البروفيسور أحمد ناطور في مقاله:
أي دلالة يبقى لعبارات الشجب والاستنكار التي تشدق بها مسؤولو اسرائيل اثرَ الجريمة البشعة التي اودت بعائلة دوابشة بالحرق المرير؟
إن كان الجاني يهوديًا والضحية فلسطينية - من اهل الارض المحتلة على وجه الخصوص فلا تحقيق ولا محاكمة! والامثلة على ذلك بالعشرات او قُل بالمئات
المساهمة والاشتراك المباشر أو غير المباشر في الفعل الجُرمي، التواطؤ- مِمن كان مسؤولاً ذا سلطة تنفيذية، والامتناع عن الفعل حين يتوجّب ذلك، والتدخُّل الذي يكون حين يشُد احدُهم عزيمة الفاعل بوسيلةٍ ما، والحضّ والتحريض على الفعل الجُرمي، وكذلك التغاضي وغض البصر عن امكان وقوع الجريمة، كلها تعني إلقاء المسؤولية الجنائية على صاحبها ووضعه تحت طائلة العقاب.
وحين يقترف أحدٌ جُرما، فاعلاً رئيسًا كان أو شريكا فيه، أو حاضًّا على فعله أو محرّضًا عليه، او انه آثَرَ ان يُغمض عينيه عن امكانية حصول الفعل الجُرمي، فجرى ما جرى، تقوم سلطة التحقيق المكلفة بإعداد البينات على دوره في الفعل المحظور ليتسنى للنيابة تقديمه إلى القضاء. هذا في الاحوال العادية في الدولة السويّة، اما في حال افعال المستوطنين الاجرامية البشعة فأحكام اللعبة مختلفة تماما. ونحن اذْ لا نريد ان نعود على ما قلناه في مناسبات اخرى، فإننا نقول ان دور اجهزة تطبيق القانون، من شرطة ونيابة وقضاء، بما يتعلق بجرائم المستوطنين يتعملق حين تكون الضحية يهودية، ويشتد ضراوةً انْ كان الجاني عربيا. أمّا إن كان الجاني يهوديًا والضحية فلسطينية - من اهل الارض المحتلة على وجه الخصوص، فلا تحقيق ولا محاكمة! والامثلة على ذلك بالعشرات او قُل بالمئات.
هذان مثالان للتدليل لا للحصر: سنة 2011 كان شاب من قرية بورين - جنوب نابلس، يعمل في ارضه التي تجاور المستوطنة، فهجمت عليه مجموعة من ذئاب المستوطنين. اطلقوا عليه النار فأصابوه اصابات عديدة، اما الجيش الذي وصل إلى المكان فقد انبرى لمهاجمة وتفريق الفلسطينيين الذين تجمعوا في المكان بدلا من أن يعتقل الجناة المهاجمين. لقد اُغلق ملف التحقيق في هذه الحادثة إلى الابد. مثل هذا، وفي الشهر ذاته كانت عائلات فلسطينية تجمع الزيتون من كرمها في بلدة جالود - ومعها متطوعون اسرائيليون. نزلت عليهم مجموعة من المستوطنين الملثّمين واطلقت النار في الهواء ثم اوسعتهم ضربا. أمّا الجيش فجاء ليطرد اصحاب الارض من المكان، وكأنه ما جاء الا ليعاون المستوطنين في تحقيق مرادهم.
لم يجرِ تحقيق جدي في هذه الحادثة، واُغلق الملف. معناه أنّ افراد الشرطة والجيش والادّعاء العام - كلهم شركاء في الجريمة. ولمّا كان هذا السرد للتمثيل لا للحصر، فإننا نتمنى على المحامين العرب والهيئات الاهلية النَشِطة ان تقوم بمسح شامل لكل الملفات التي اغلقتها الشرطة في اعتداءات المستوطنين الاجرامية، ثم تطالب بإعادة التحقيق فيها، وليس اقل أهمية منه وجوب الشروع بالملاحقة القضائية لأفراد الشرطة والجيش والادعاء العام، الذين اتخذوا القرار بإغلاقها وتسويف التحقيق فيها، لانهم يكونون في الجُرم شركاء، وهذا واجب على محامينا في فلسطين الداخل لانهم الاقدر من غيرهم على العناية بالأمر من قبلُ ومن بعدُ.
مع ذلك، فإنّ هذا القبح في المساهمة والامتناع ليس هو الوجه الوحيد للسلطة واذرعها بشأن رعاية دفيئة الارهاب وانمائها، بل ان هناك وجها فاعلا اخر لا يُصدَّق: وزارة المالية ذاتها تموّل هؤلاء الارهابيين وعائلاتهم! جمعية تسمّى "حونينو" - وهي هيئة معنوية مسجلة في سجِّل الجمعيات، وتحظى باعتراف سلطات الضرائب، كهيئة غير ربحية - معترف بها لغرض الضرائب. معنى ذلك ان من يتبرع للجمعية يحظى من الدولة باسترجاع اكثر من ثلث المبلغ المتبرّع به : مؤداه، ان المالية تموّل الجمعية من المال العام.
تقوم هذه الجمعية بتمويل الدفاع والمرافعة عن مجرمي ما يسمّى " تدفيع الثمن " ثم تدفع لهم ولعائلاتهم مِنَحا مالية. لماذا لا يفعل هؤلاء ما يفعلون اذاً؟ ما دام الإرهاب اليهودي على العرب، اما هو عملية مأمونة العواقب اولاً ومضمونة الدخل ثانياً ؟! فمن ناحية، هم يؤذون العرب وقد رضعوا كراهيتهم مع حليب الام، وهو هدف حياتهم مُطلقاً، ثم ان الجيش يحميهم ويذود عنهم من ناحية أخرى. اما انْ حدث وأحيلوا للتحقيق، فلا ضير في ذلك، لان الملف سيُغلق حتماً، وان حدث صدفةً انه لم يغلق، ستبرئهم المحكمة في الغالب. بعد هذا كله يملأون جيوبهم مالا من المال العام.
في تقرير الجمعية سيئة الصيت المذكورة هذه، المقدم إلى مصلحة الضرائب يظهر المدعو ستروك، ابن النائبة – بذيئة الخَلْق والخُلُق، كأحد المنتفعين - وهو الذي نكّل بفتىً فلسطيني فحُكم بالحبس بقرار من المحكمة العليا لمدة سنتين ونصف. لقد تقاضى هذا المجرم المُدان من الجمعية المذكورة منحة مالية. كما ان المدعو عامي بوبر، الذي امر عُمالا فلسطينيين سنة 1990 بالاصطفاف امامه صفًا واحدًا ليحصد منهم سبعةً بصَلْيةٍ واحدة، تلقّى أبوه منحة مالية من الجمعية، ومِثله المدعو بوعز البرت من مستوطنة ما يسمى يتسهار الذي دفعت له الجمعية مبلغ 58 ألف ش.ج. ان هذه الجمعية لا يجوز ان تبقى هيئة اعتبارية وينبغي حلُّها ومصادرة أموالها والتحفظ عليها فوراً. كما يجب مطالبة النائب العام بتقديم أعضائها وادارتها ومموليها إلى المحاكمة بتهمة الإرهاب.
في هذا الحال نسألُ أي دلالة يبقى لعبارات الشجب والاستنكار التي تشدق بها مسؤولو اسرائيل اثرَ الجريمة البشعة التي اودت بعائلة دوابشة بالحرق المرير، طالما " كانوا لا يتناهَوْن عن منكرٍ فعلوه "، بل اختاروا ان يأخذوا دور الشريك الفاعل والمتواطئ والممتنع والمتدخّل فيه؟!
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net