د.مازن صافي في مقاله:
واقعنا الفلسطيني أصعب من أن يوصف وإذا نظرنا الى أحوال أبناء شعبا في الشتات الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية بسوريا وخروجهم مهجرين الى البلاد الأوروبية أو العربية فإن مرارة تصيبنا وتجعلنا نفكر ألف مرة في واقع مستقبلنا الفلسطيني
يحتاج الأمر الى الكثير من الحديث والنقاش والمسؤولية والقرار والمتابعة وتوزيع الأدوار لنحافظ على مستقبلنا وقضيتنا وحقوقنا وعدم تخلينا عن فلسطينيتنا من أجل المال أو أن نتحول الى مجرد أرقام في دائرة الهجرة بالبلاد الأوروبية وغيرها
وصلتني رسالة من صديقي في اليوم التالي الذي وصل فيه للسويد بعد رحلة معاناة قاسية جدا وجاء فيها: "هي الغربة ذلك النفق المظلم الذي تخرج منه إلى النور، وهي ذلك البحر الغدار الذي تترك روحك بين يدي الله أثناء ركوب مركب غربتك، وهي "الحلم المجهول" إلذي عند وضع قدمك عليه تشعر بالأمان وتشكر الله، فقد وصلت إلى بداية "المستقبل"، وتصبح أول خطوات الوصول بعد "رحلة الموت" أو حتى " الهجرة الشرعية" خطوات في بداية العمر الجديد، وتتجول وكأنك مولودا جديدا، إنها القرار الأصعب والهجرة والاشتياق والبكاء والحنين والمعاناة وحتى النوم على الأرصفة أو انتظار من يمد لك وجبتك اليومية وبرنامجك اليومي نومك المتصل، ومقابلات تنبش فيك وما عليك إلا أن تسجل كل شيء عنك، لتحصل على ذلك المستقبل "الموعود" وربما تنتظر سنوات من البحث عن "إقامة" أو "عمل"، وربما لا تحصل الا على الفتات، وتضغط عليك كثير من التحديات ومنها "إثبات الذات" أو "ثقافة العيب" فتبقى في ظلمات الغربة وتتسربل منك الكثير من الأشياء ."
وتحدث مع صديق آخر عن تجربته وهو لا زال هناك في بلد أوروبي يعاني ويلات الانتظار القاتل "لوهم الإقامة" ومما قاله لي: "الهجرة إلى الموت، مسيرتنا حتى الوصول، ربما يكون العنوان فيه شيء من المبالغة، أو شيء من الألم، ولكنّها للأسف هي الحقيقة بعينها، نعم هي هجرة إلى الموت، تلك التي دفعت بي، وبشبابنا للبحث عن واقع جديد بعيدًا على الأهل والخلان، وبعيدا عن شجرة الزيتون، وعن بلادنا المقدسة، وتحول البحث عن بعض الرزق والكرامة إلى كابوس أسود لا ينتهي".
هذه المقدمة قفزت أمام عيناي، وأنا أقرأ الخبر الذي يتحدث عن شابة فلسطينية اسمها (ريم) خرجت مهاجرة من المخيمات الفلسطينية في لبنان، ووصلت إلى ألمانيا، وتعيش فيها مع أسرتها منذ فترة طويلة، ولم تحصل على حق اللجوء الى ألمانيا، وأجهشت بالبكاء أمام المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل خلال برنامج تلفزيوني، ونتيجة لهذا البكاء أعلنت مصادر سياسية هناك أن الفتاة لن ترحل وستبقى في ألمانيا.
ولقد لخصت الفتاة ريم أنها تجتاز مرحلة صعبة لأنها مهددة مع عائلتها بالطرد إلى لبنان الذي كانت غادرته قبل أربع سنوات إلى ألمانيا.
هذه الحالة تم تسليط الأضواء الإعلامية عليها، وتحولت إلى قضية إنسانية، وفي الحقيقة أن هناك الآلاف من الفلسطينيين كل منهم في بلاد الغرب والهجرة يحمل قضية إنسانية ربما أصعب بكثير من حالة "ريم"، ولم يتسن لهم أن يتم تسليط الضوء عليهم، وكذلك هناك من انخرطوا في أعمال لا تمت لكرامتهم بشيء، وهناك من وصلوا الى مرحلة المجهول، وهناك من ينتظرون الوقت على أعلى ان يحصلوا على "وعود" بتحويلهم الى "لاجئين" في الدول الأوروبية، ومنحهم حق اللجوء في هذه البلاد.
واقعنا الفلسطيني أصعب من أن يوصف، وإذا نظرنا الى أحوال أبناء شعبا في الشتات الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية بسوريا، وخروجهم مهجرين الى البلاد الأوروبية أو العربية، فإن مرارة تصيبنا وتجعلنا نفكر ألف مرة في واقع مستقبلنا الفلسطيني، هذا ناهيك عن انخراط البعض في أمور لا تمت بصلة للأهداف التي رحلوا عن بلادهم من أجلها.
يحتاج الأمر الى الكثير من الحديث والنقاش والمسؤولية والقرار والمتابعة وتوزيع الأدوار، لنحافظ على مستقبلنا وقضيتنا وحقوقنا، وعدم تخلينا عن فلسطينيتنا من أجل المال أو أن نتحول الى مجرد أرقام في دائرة الهجرة بالبلاد الأوروبية وغيرها.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net