسرائيل. لهذا لم يكن مفاجئا، بالنسبة لي على الأقل، أن يضع الطاقم لنفسه سقف طموحات منخفضًا (تأمين نحو 26 الف وحدة سكنية مصدّقة حتى عام 2019) وأن يعطي توصيات عامة شاملة بدل حلول عينيّة للمشاكل التي تعاني منها كل بلدة عربية. لا أقول إن حل المشكلة يحتاج الى سنين، الحل لا يقاس زمنيا فقط، بل من حيث الجوهر والمضمون أيضا. حان الوقت أن يُمنح المواطنون العرب حلا حقيقيا لمشكلتهم في مجال التخطيط، فلا نرى بعد اليوم هدمًا ولا عشرات المواطنين العرب في قاعات المحاكم كل أسبوع يحاكمون على مخالفات البناء غير المرخص، ولا بلدات عربية مخنوقة لا يوجد فيها ولو متنزّه واحد، بل يجب إيجاد حل يحوّل البلدات العربية الى مكان يطيب العيش فيه، ويحوّل حالة اليأس السائدة لدى المواطنين العرب الى أمل وإيمان بعيش مشترك مبنيّ على المساواة، والعدل، والمستقبل الواحد.
يعمل الكاتب أيضًا باحثًا للقب الدكتوراه في القانون في جامعة تل أبيب.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net