اللغة العربيّة إلى أين؟/ بقلم: رغدة بسيوني

كل العرب
نُشر: 01/01 10:16,  حُتلن: 14:04

رغدة بسيوني  في مقالها:

اللغة العبرية أبعد من كونها مجرّد لغة أولى في الدّولة، إنّها لغة احتلال، هذا يعني أنّ وجود لغة عربيّة هنا لا زال يؤكّد على حقّ يعيق إثبات أحقّيّة "إسرائيل" بالأرض

أنا لا أرى الأهداف السّامية التي يقول عنها هذا الوزير بل أرى أبعاد مبطّنة تحملها قراراته للسّيطرة منذ الصّغر على عقول أطفالنا بتعليمهم لغة الاحتلال وترسيخها في رؤوسهم لتهميش قدر الإمكان اللغة الهويّة

كلّ هذه الأمور توصل حتمًا إلى إلغاء الهويّة والموروث، وتصبّ في مكبّ تريده إسرائيل لنا كعرب، لن نخرج منه إلّا إذا حافظنا على لغتنا العربيّة وحصّنّا أنفسنا بها ورسّخنا قيمها في عقول أطفالنا منذ الرّضعة الأولى.

العرب الفلسطينيّون في دولة الاحتلال ليسوا دخلاء عليها لذلك فإذا أراد بنيت أن يعلّم أطفال العرب اللغة العبريّة فحسب منطقه يجب تعليم أطفال اليهود اللغة العربيّة كي تكون معادلته صحيحة ليتمّ الاندماج "الجميل" الذي يطمح إليه

من الواضح جدًّا أنّ اللغة العربيّة في هذه البلاد وثقافة إحيائها من قبل الشّباب الواعي باتت تشكّل خطرًا على الوسط اليهودي وحكومة إسرائيل، لأنّها بدأت تخرج أكثر من حيّز اللغة كوسيلة تواصل لتأخذ طابعًا مقاوِمًا بشكلٍ أو بآخر علنيًّا.
وفي قرارٍ تعاطفيّ مدروس من قبل وزير التربية والتّعليم الذي ينصّ على إجبار تعليم الصّفوف المبكّرة للغة العبريّة، لأنّه قلقٌ على مستقبلٍ دون تمكّن من هذه اللغة "لعرب إسرائيل"، أو دون الانخراط في المجتمع الإسرائيلي فيما بعد ممّا يؤثّر على مكانتهم في الدّولة، وبصيغة ما قولبة العرب ووضعهم في خانة الجاهلين، ووحده هذا القرار من سيكسر قيد هذا القالب لينطلق العرب نحو مجتمع إسرائيليّ متين.

حقيقةً أنا لا أرى الأهداف السّامية التي يقول عنها هذا الوزير، بل أرى أبعاد مبطّنة تحملها قراراته للسّيطرة منذ الصّغر على عقول أطفالنا بتعليمهم لغة الاحتلال وترسيخها في رؤوسهم لتهميش قدر الإمكان اللغة الهويّة.
العرب الفلسطينيّون في دولة الاحتلال ليسوا دخلاء عليها، لذلك؛ فإذا أراد الوزير بنيت أن يعلّم أطفال العرب اللغة العبريّة، فحسب منطقه يجب تعليم أطفال اليهود اللغة العربيّة كي تكون معادلته صحيحة ليتمّ الاندماج "الجميل" الذي يطمح إليه.
ولكن؛
هل نحن نريد ذلك؟؟ هل نريد أن يتعلَّم أطفالنا العبريّة بعد فطامهم عن الحليب؟؟ بلغة أخرى، هل يجب إقحام اللغة العبرية في روضات الأطفال لتبدأ معادلة احتلاليّة جديدة؟
على الأهل أن يقفوا بوجه هذا القرار، فتبعيّاته لن تكون حميدة بالمرّة. ومن يظنّ أنّ هذا القرار هو فعلًا سيحقّق مستقبلًا باهرًا للأطفال العرب فهو مخطئ جدًّا، التمكّن من اللغة العربيّة أولًا سيمكّنهم من تعلّم باقي اللغات مستقبلًا.

اللغة العبرية أبعد من كونها مجرّد لغة أولى في الدّولة، إنّها لغة احتلال، هذا يعني أنّ وجود لغة عربيّة هنا لا زال يؤكّد على حقّ يعيق إثبات أحقّيّة "إسرائيل" بالأرض. لذلك هم لا يريدون فقط عبرنة لغة الأطفال، وإنما تسييسهم وتهويدهم منذ الصّغر.

***علينا أوّلًا تسليط الضّوء على اللغة العربية وطريقة تمريرها للطّلاب، فنحن اليوم نشهد ركاكة فظيعة في النّصوص المطروحة من ناحية موضوع وصور وحتّى تحرير، نلاحظ العديد من الأخطاء غير المبرّرة. فكيف لنا أن نقبل أن يتعلّم الأطفال لغة ثانية في حين أنّهم لا يتقنون لغتهم الأم وكيف إذا كانت اللغة العبريّة هي التي ستقف أمام العربية في روضات الأطفال، من الواضح جدًّا أنّ إدخال العبرية إلى روضات الأطفال والبساتين ليس عبثيًّا فربّما أنّ الخطّة ستكون إبراز الجزء الطفولي الحكيم من خلال نصوص أو كلمات ستدرّس باللغة العبرية بينما في العربيّة كما نلاحظ في عدة كتب للصفوف الأولى والتي تدخل في الشّق السّياسي بصورة غير مباشرة. على اللغة العربيّة أن تكون حجر الأساس لكل طفل كي لا تؤثّر أي لغة مكتسبة أخرى على لغته الأم.
إذا عدنا قليلًا إلى الوراء سنلاحظ الفرق الهائل بين موضوعات النّصوص وعمقها والأهداف المرجوّة من وراء كل نصّ.
وهذا ما نراه في النّصوص العربيّة للصّفوف الأولى، فبدلًا من "نادر زار رباب"، أصبح؛ شرطيّ عربي جماهيريّ (كتاب الموطن).
طفل في الصّف الأوّل عندما يُلقّن درسًا كهذا، لا بُدّ له وأن يحلم بالمحافظة على أبناء بلده عندما يكبر، وأن يصبح شرطيًّا بنجمة سداسيّة، تمامًا كالشرطي العربي المسلم. عدا عن الدّرس الذي يحمل عنوان "دجانيا" وهو اسم كيبوتس يصوّر الحياة الجميلة هناك (كما يزعمون). ولا ننسى درس "استقلالهم" مع صورة العلم الإسرائيلي الذي هدفه إثارة المشاعر لتحقيق انتماء للدّولة، وبذلك يوفّرون على أنفسهم عناء تلفيق تبريرات لاحقة عن أساس قيامها.
كلّ هذه الأمور توصل حتمًا إلى إلغاء الهويّة والموروث، وتصبّ في مكبّ تريده إسرائيل لنا كعرب، لن نخرج منه إلّا إذا حافظنا على لغتنا العربيّة وحصّنّا أنفسنا بها ورسّخنا قيمها في عقول أطفالنا منذ الرّضعة الأولى.
ومن المهم ذكره، أنّني لا أقول أنّه يجب علينا ألّا نتعلّم اللغة العبريّة، على العكس تمامًا؛ كي تحاور المحتلّ عليك ان تتقن لغته، لكنّها باتت تشكّل خطرًا على الأطفال فكرًا ومضمونًا.

الناصرة

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة