الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 14 / نوفمبر 04:01

القدس وفلسطين قاصرتان /بقلم: آسيا طه مصالحة- زريقي

كل العرب
نُشر: 13/07/15 07:53,  حُتلن: 07:56

آسيا طه مصالحة- زريقي  في مقالها:

لم تكد شمس ذلك اليوم تبدأ بحزم أنوارها، للانحدار من صدارة سمائها، حتى استكثر السيد حسن نصر الله بريق الجمعة الجامعة في المسجد الأقصى ووهجه اللامع

بالرغم من إجراءات تعجيزية، فرضتها شرطة إسرائيلية، من منع الفتية من الشباب ما بين سن 12-30 عاما من دخول القدس، وحظر دخولها من دون تصاريح على النساء من سن 16-30 عاما، وعلى الرجال من سن 30 -50 عاما، أدى ربع مليون فلسطيني صلاة الجمعة

لم يكد يرفع الليل جفنه عن عين النهار حتى بزغ فجر الجمعة الأخيرة من شهر الفضيلة معلنا لملمة ما بعثرته العقود العسيرة من الجسد الفلسطيني لينساب نحو المسجد الذي بورك حوله

بالرغم من إجراءات تعجيزية، فرضتها شرطة إسرائيلية، من منع الفتية من الشباب ما بين سن 12-30 عاما من دخول القدس، وحظر دخولها من دون تصاريح على النساء من سن 16-30 عاما، وعلى الرجال من سن 30 -50 عاما، أدى ربع مليون فلسطيني صلاة الجمعة اليتيمة في المسجد الأقصى



لم تكد شمس ذلك اليوم تبدأ بحزم أنوارها، للانحدار من صدارة سمائها، حتى استكثر السيد حسن نصر الله بريق الجمعة الجامعة في المسجد الأقصى ووهجه اللامع ، وأبى إلا أن تخفت الأنوار وتبهت الأضواء بالإعلان أن القدس وفلسطين ما زالتا قاصرتين ولم تبلغا سن الرشد بعد

وبما أن القصور هو نقص في الأهلية، بموجبه يتعثر على قاصر الأهلية أو ناقصها التمييز بين ما فيه مصلحته وما فيه ضرر له، إذ يقتضي الأمر ألا يترك لنفسه ولذاته، وأن توضع ضوابط للحد من تصرفاته

ولا بد من سلطة تلزم القاصر بمقتضياتها وتعمل على إنفاذ التصرف عليه بكل ما يتعلق بمرافق الحياة العامة وشؤونها من دون تفويض منه، أو الرجوع إليه

وبمقتضى تفويض السيد حسن نصر الله لنفسه بالولاية العامة على القدس وفلسطين فقد عدد أصدقاءهما وأعداءهما من دون أسماء: "لا تستطيع أن تكون مع فلسطين إلا إذا كنت مع الجمهورية الإسلامية في إيران، وإذا كنت عدوا للجمهورية الإسلامية فأنت عدو لفلسطين والقدس"


هل بمقدور السيد حسن نصر الله أن يخبرنا كيف لا تستطيع مكة أن تكون مع فلسطين إلا إذا كانت مع الجمهورية الإسلامية في إيران وقد جمع بينهما رب العزة في الإسراء والمعراج وفي قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}؟ ومع أن للقدس منزلة عظيمة عند الأمة العربية المسلمة، فقد عمرها وسكنها العرب اليبوسيون الذين يعدون أول من أسسها وسموها يبوس، وأن عمرها قد تجاوز ستة آلاف عام (العليمي، 1999: ص 1/33)، وقد عمرت قبل أن تتفتح عيني إيران على بصيص نور أو وطيد أمل، ومن باب الوصاية اعتبر السيد حسن نصر الله أن: "الأمل الوحيد المتبقي بعد الله في استعادة فلسطين والقدس هي الجمهورية الإسلامية"، ولو فتح التاريخ مصراعيه، داعيا كل ذي اهتمام للدخول بين دفتيه ، لن يجد دورا يذكر لإيران في استعادة القدس إلا بعد خراب الهيكل الأول على يدي نبوخذ نصر، عندما استعادتها لبني إسرائيل على حساب أصحاب الحق والأرض "العرب اليبوسيين والكنعانيين"، فلطالما ساورني الفضول لمعرفة من هم أصحاب الأمل الوحيد المتبقي بعد الله في استعادة فلسطين، أهم ذوو الحق أم مغتصبوه!

بما أن الأمر يستوجب الولاية على القدس وفلسطين اللتين لم تبرحا سن البلوغ، الأولى أن ننظر في الولاية الخاصة الثابتة للأفراد بصفتهم الشخصية لأن الفقه يقدمها على الولاية العامة إذا كان لفاقد الأهلية أو ناقصها ولي من أقاربه ليتولى الولاية عليه، فيجب الإيفاء بشروط الولاية الخاصة، من ذوي القربى الذين امتزجت دماؤهم بدماء الفلسطينيين على فترات متتابعة من دورات الحقب والأزمنة التاريخية، بعمقيها القديم والحديث

إذا تتبعنا جذور من حلوا أهلا على فلسطين من غير العرب اليبوسيين والكنعانيين، ساندوها وساندتهم، آزروها وآزرتهم، نرى تنوع البلدان العربية وفسيفسائها قد غلب على التجانس وأماليه، فأضحى الاندماج أسمى مقوماته ومعانيه، هو الأصل في كل ما يعنيه، ويرجع إليه الفصل عند كل عقد يليه


وإذا رجعنا إلى القرن الخامس الميلادي، وإلى العهد البيزنطي يظهر جليا أن " شرقي الأردن امتلأ بالقبائل البدوية التي كانت مواطنها في شمال الحجاز، في مدين القديمة، وكانت التجمعات القبلية تسمى: عاملة، وجذام، ولخم، وهي تجمعات نسبت جميعها في وقت لاحق إلى عرب الجنوب

وفي القرن نفسه، تسرب بعض البدو إلى فلسطين ذاتها

وتواجد العرب في المدن أيضا

إذ أن تميم الداري وهو أحد الصحابة المعروفين ومن قبيلة لخم كان من مواليد الخليل حيث كان أحفاده يتولون في وقت لاحق خدمة المقام الإبراهيمي" (اوبنهايم، برونيلش & كاسكل، 1943:ص2/23)


"وبعد الفتوحات الإسلامية استوطن العاملة في الجليل الأعلى وفي الجبل الواقع إلى الشمال منه والذي يحمل اسم جبل عامل تكنيا بهم

واستوطن الجذام في الجليل الأدنى وبمجموعات صغيرة في الجنوب

أما لخم فقد تقدموا من عربة إلى غزة واحتلوا السهول الساحلية من جهة الشمال ومن جهة الجنوب حتى مصر

بالإضافة إلى هذه القبائل المجاورة لفلسطين جلب الإسلام بدوا كانوا يقيمون بعيدا عنها، ومنهم على سبيل المثال أبناء تجمعات قيسية

وفي وقت مبكر جاء أيضا الطائيون عبر وادي عربة، وكانوا ينتمون إلى قبائل سنبس، ودرما وزريق، وجرم" (اوبنهايم، برونيلش & كاسكل، 1943:ص 2/24-25)


وقد أمدت الفترة السلجوقية فلسطين بمهاجرين من غير العرب

بالرغم من أن تلك الموجة من المهاجرين التركمان لم تصمد أمام الحكم الصليبي، فقد تبعتها في وقت لاحق موجات أخرى حافظت على نفسها حتى اليوم

وبعد معركة حطين (1187م) واستيلاء صلاح الدين على فلسطين كلها، باستثناء بعض المدن الساحلية، أعيد تقسيم البلاد إلى مديريات أو أقاليم تقسيما لم يزل قائما حتى اليوم

ويسمى عدد كبير من هذه الأقاليم باسم قبيلة أو عائلة، من مثل: بني مالك، بني حارث، بني زيد، بني سالم عند جنين واللجون

للأسف ليس معروفا أصل هذه العائلات إلا في حالات قليلة: يعتقد أن بني حارث جاؤوا من وادي موسى (البترا)، وأن بني حارثة هم سنبس (طي) وكذلك بني عمير، من جرم (اوبنهايم، برونيلش & كاسكل، 1943:ص 2/26-27)


وكان للحياة العلمية في فلسطين روادها، إذ دعمت فلسطين بخيرة العلماء "ففي القرن الخامس الهجري بوجه خاص كان المسجد الأقصى مركزا لحياة علمية نشيطة شملت من العلوم على الأخص علمي الحديث والفقه، واجتمع بالمسجد الأقصى علماء "المقادسة" مع علماء من بلدان العالم الإسلامي المختلفة من المشرق والمغرب" (الأنصاري، 2010: ص 53)

وفي عصر المماليك "نزلت اسر في نابلس إشتغلت بالعلم فتولت إمامة المساجد وتولت العناية ببعض المقامات كالجعافرة والبسطاميين الذين أتوا من العراق والاضرميين الذين أتوا من مصر

فأصبحت الأكثرية الساحقة في جبل نابلس عربية إسلامية فاشتدت قوة سكانه وكانوا جميعهم من الأجناد والعشائر القوية وفيهم أسر الإمارة والمشيخة المطاعة فظهرت بعد ذلك شخصية جبل نابلس وأصبح ملجأ تولدت فيه نهضة علمية نبغ بعدها عدد من مشاهير العلماء (النمر، 1938: ص1/46)


وإن تطرقنا إلى البدو فقد "جاء معظم بدو شمال فلسطين الحاليين من منطقة حوران، ومن هؤلاء على سبيل المثال الصقر والصبيح

وفي الجنوب كانت الطريق الساحلية تستعمل في كثير من الأحيان كبوابة للدخول

وعبر هذه البوابة جاءت إلى فلسطين مرارا وتكرارا قبائل من شمال سيناء وشرقي مصر، ومنها: الجبارات والسواركة، والعايد والسوالمة، والنفيعات والكشوك، والكثير من الجماعات الصغيرة ذات الأصول المختلفة

أما الهجرات القادمة من شرقي الأردن فقد جاءت عموما على طريق تقطع عربة جنوب البحر الميت وتؤدي إلى سهول غزة الغنية بالحبوب

كما أن جزءا من سكان البدو الحديثين يجري في عروقهم دم جذام، ومنهم: العايد (حاليا ضمن مجمع الجبارات) والمساعيد

وقبيلتا العزازمة والظلام المقيمتان عند بئر السبع تنحدران من قظاعة المقيمة في الحجاز" (اوبنهايم، برونيلش & كاسكل، 1943:ص 2/31-32)


وفي دراسة استقصائية أجريت ابتداء من سنة 1968 في أكثر من 200 قرية عربية في داخل الخط الأخضر، وجد الجغرافي موشه برافر أعقاب لمهاجرين مصريين من فترات مختلفة

وقد ادعى ، أن الزيادة الكبيرة في عدد سكان القرى العربية على السهل الساحلي في زمن الانتداب البريطاني يرجع بشكل كبير لمهاجرين من الأراضي المجاورة، وبالأساس الذين وصلوا في سنوات الثلاثين والأربعين ( برافر، 1975:20)

وادعى أيضا أنه عندما استكشف قرية جرجيا سنة 1941، فوجئ بأن القرية مصرية أكثر من كونها فلسطينية

الكثير من السكان، وعلى الأخص كبار السن لبسوا ثياب تشبه "الجلبية" المصرية

سكان بيت جيرجيا قالوا له، بأن غالبيتهم ولدوا في مصر

البعض جاء في فترة الحرب العالمية الأولى مع الجيش البريطاني، وآخرين تسللوا لاحقا وانضموا لعائلاتهم في بيت جرجيا وفي قرى مجاورة

وفي 1948 خربت القرية وهرب سكانها لقطاع غزة (قرسل & أهروني، 2004: ص- 215)


وقد بلغت نسبة المهاجرين المصريين في وادي عارة ما يقارب 35%، ونسبتهم في بعض قرى وادي عارة اكبرمن ذلك

بوادي عارة: أم الفحم، عرعرة، عارة، كفر قرع، وبالمثلث: كفر قاسم، الطيبة، قلنسوة- هناك مئات العائلات التي تنحدر من أصول مصرية الذين أتوا مع جيش إبراهيم باشا وكان آباؤهم ينقلون الجمال بالجيش وبقوا بعد انسحاب الجيش (قرسل & أهروني، 2004: ص- 223)


ما ذكر آنفا اختص بالهجرة إلى داخل فلسطين، أما الهجرة من فلسطين لخارجها فهي وفرة وفيرة، حين تناوبت على فلسطين النوائب تناولتها قصص كثيرة، فلم يغفل الشيخ عبد الغني النابلسي عن سرد قصة عائلة النابلسي الدمشقية، المنحدرة من أصول فلسطينية، عند زيارته لقرية جماعين أو جماعيل في جبل نابلس، إذ كتب: "وقد زرنا في تلك الديار أجدادنا بني قدامة الذين هاجروا من هاتيك البلاد لما استولت عليهم الظلامة، وأخذ الكفار بيت المقدس فهجروا الديار والأوطان وجاؤوا مع من جاء من علماء بيت المقدس وصلحائها الكرام، إلى دمشق الشام، وسكنوا بالصالحية في ذيل جبل قاسيون، وبنى فيها الشيخ أبو عمر بن قدامة جامعه المشهور ومدرسته المعمورة بالبركات والنور (النابلسي، 1990: ص 90-91)


بعد هذا العرض السريع لجانب من أصول الشعب الفلسطيني بشكل عام، والإطلاع على ما حفرته الأيام، من أن الحجاز والعراق ومصر وعلى رأسهم حوران الشام، هم من زودوا فلسطين بأهلها الكرام، فكيف لمن طغت على جنوبه مصر وعلى شماله حوران، بان يقبل ولاية أي كان، من لبنان أو إيران؟

 كفركنا
 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر

لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab

net

مقالات متعلقة

.