الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 08:01

فلسطين ما بعد الانضمام لاتفاقية الأمم المتحدة/ فادي أبو بكر

كل العرب
نُشر: 22/09/15 09:58,  حُتلن: 08:12

فادي أبو بكر في مقاله:

قانون مكافحة الفساد الفلسطيني المعدل لعام 2010 المنشور في العدد السابع والثمانون من مجلة الوقائع الفلسطينية بتاريخ 26.06.2010 فقد نأى بنفسه عن وضع تعريف محدد للفساد

احتلت مفاهيم النزاهة والشفافية والمساءلة ومحاربة الفساد اهتمام العالم منذ فترة ليست بالبعيدة، ويعود الفضل إلى منظمة الشفافية الدولية التي تأسست في عام 1993 بألمانيا كمؤسسة غير ربحية، وفي العام 1995 أصبحت منظمة عالمية غير حكومية تصدر مؤشر فساد سنوي، وتنشر أيضاً تقرير فساد عالمي، بحيث يمكن اعتبارها الجهاز الذي يقيس نسبة الفساد في العالم . لعبت المنظمة أيضاً دور أساسي في تقديم ميثاق الأمم المتحدة ضد الفساد، حيث اعتمدت اتفاقية مكافحة الفساد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 31 أكتوبر 2003 من قبل قرار 58/4.

تعددت واختلفت التعريفات المتعلقة بمفهوم الفساد، ولهذا يمكن الاستناد إلى التعريف الذي حددته منظمة الشفافية الدولية لما تقوم عليه من توافق وإجماع دولي، حيث عرفت الفساد بأنه "كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة".

فلسطينياً فقد جاء في تقرير المجلس التشريعي الفلسطيني حول ملف الفساد للعام 1997 تعريف للفساد بأنه "خروج عن أحكام القانون أو الأنظمة الصادرة بموجبه، أو مخالفة السياسات العام بهدف جني مكاسب له، أو لآخرين ذوي علاقة، أو استغلال غياب القانون بشكل واع للـحصول على هذه المنافع". أما قانون مكافحة الفساد الفلسطيني المعدل لعام 2010 المنشور في العدد السابع والثمانون من مجلة الوقائع الفلسطينية بتاريخ 26.06.2010 فقد نأى بنفسه عن وضع تعريف محدد للفساد، وإنما تناول في المادة (2) الأفعال التي تشكل فسادا لغايات تطبيق أحكامه وهي على النحو التالي:
1. الـجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة والـجرائم المخلة بالثقة العامة المنصوص عليها في قوانين العقوبات السارية.
2. الـجرائم الناتجة عن غسل الأموال المنصوص عليها في قانون غسل الأموال.
3. كل فعل يؤدي إلى المساس بالأموال العامة.
4. إساءة استعمال السلطة خلافاً للقانون.
5. قبول الواسطة والمحسوبية التي تلغي حقا تحق باطلاً.
6. الكسب غير المشروع.
7. جميع الأفعال الواردة في الاتفاقات العربية والدولية لمكافحة الفساد التي صادقت عليها أو انضمت إليها السلطة الوطنية.
بما أن السلطة الفلسطينية كانت قد أودعت طلباً لهيئة الأمم المتحدة بتاريخ 02.04.2014، للانضمام إلى اتفاقية مكافحة الفساد، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بعد شهر من تاريخ تقديم الطلب، فإن ذلك يترتب عليه التزامات على السلطة الفلسطينية تتمثل بمواءمة كافة التشريعات ذات العلاقة مع متطلبات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد مثل العقوبات وقوانين الشراء العام والموازنات وقانون الخدمة المدنية وغيرها، فكيف تعاملت السلطة الفلسطينية مع موضوعة مكافحة الفساد ما بعد الانضمام إلى هذه الاتفاقية؟ وهل تغير الوضع فعلياً؟.
أقرت هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ( 2015-2018)، وتقوم الاستراتيجية على حقيقة أن الاحتلال الإسرائيلي هو المصدر الأول والرئيسي للفساد .

تتناول الاستراتيجية أربعة محاور:
المحور الأول: منع وقوع الفساد والوقاية منه
يقوم المحور الأول على تعزيز وتطوير التدابير اللازمة للوقاية من جرائم الفساد وتحديث آليات ووسائل مكافحتها، وتطوير البيئة التشريعية الناظمة للعمل الحكومي وكافة الجهات الخاضعة لأحكام قانون مكافحة الفساد بما يقلل من إمكانية حدوث الفساد، إلى جانب تفعيل وتعزيز دور ديوان الرقابة المالية والإدارية.

المحور الثاني: إنفاذ القانون والملاحقة القضائية
يهدف إلى مراجعة وتطوير التشريعات التي تضمن ملاحقة مرتكبي جرائم الفساد ومعاقبتهم، مع ضمان حقهم في الدفاع، وتسريع إجراءات معالجة الشكاوى و البالغات المقدمة لهيئة مكافحة الفساد وإجراءات التقاضي في مرحلتي الاستئناف والنقض، و إعمال مبد أ (من أين لك هذا)، إضافة إلى تعزيز قدرات مؤسسات إنفاذ القانون في مجال مكافحة الفساد.

المحور الثالث: رفع مستوى الوعي والتثقيف والتدريب والمشاركة المجتمعية
الغاية من ذلك هو خلق بيئة مجتمعية مسانده ومشاركة في جهود مكافحة الفساد ومعززة لقيم النزاهة والشفافية والمحاسبة والمساءلة، ومناهضة إلي ثقافة متسامحة مع الفساد.

المحور الرابع: التعاون الدولي
وتحدثت فيه عن مدى فعالية التعاون الدولي في مكافحة الفساد، حيث أشارت إن دولة فلسطين تمكنت من استرجاع أموال سلبت بغير حق فاقت السبعون دولار أمريكي مليون خلال فترة تنفيذ الاستراتيجية السابقة، وأعادت أحد الفارين من وجه العدالة، والغاية من من التعاون الدولي إقامة علاقات تعاون دولي ثنائية ومتعددة الأطراف ومع المنظمات الدولية لتعزيز جهود مكافحة الفساد.

أما مؤسسة أمان (الائتلاف من أجل النزاهة والمسائلة) فقد أصدرت مقياس النزاهة الفلسطيني للعام 2014، وتأتي أهمية الإصدارات التي تنتج عنها كونها مؤسسة مجتمع مدني معتمدة منذ بداية عام 2006، لتصبح فلسطين الدولة الثالثة عربيا المعتمدة لدى منظمة الشفافية الدولية بعد لبنان والمغرب. وأشارت نتائج المقياس إلى وجود ثغرات عدة أبرزها :
• التشريعات الفلسطينية ما زالت قاصرة في تحصين نظام النزاهة الوطني في فلسطين. مما يوجب استكمال منظومة التشريعات المتعلقة بتعزيز نظام النزاهة ومكافحة الفساد .
• ضعف دور المؤسسات الرقابية بسبب تعطل عمل المجلس التشريعي نتيجة الانقسام مما حد من الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية.
• تشير نتائج المقياس إلى أن ثقافة منع المعلومات ما زالت موجودة في المؤسسة الرسمية بشكل عام مما يتطلب العمل بالسرعة الممكنة لإصدار قانون الحق في الحصول على المعلومات لتحديد واجبات المسئولين والموظفين العاملين في تقديم المعلومات.
• أظهرت نتائج الدراسة عدم إصدار قانون المنافسة ومنع الاحتكارات أو قانون منح الامتياز للقطاعات التي تخلت أو تشارك السلطة في بعضها مما يؤثر على حقوق المواطنين والحكومة .
• ما زالت وسائل الإعلام تمارس قيوداً ذاتية على نشر قضايا الفساد وخاصة التحقيقات الصحفية المتعلقة بملفات الفساد.
• أشارت إلى ضعف في "التدابير والإجراءات" المتعلقة بشفافية تعيين كبار الموظفين "الفئة الخاصة والعليا"، وغياب الرقابة على نزاهة التعيينات، وغياب إجراءات لتنظيم عمل الوزراء والنواب ومأموري الضرائب والجمارك للعمل في القطاع الخاص، وعدم تدقيق إقرارات الذمة المالية سواء المودعة في هيئة مكافحة الفساد أو الجهات الأخرى، وعدم اعتماد النظام المالي والإداري للمؤسسات العامة الحكومية غير الوزارية، وغياب إجراءات تضبط عرض الهدايا والضيافة على الموظفين العموميين.

بعد قراءة معمقة للتقارير التالية يمكن الخروج بجملة من الاستنتاجات:-
• وفقاً لنتائج مقياس النزاهة الفلسطيني لعام 2014، فإن المحاور الثلاثة الأولى التي تقوم عليها الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد تعاني من ثغرات ومشاكل جمة، فالمحور الثالث على سبيل المثال والذي يتعلق برفع مستوى الوعي والتثقيف والتدريب والمشاركة المجتمعية، يتناقض مع الواقع الذي يعيشه الإعلام في فلسطين، فما زالت وسائل الإعلام تمارس قيوداً ذاتية على نشر قضايا الفساد وخاصة التحقيقات الصحفية المتعلقة بملفات الفساد.
• تقوم هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية بعمل جيد فيما يتعلق في التعاون الدولي عززت من جهودها في مكافحة الفساد ولو جزئياً، الأمر الذي يعطي مؤشر على مدى أهمية الانضمام إلى اتفاقية مكافحة الفساد في الأمم المتحدة، حيث أعطت نتائج ممتازة وفقاً لما نشرته هيئة مكافحة الفساد من استراداد أموال فاقت قيمتها سبعون مليون دولار أمريكي .
• تبقى المشكلة الحقيقة في محاربة الفساد من الداخل، فتحميل إسرائيل مسؤولية الفساد لن يحل المشكلة، وإن كان المقصود من وراء ذاك التصريح إيصال رسالة إلى الأمم المتحدة لتنفيذ التزاماتها من الاتفاقية التي وقعتها معها السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بمكافحة الفساد .فإن كانت إسرائيل هي المصدر الأول و الرئيسي للفساد، فإن التعاون الدولي لم يكن ليتم، وبالتالي فإن جعل إسرائيل الشماعة التي نعلق عليها الأخطاء لا يغني ولا يسمن من جوع.
• غياب الرقابة الحقيقية على المؤسسات الرسمية الفلسطينية، فالانقسام الفلسطيني ساهم في نشر الفساد، وغياب المجلس التشريعي لا يمكن أن يحل محله هيئة مكافحة الفساد، فهي لن تقوى وحدها على تولي مهمة الرقابة والتفتيش بإمكانيات محدودة سواء من ناحية الكادر البشري أو المصادر المادية الأخرى.
على ضوء هذه النتائج فإن التوصيات المنطقية ستكون كالآتي:-
• العمل على إنهاء الانقسام الفلسطيني بأسرع وقت ممكن وتحت أي ثمن، وتفعيل المجلس التشريعي الفلسطيني لأن الأصل هو تعدد السلطات، واستمرار غياب المجلس وبقاء سلطة مطلقة لن يودي إلا إلى فساد مطلق.
• إشراك المجتمع المدني للأطراف الرسمية في تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
• التكثيف من عقد دورات وورشات مختصة بنشر ثقافة مكافحة الفساد وسط مختلف فئات المجتمع من موظفين عموميين، مواطنين عاديين أو حتى الطلبة الجامعيين، وذلك لبناء ثقافة مجتمعية تحارب الشر المتمثل بالفساد.
• زيادة حجم التنظيم والتقييد والرقابة في ظل غياب مجلس تشريعي و المصالحة الوطنية.
• إقرار قانون الحق في الحصول على المعلومات، وذلك في سبيل تسهيل محاربة كافة أشكال الفساد، إلى جانب تعزيز ثقة الشارع الفلسطيني بالمؤسسة الرسمية الفلسطينية وتكريس مبادئ النزاهة والشفافية في عمل مؤسسات السلطة الفلسطينية.
• إدخال مفهوم مكافحة الفساد في مناهج التدريس في الجامعات الفلسطينية لتقوية الجهود الرامية لمكافحة الفساد في فلسطين.
• تعزيز دور الإعلام الرسمي فيما يتعلق بنشر ثقافة مكافحة الفساد.
إن مكافحة الفساد وتكريس مبادئ النزاهة والشفافية لهي مسؤولية وطنية تقع على عاتق الجميع ( المؤسسة الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني وكل ومواطن فلسطيني)، لأن مقياس النزاهة هو مقياس للوعي المجتمعي، وإن تعزيز مفاهيم النزاهة والشفافية هو تعزيز للوعي الوطني . والشعب الفلسطيني بحاجة إلى زيادة الوعي لأن ذلك يشكل نصف المواجهة مع الاحتلال.

المراجع:
• “Transparency international in the beginning ,” transparency international , https://www.transparency.org/whoweare/history
• “what is corruption ,” transparency international , https://www.transparency.org/what-is-corruption#define
• مصلح،عبير. النزاهة والشفافية والمساءلة في مواجهة الفساد.رام الله : الائتلاف من اجل النزاهة والمساءلة – أمان، 2010 .
• الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد (2015-2018) صادرة عن هيئة مكافحة الفساد.
• تقرير مقياس النزاهة الفلسطيني 2014 الصادر عن مؤسسة أمان (الائتلاف من أجل النزاهة والمسائلة ) / آذار2015.
 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 


مقالات متعلقة

.