أهي قضاء أم وباء؟!/ بقلم: البروفيسور أحمد ناطور

كل العرب
نُشر: 01/01 15:05,  حُتلن: 21:28

البروفيسور احمد ناطور في مقاله:

نسبة القتلى في حوادث الطرق تقارب ضعف نسبتهم السكانية عام 2010 سقط على الطرقات 290 قتيلا كان منهم 37% من العرب وفي عام 2011 كان القتلى العرب يشكلون 30% من مجمل الضحايا 

إن التوكل على الله لا يناقض السعي والأخذ بالأسباب من مأكل ومشرب وكذلك التحرز من العدو والاعداء والاستعداد له كما ان التوكل انما يكون مع الاخذ بالأسباب

الا ترى ان الرسول نفسه قد اخذ بالأسباب يوم اعد الجيوش ويوم اخذ حذره من عدوه وأذِن بالهجرة الى الحبشة وحين احتمى يوم الهجرة بالغار؟ الم يتخذ احتياطاته في الدفاع عن المدينة بالخندق ؟

هل يجوز أن يترك الواحد سيارته دون صيانة فيتسبب بمقتل الناس ومقتل نفسه؟! أهي ثقافة الاهمال والتغاضي عما هو متوقع الحدوث بدرجة اليقين؟

الدولة مطالبة بإصلاح الشوارع المؤدية الى القرى والمدن العربية كما تفعل جاهدة في الشوارع المؤدية الى المدن والمستوطنات اليهودية كما أن على البلديات العربية اصلاح الشوارع الداخلية ووضع يافطات وشارات مرور 

قلت لمحدثي: ما بالنا نموت على الطرقات بالجملة ؟ اهي ضريبة دم ندفعها كل يوم ، ام هي لعنة تلاحقنا من غير هوادة ؟!. مصرع شاب في الطيرة في انقلاب سيارة، مصرع شخص واصابات خطيرة في حادث قرب المغار، مصرع سائق شاحنة من طوبا قد احترقت فيه، حادث مروع يروح ضحيته أربعة من الشباب على بوابة جنين، كل هذا في اسبوع واحد. ما هذا؟ أنحن في حرب هوجاء عمياء، لا تفرق بين عدو وصديق؟ حوادث الطرق المتفاقمة صارت في زماننا حدثا يوميا بديهيا يكاد ن يكون مفروغا منه. نسبة القتلى العرب تفوق نسبة العرب بين سكان البلاد، فمع ان العرب في البلاد يشكلون خُمس سكانها، فان نسبة القتلى في حوادث الطرق تقارب ضعف نسبتهم السكانية، عام 2010 سقط على الطرقات 290 قتيلا كان منهم 37% من العرب وفي عام 2011 كان القتلى العرب يشكلون30% من مجمل الضحايا، 30% منهم مشاة و 37% من السواق.

أما سنة 2012 فقد قفزت نسبة الضحايا العرب الى 45% وهو ما يزيد عن ضعفي نسبتهم في المجمل السكاني . الا ان الطامة الكبرى  لا زالت تكمن في دهس الاطفال في ساحات البيوت وغالبا ما يكون السائق والد الطفل الضحية، وهذه لشديد الأسف تبدو كأنها ظاهرة عربية من غير منازع، ففي سنة 2014 كان 60% من الاطفال الضحايا من العرب الذين لم يبلغوا سنتهم الرابعة عشرة. وهو امر انما يعود لمتغيرات عدة، اهمها الخلط بين موقف السيارات وملاعب الاطفال في ساحة البيت، اي ان الموقف هو نفسه ساحة اللعب الى جانب الإهمال والتقصير. وحري بنا ان نذكر هنا ان نسبة سُواق الشاحنات العرب حتى سن 34، المتسببين بحوادث الطرق هم ضعف سائقيها من اليهود.
قال محدثي: ويحك، لو غيرك قال هذا ! اتعترض على قدر الله ؟! هذا قضاء وقدر!
قلت وهل القدر ان يعتلي احدنا سيارته وهو يعلم ان لا فرامل فيها وحين تدوس هذا وتقتل ذاك ، فهو قضاء وقدر؟
وهل القضاء والقدر ان يقفز احدهم عن سطح بيته، ثم يقول هو قضاء وقدر؟

ذكرني محدثي بقوله هذا، بقصة ابن الخطاب عمر (ر) حين اتى بلاد الشام وقد انتشر فيها الطاعون، فهمّ ان يخرج منها، فقال له ابو عبيدة بن الجراح: أتفر من قدر الله يا امير المؤمنين؟. قال عمر: لو غيرك قالها يا ابا عبيدة ! نعم، افِرّ من قدر الله الى قدر الله، فالطاعون مرض والمرض قدر ، والفرار منه الى الارض الصحيحة التي لا مرض فيها هو فرار الى قدر الله ، وكذا الراعي يفرّ من الارض الجرباء الى الارض الخصبة، ويكون بهذا قد انتقل من قدر الى قدر. تماما كما يفرّ المرء من قدر المرض الى قدر التداوي والصحة.  سُئِل رسول الله (ص): يا رسول الله، أرأيت ادوية نتداوى بها، ورقى نسترقي بها، وتقى نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئا؟ - قال: هي من قدر الله.

إن التوكل على الله لا يناقض السعي والأخذ بالأسباب، من مأكل ومشرب، وكذلك التحرز من العدو والاعداء والاستعداد له. كما ان التوكل انما يكون مع الاخذ بالأسباب، اما من غيره فإنما يكون هذا فسادا للعقل. قال عمر: لا يقعد احدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني، وقد علمتم ان السماء لا تمطر لا ذهبا ولا فضة. أراد احدهم ان يترك ناقته فسأل رسول الله (ص) فقال : أأعقلها واتوكل او اطلقها واتوكل ؟ فقال رسول الله (ص): اعقلها وتوكل. الا ترى ان الرسول نفسه قد اخذ بالأسباب يوم اعد الجيوش، ويوم اخذ حذره من عدوه وأذِن بالهجرة الى الحبشة وحين احتمى يوم الهجرة بالغار؟ الم يتخذ احتياطاته في الدفاع عن المدينة بالخندق ؟! . معناه ان
الايمان بالقدر لا ينافي السعي في درء المفاسد وجلب المنافع بل ان هذا واجب على الراعي والرعية.

هل يجوز أن يترك الواحد سيارته دون صيانة، فيتسبب بمقتل الناس ومقتل نفسه؟! أهي ثقافة الاهمال والتغاضي عما هو متوقع الحدوث بدرجة اليقين؟ ايكون هذا قضاء وقدرا ام هو اهمال جرمي يحرمه الله والقانون؟. لا ادري من اين اتت الينا ثقافة الاهمال هذه ، فترى الواحد منا قد غلبه ترك ما يُحتم عليه فعله، كإجراء فحوص طبية دورية، وصيانة الابدان والاسنان. الا ترى ان الواحد منا لا يذهب الى طبيب الاسنان الا بعد ان تتعفن سنه وتخنقه رائحته، فيغدو كمن نسي شيئا قد مات في فمه؟!.

صحيح ان من اسباب الحوادث سوء البنى التحتية في القرى العربية، وسوء الاحوال الاقتصادية، الامر الذي يترتب عليه غياب الصيانة، وسوء احوال المركبات، ولكن لماذا يلتزم الواحد منا بأحكام السياقة في تل ابيب وحيفا بينما يضرب بها عرض الحائط في بلده، حيث لا قانون ولا ضوابط هناك.  إن الدولة مطالبة بإصلاح الشوارع المؤدية الى القرى والمدن العربية، كما تفعل جاهدة في الشوارع المؤدية الى المدن والمستوطنات اليهودية، كما أن على البلديات العربية اصلاح الشوارع الداخلية ووضع يافطات وشارات مرور - الامر الذي يكاد يكون معدوما لدينا، اما نحن فينبغي أن نعي أن صيانة السيارة هي حماية للحياة، وأن الالتزام بأحكام السياقة لم يكن يوما خنوعا للشرطة او للقانون بل هو رقي وثقافة وحضارة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة