فيصل طه في مقاله:
يُعتبر الاستغناء عن العقل والتفكير المنطقي لعنة تعيدنا إلى البدايات والبدائيات وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا وهكذا وبسهولة متناهية نرمي بإنسانيتنا الراقية والمتطورة إلى مرامي الجهل والتخلف
كيف للمسلم الحق أن يلهث وراء سراب دولة الإسلام والخلافة البغدادية المتحققة بأيدي أعداء الإسلام والإنسانية بدواعش القتل والذبح والسبي وتدمير الحضارات المبعوثين ليس من الله كما يدَّعون زورا وبهتانا
لم يكن سهلا حدوث واستمرار تطور الإنسان بيولوجيا وثقافيا وفكريا واجتماعيا خلال آلاف السنين رغم مجمل الصعاب والمُعيقات المتنوعة والكأداء، إلا أن محصلة هذه الصراعات دوما كانت وما زالت نحو الأمام والى الارتقاء، وقد رافق هذا التطور الشامل تحديات وصعوبات قاسية هددت استمرار الحياة على هذه المعمورة التي عمّرها الإنسان منذ ظهوره وتكوّنه حتى يومنا الآني هذا، فإذا كان من المُضني إحداث التطور فمن السهل إيقافه وتدهوره إلى الخلف والى الحضيض، وذلك من خلال استلاب العقل وتغييبه وإحلال الغرائز البدائية والعفوية في الأفعال وردودها، ولتصبح المسافة بين الفعل وردة الفعل مساوية أو قريبة من قيمة الصفر.
إن الردود العفوية الغرائزية السريعة هي لأزمة الكائنات الدنيا، وقد ساهمت في بقاء دونيتها الحيٌة ليس أكثر، بينما أصحاب الأدمغة المتطورة، كالبشر مثلا، فإنهم يملكون قدرات ومنظومات عقلية وآليات تفكير منطقية قابلة للتطور والانطلاق مع امتداد الزمن لتساهم ليس فقط بدراسة رد الفعل إنما لتستفيد من التراكمات المعرفية المتعددة والمتنوعة وتحولها إلى طفرات نوعية ترتقي بالإنسان ثقافة وفكرًا وعملا وحضارة شاملة إلى مجالات وآفاق واسعة أكثر تطورا وحداثة، وبهذا ينتقل الإنسان بحياته ومعيشته من حالة إلى حالة أرقى، هو صانعها.
ولهذا يُعتبر الاستغناء عن العقل والتفكير المنطقي لعنة تعيدنا إلى البدايات والبدائيات وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا، وهكذا وبسهولة متناهية نرمي بإنسانيتنا الراقية والمتطورة إلى مرامي الجهل والتخلف ونتخذ من غرائزنا وسلوكنا البدائي مسلكا يكفينا بالكاد لإتمام نشاطاتنا الأولية كعملية التنفس، كدلالة تشير فقط إلى أصلنا الحي، وليس أكثر.
وبهذا التقهقر اللامتناهي نحو الأُصول البدائية يستعصى علينا، بل يستحيل فهم وإدراك المتغيرات ابعد من حدود غرائزنا الأولية.
وبهذا يصبح المحرّك الأساس لسلوكنا ومواقفنا هو الحقد والكره والقتل والانتماءات الضيّقة القديمة منها والحديثة والمصلحة الذاتية والتبعية المادية والغيبية وغيرها من الأمور التي لا تُمعن العقل في الفحص والتحليل والنقد بل نٌقاد ونساق كالقطيع.
كيف للمسلم الحق أن يلهث وراء سراب دولة الإسلام والخلافة البغدادية المتحققة بأيدي أعداء الإسلام والإنسانية، بدواعش القتل والذبح والسبي وتدمير الحضارات المبعوثين ليس من الله كما يدَّعون زورا وبهتانا، بل من أمريكا وحلفائها في المنطقة والعالم .؟!!.. حتى كيف لنا أن نستعيد في مخيلتنا كابوس دولة الخلافة العثمانية التي انتفض العرب عامة من قسوة ظلمها وان نقوم بتبييض صفحتها الاردوغانية السوداء ربيبة الناتو، واعتبارها الخلاص المُبتغى، أهكذا.. بخطبة هوجاء تدار الأمور، ونساق بحماسة عمياء للارتماء في حضن الأعداء.
كيف يمكن لمن يدعي القومية العربية أن يؤيد تدمير الوطن العربي بحجج واهية تقذفه بدراية أو عدمها إلى أرحامٍ سعودية قطرية رجعية.
كيف ليساري أن يتعاطف مع الجشع الرأسمالي الاستعماري الامبريالي في نهب ثروات شعوب العالم وإفقارها وإذلالها ودَوْس حريتها واستقلالها وسلب حق تقرير مصيرها ليقعى هذا التقدمي اليساري القومجي في ساحة نقيضه المُتخيل؟..
إن الغوغائية والتهييج هو لعب بأحاسيس الناس الصادقة وإشعال عاطفي جياش يحشد الجموع الهائجة لفعل عفوي غير مدروس يعود بالضرر على قضيتنا العادلة وعلى بقاء شعبنا العربي الفلسطيني في وطنه موفور الكرامة عزيزا.
العاطفية والضجيج الأجوف يدفع طاقاتنا الصادقة إلى التبذير والهباء، القيادة غير المسئولة هي القيادة التي تتخذ الخطاب الصاخب الحماسي التثويري الأجوف أسلوبا نضاليا كيفما شاء، وتذهب هي بعد ذلك لمزاولة شأنها العادي برويّة وهدوء، وكأن شيئا لم يكن، لتعود زاعقة حين يستدعي الأمر بلاءا صارخا جديدا، وما بدلوا تبديلا.
نضالنا لا يعتمد على الحماسة الهوجاء ولا على التهييج، كل الحركات الوطنية التي انتصرت أو حققت انجازات وطنية اعتمدت التخطيط والدراسة واختارت أسلوب النضال الذي يعود عليها بالنفع والتقدم مع اقل ما يمكن من خسائر، الكثير من الحكمة وقليل من التهور. النضال يحتاج إلى قيادة مسئولة تدرس خطواتها الكفاحية بدقة لحفظ ما تم انجازه ولتحقيق المزيد من الانجازات بنجاعة والى ترشيد واعٍ بعيد عن المزايدات القومية والدينية وغيرها.
نضالنا ليس عبثيا حتى يقاس منسوبه بالردود العفوية والعشوائية التي خبرها شعبنا عشرات السنين وما زال..
الناصرة
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net