الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 09 / نوفمبر 23:02

ما وراء الدروس في اللغة العربيّة/ بقلم: مصطفى عبد الفتاح

كل العرب
نُشر: 27/08/15 10:08,  حُتلن: 07:25

مصطفى عبد الفتاح:

الهويّة هي مجموعة من الدّوائر الانتمائيّة المكوّنة للإنسان الفرد وللإنسانية كمجموعات متجانسة أو متنافرة فيما بينها

علينا الوقوف في وجه هذا المخطّط ومنعه بكلّ قوّة تعليم العبرية لطلاب صف اول ليس بريئًا وليس من أجل الطلاب

إذا استمر هذا النهج العنصري نحو محو الذاكرة وتشويه اللغة وطمس التراث وإبعادنا عن موروثنا الحضاري الأساس اللغة فسيأتي يوم نقوم فيه بترجمة الكتب العربية

كان من المفروض والمنطقي أن يقوم وزير المعارف ونحن على أعتاب السّنة الدّراسيّة الجديدة بإصدار توجيهاته إلى المدارس اليهوديّة ليعلّم اللغة العربيّة عندهم كما يتعلم الطالب العربي اللغة العبرية، كوسيلة للتفاهم والتّقارب والسّلام بين الشعبين، لا أن يصدر توجيهاته لتعليم الصّف الأوّل في المدارس العربيّة اللغة العبريّة، فأبناءنا لا يعانون من مشكلة فهم أو استيعاب اللغة العبرية بل عندهم تخمة في معرفتها تكاد أن تنسيهم لغتهم الأم.

إذن الهدف ليس بريئًا وليس ساذجًا خاصّة من وزير معارف نعرف جميعنا خلفيته الأيديولوجية والسياسية، عملت الحركة الصهيونية منذ تأسيسها بكل قوة، فقامت بكل ما وسعها من قوة بتفتيت وتمزيق وشرذمة الهوية للشعب الفلسطيني لحرفه عن مساره وإلغاء وجوده كشعب وتحويل أبنائه إلى مجرد أفراد لا انتماء ولا هويّة لهم في عالم متلاطم الأمواج والغلبة فيه للقوي.

ليس عداءً للغة العبريّة وليس خوفًا على اللغة العربية بل حفاظًا على ذاتنا الجماعيّة وعلى موروثنا التّراثي والإنساني، تنتصب اللغة عند أي شعب في العالم في مركز انتماءاته لكونها وسيلته الأولى والأهم للتّواصل مع العالم ولنقل موروثه الحضاري والإنساني إلى العالم والأهمّ فهي الوسيلة الأولى لتوحيد الشعب وتمييزه عن باقي الشعوب.

لغتنا العربية، أساس هويتنا الثّقافيّة والسّياسيّة والاجتماعيّة موجودة في مهب الريح، ولكم أن تتصفحوا بعض تعليقات القرّاء على الشّبكة العنكبوتيّة لتتأكدوا من حجم المأساة، أو الاطّلاع على برامج اللغة العربية ومستواها التي تقدّم لطلابنا وابنائنا حتى نعرف حجم المأساة.

الهويّة هي مجموعة من الدّوائر الانتمائيّة المكوّنة للإنسان الفرد وللإنسانية كمجموعات متجانسة أو متنافرة فيما بينها. هذه الدوائر يحددها الفرد يتعرف إليها ويتعامل معها، وينسجم أو يرفضها بمقدار وعيه وثقافته وقدرته على التّعرف إلى ذاته وإلى محيطه والتعامل معه، ويحددها المجموع بمقدار وعيهم ونضجهم السّياسيّ والاجتماعيّ والفكريّ والثّقافي ومدى حاجتهم ورغبتهم في الحفاظ على ذاتهم الانتمائية أي الهوية، والتّماهي والتّمازج مع هذه الانتماءات يعتبر في المحصّلة النّهائيّة المكوّن الحقيقي لشخصية الفرد.

الحركة الصهيونية وأذرعها وعت هذه الحقيقة وأدركت خطورة أبعادها، في بداية انطلاقتها استقبلت شظايا بشر من مختلف ثقافات العالم، فعلمتهم التّنكر لماضيهم ولأصولهم القومية التنكر للغتهم الأمّ، وحتّى قامت بتغيير أسمائهم ،علّمتهم تاريخها وثقافتها وانتمائها ،وعلّمتهم الاعتزاز والقبول باللغة العبرية التي لم يتكلمها أحد في ذلك الحين حتّى أصبحت مصدر فخر واعتزاز لبنيها، وحتى نحن أخذنا بالابتعاد عن لغتنا أو قبول العبرية تحت وطأة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسّياسيّ فأصبحنا أو أصبح معظمنا يقبل بكل وافد جديد وبكل ما يفرض علينا دون تفكير أو تمحيص أو بحث.

علينا الوقوف في وجه هذا المخطّط ومنعه بكلّ قوّة، تعليم العبرية لطلاب صف اول ليس بريئا وليس من أجل الطلاب، بدل تعليم العبرية علينا تعليم وتحبيب وممارسة اللغة العربية قولا وفعلا وتوجيه أبنائنا وطلابنا ومؤسساتنا الثقافية والاجتماعية نحو ترسيخ اللغة في وعي ووجدان أبنائنا.

إذا استمر هذا النهج العنصري نحو محو الذاكرة وتشويه اللغة وطمس التراث وإبعادنا عن موروثنا الحضاري الأساس اللغة فسياتي يوم نقوم فيه بترجمة الكتب العربية عندنا من اللغة الفصحى إلى اللغة العامية أو اللغة العربرية (العربية العبرية) المشوّهة حتى يفهمها أبنائنا ربّما بأحرف عبرية او انجليزية كما هو متبع اليوم على صفحات الفيس بوك وغيرها من الميديا المكتوبة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

 

مقالات متعلقة

.