إياد سعيد إغبارية في مقاله:
المصريون كانوا يكتفون بالجزية ولا يتعرضون للسكان ولا لعاداتهم وتقاليدهم ولم يتوانَ المصريون من مد يد العون للكنعانيين ونجحوا في صد غارات العبرانيين
في الآونة الاخيرة من اهتمامي بالتاريخ البشري للمنطقة اقطع باليقين حسبما يرجح اكثر المؤرخون ان تاريخ قيام المدينة المقدسة يرجع الى حوالي ستة الاف عام كما اكدت على ذلك الحفريات التي قامت عليها المدرستان الفرنسية والبريطانية
اقتربت في المقالات السابقة بالرواية الفلسطينية لتعريف اولي مختصر لتاريخ فلسطين القديم وبحسب اجتماع المؤرخين على اثر الاكتشافات الحديثة بان الشعب الذي سكن هذه البلاد هم " الكنعانيون" وبان اولاد عمومتنا بما يملكون من المقومات الثقافية من ضمنها اللغة وكتابهم المقدس مقتبس من الحضارة الكنعانية والآرامية وهي من اصل عربي.
والاسماء التاريخية الواردة في التوراة سواء كانت اسماء شخصيات او اسماء اماكن هي من اصل كنعاني عربي ترجع الى ما قبل ظهور اللغة العبرية بأكثر من ألفي سنة، وتوقفت في النهاية عند بوابة السماء والقدس الشريف وباسمه الكنعاني " يبوس " نسبة لليبوسين، وعزمت في داخلي ان اكتب الحديث الرابع عن اقامة الدولة اليهودية الحديثة، لكن سخونة الاجواء ورائحة الدم التي تسفك من كلا الشعبين في هذه الديار، والاصوات العالية التي تتزايد يوماً اثر يوم على الحق التاريخي بهذه الارض، هو ما دفعني للانحياز لكتابة الحق من منظور تاريخي لهذه الديار.
والكتابة عن القدس الشريف وتاريخه بما فيه من المسجد الاقصى المبارك ومسجد الصخرة ذو الاضلاع الثمانية وذو القبة الذهبية، نعم الكتابة تطول وتطول وهي بوسع المجلدات الضخمة ، فلا غرو من ذلك فهي مهد الديانات الثلاث بوابة الارض الى السماء وارض المحشر والمنشر.
وعليه سأجتهد أن اقدم للقارئ المحب الى تاريخه موجز بسيط كي أعطي الصورة جمالها في اتمام الحديث عن روايتنا الفلسطينية. لنضيء لإنسانيتنا نبراساً نهتدي عليه بان نحترم خصوصية غيرنا كما فعل الخليفه صاحب العدل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وارضاه.
عندما فتح القدس عام 636 م ، بعد ان اتم كتابة العهدة العمرية قال لكبير اساقفة النصارى، ارني موقعًا ابني فيه مسجداً فقال: "على الصخرة التي كلم الله عليها يعقوب فوجد عليها ردماً كثيراً فشرع في ازالته وتناوله بيده ووضعه في ثوبه واقتدى به المسلمون كافة حتى ازالوه وامر ببناء المسجد وجعل الصخرة في مؤخرته".
وفي ضوء الحفريات الحديثة التي جرت في الجهة الجنوبية للمسجد الاقصى كشف النقاب، عن دار الامارة الاموية في بيت المقدس من خلال البقايا المعمارية لخمسة مبان ضخمة عبارة عن قصور وقاعات كبيرة، دلت واكدت تاريخ الأمويين العريق.
غيرت هذه الاكتشافات الجديدة نظريات واراء عديدة في ما يخص تاريخ بعض المعالم الاثرية مثل الاثر الذي يعرف باسم اسطبل سليمان وباب الرحمة وغيرها فقد علق في العديد من الباحثين والمختصين على ان تاريخ تلك المعالم يعود لفترات سبقت الفتح الاسلامي لبيت المقدس وما ان ظهرت هذه المكتشفات الجديدة حتى غيرت هذه الاراء والمفاهيم فاسطبل سليمان يعود الى حقبة سليمان بن عبد الملك وليس الى النبي سليمان وعلى الرغم من ان الكتب التي ذكرت هذه الاكتشافات لم تذكر وصف المسجد الاقصى في الفترة الاموية الا انها اجمعت على ان الخليفة الاموي هو الذي بنى المسجد او ابنه الوليد.
وكانت مساحة المسجد الاقصى المبارك في العهد الأموي اكبر بكثير مما هي عليه الان وظل المسجد قائما حتى سنة 746 م حيث تهدم من جانبيه الغربي والشرقي من هزة ارضية.
ومن تاريخ مسجد الاقصى المبارك، هو ثاني بيت وضع للناس لعبادة الله تعالى بعد اربعين عاما من بناء البيت الاول المسجد الحرام في مكة، كما نص على ذلك الحديث الشريف:"عن ابي ذر الغفاري رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله اي مسجد وضع في الارض اول ؟قال : المسجد الحرام، قلت ثم اي؟قال : المسجد الاقصى ، قلت كم كان بينهما ؟ قال :اربعون سنة،ثم اينما ادركتك الصلاة بعد فضله بان الفضل فيه." (صحيح البخاري).
ويرجح ان يكون البناء الاول للمسجد الاقصى قد اقتصر على وضع حدوده وتحديد مساحته التي تتراوح بين 142-144 دونم وتشمل مساحة المسجد كل ما تحت الارض الى سبع ارضين وما فوقها الى سبع سماوات، وحدود المسجد الاقصى المبارك التي يدل عليها السور الاني الذي يحيط به لم يطرا عليه بالغالب اي تغيير منذ وضعت لاول مرة وحتى يومنا هذا.
بالرغم لتعرضه للهدم والتدمير عدة مرات لعوامل شتى، تماما كما تعرض المسجد الحرام في مكة لمثل ذلك، فقد بقيت قواعد البيت الحرام وقد بقيت قواعد اساسات سور بيت المقدس الشريف يجددها المجددون على مر العصور، واما القدس المدينة كانت وما زالت بمكانة عظيمة في التاريخ الانساني وتميزت بخصوصية الزمان والمكان فهي من ناحية الزمان ضاربة جذورها منذ الحضارة الكنعانية واما خصوصية الموقع فهي ملتقى الاتصال بين قارات العالم القديم ومهد للديانات، وتعاقبت عليها الحضارات والجماعات البشرية مخلفة وراءها اثارها ومخطوطاتها دلالة على عظمتها وقدسيتها ولا بد ان يكون لمثل هذه الظاهرة مبررات هي سر خلودها واستمرارها الاف السنين .رغم ما حل بها من نكبات ادت الى هدمها وتم اعادة بناءها ثماني عشرة مرة على امتداد التاريخ الانساني ، سواء كان ذلك من عوامل الطبيعة او من مغتصبيها. فمنذ ان قامت القدس الاولى الكنعانية قبل نحو ستة الاف سنة وهي محط انظار الامم منذ الحضارات الاولى في فلسطين.
كحضارات، الكنعانيون والفرس واليونان والرومان والفراعنة ومرورا بالحضارة الاسلامية. وفي الآونة الاخيرة من اهتمامي بالتاريخ البشري للمنطقة اقطع باليقين حسبما يرجح اكثر المؤرخون ان تاريخ قيام المدينة المقدسة يرجع الى حوالي ستة الاف عام ، كما اكدت على ذلك الحفريات التي قامت عليها المدرستان الفرنسية والبريطانية برئاسة الاب (ديغو)وبمشاركة ايضا من جامعة تورنتو في كندا سنة 1962م ، حيث اعتبرت هذه البعثة ان ما تم التوصل اليه خلال موسم الحفريات من نتائج لتاريخ مدينة القدس الشريف وفقا لما ورد في التوراة، تقصر تاريخ القدس بنحو ثلاثة الاف عام.
اليبوسيون بناة القدس الاوليون:
اليبوسيون هم بطن من بطون العرب الاوائل ، نشأوا في قلب الجزيرة العربية ، ثم نزحوا عنها مع من نزح من القبائل الكنعانية التي ينتمون اليها وهم اول من سكن القدس واول من بنى فيها لبنة.
ومن ذلك اجد لزاما لنفسي تقديم نبذة عن الكنعانيين اكمالا للصورة :
الكنعانيون:
يجمع المؤرخون على انهم قدموا الى هذه الديار قبل ان تكون مهدا للديانات الثلاثة من الجزيرة العربية جماعات منفصلة حطت في اماكن مختلفة من ارض فلسطين والاسم الاول الذي سبق اسم فلسطين كان ارض كنعان، سكن بعضهم الجبال بينما سكن البعض الاخر السهول والاودية ، وكانوا في بداية الامر متفرقين في انحاء مختلفة ويظهر ذلك في المدن التي انشأوها ومنها يبوس (القدس) وشكيم (نابلس اليوم) ومجيدو وتعنك وغزة . هذه المدن المختلفة قائمة ومتنافرة وعاشت كل مدينة مستقلة عن الاخرى ، ولكن ما لبثوا ان اتحدوا بحكم الطبيعة وغريزة الدفاع عن النفس فكونوا قوة كبيرة واستطاعوا ان يغزوا البلاد المجاورة.
كان لليبوس في ذلك العهد اهمية كبيرة لوقوعها على طرق التجارة كما كان لها اهمية حربية لطبيعتها الجغرافية كونها تقع على اربع تلال ومحاطة بسورين ، وحفر اليبوسيون تحت الارض نفقا يمكنهم من الوصول الى عين ام الدرج . وعندما خرج بنو اسرائيل من مصر ونظروا ارض كنعان وشاهدوا ما فيها من خيرات ، راحوا يغيرون عليها بقصد احتلالها قائلين انها الارض التي وعدهم الله بها ومن ذلك ايقن الكنعانيون الخطر القادم فطلبوا العون من مصر ذلك ان بني اسرائيل كانوا كلما احتلوا مدينة اعملوا السيف فيها حتى دمارها.
اما المصريون فكانوا يكتفون بالجزية ولا يتعرضون للسكان ولا لعاداتهم وتقاليدهم ،ولم يتوانى المصريون من مد يد العون للكنعانيين ونجحوا في صد غارات العبرانيين.
ويقال ايضا ان من بين اللوحات المسمارية في هيكل الكرنك بصعيد مصر، لوحة يستدل منها ( ان عبد حيبة)احد حكام السلطة في يبوس اورسليم (القدس) ارسل رسالة الى فرعون مصر تحتمس الاول رسالة طلب اليه ان يحميه من شر قوم دعاهم في رسالته الخيبري، والقدس الشريف والاقصى المبارك ومسجد الصخرة لهما مكانة مميزة ورفيعة في قلوب المسلمين ويسكنان الافئدة والجوارح ، ووصف القران الكريم بيت المقدس بصفات البركة والقدسية في ايات متعددة منها قال سبحانه :"سبحان الذي اسرى بعيده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من اياتنا انه هو السميع البصير". اليه تشد الرحال وتتضاعف الصلوات.
المركز الجماهيري - أم الفحم
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net