ليسمح لي ضجيج صمتك ان أبوح بأن خفقات حبرنا هي من روح ما خطته يداك
حينما كنا أطفالا يضمنا المخيم طريين كطينه وأعواد اشجاره الخضراء
لذا لم نكبر من فراغ، نمونا في ظلالك
وفي لوعة غيابك، غيابك القاسي
ونحن في نشوة أحلامنا نتوق الى دالية "ام سعد" ان تتعربش على سقوف مخيماتنا، والى البنادق التي طالما هاجرنا النوم ونحن نفكر كيف تفكيكها واعادة تركيبها
يومها، لم يكن خيالنا يصل الى انهم يستطيعون النيل منا باغتيالك
فأرخت الوطأة مثقالها، وكنا صغارا نتهجاك كيفما ادرت قلمك، فكيف نتهجى استشهادك*؟
يا سيد الياسمين، الوقت كان من نهوضنا، فكيف تغفو؟
أكان على جدلية الحياة والموت ان تأتي بالمعجزة وتمسك بطرفي الحياة
كي تذهب عميقا في صرحنا العالي ، الى سماوات كينونتنا المشردة
شريدون في حياتنا وشريدون في مماتنا
نتوزع قهرا ونكسب اكثر من هواء، نخسر عمرا ولا ننهزم
نحاول المكان، خط استواء لحياتنا الآتية، فوق طبقات الرماد من جمر سنوات قهرنا وتيهنا
نرسل دماءنا مدادا لارتعاشات التراب وأوصال البلاد حيث الهتاف دونك انحراف النخيل، او صهيل في الفرار
اقمنا المتاريس اعراسا للاشتباك
امتلأنا بحبك حتى سال الورد من ملء اعمارنا الذاهبة الى اشارات بوصلتك
*****
في روايتك "عائد الى حيفا" نعود، لنبحث عما خلفناه في كمية رعبنا ونحن نلوذ من أنياب الحديد
نكتشف عارنا تمثل في "ديفد" الذي كان "خلدون"
فتصوغ اشكالية القضية من جذورها ، منذ آدم على الارض وقبل نشوء ممالك الاديان
وتنتهي الى ان الانسان يظل قضية القضايا ، والقضايا الاخرى تتأسس على قضية الانسان
*****
ضائعون فتدلنا، نائمون فتوقظنا
يا اولنا خرجنا نبحث عن ظلك في كل الامكنة التي وطئتها والمساحات التي لونتها، عن بحثك بحثنا وغير وجوهنا لم نر، مغبرون ، مشردون، نمسح عن الخيمة وحل الطرقات والغبار عن الروح
نتهجى التفاحة رسما لم تمسكه يدانا ولم تذقه نفوسنا
كانت التفاحة حلما وكل شئ مر
يا حلمنا ايها الاول
يا خالق جلدنا ، ديباجة المشقة
وكنا نرتعش
فتحنا عيوننا، وكنت تهز نومنا
الى الاشياء، الى الاشياء
حتى اهتدينا الى الاغاني
زهر الحنّون ازهر في دفاترنا حينما لامسته يداك، وقمر المقابر من فتحات الاشجار لم يكن غير قمر الطريق الطويل والشاق
حينما الصبي الى القلعة متأبطا "مارتينته" وما زال حارسا الخيمة ، يذود عن الفكرة التي لا تبتعد عن معاني الحرية والتي تطاولت على حجم الكون
فكرة مثل نرجسة التمني منك شذاها ، بملء نزيفك ، يا مطر مواسمنا
اذا هطلت ، كم حاكورة تخْضّر امتدادا الى دفاترنا والى منديل "ام سعد" حيث يلوح عن هوى الروح، ويمنحنا صلابة في زمن الاشتباك
ونخاف
كي نشعر كم ارتقى الانسان في دواخلنا
*****
النص الآخر نحو فلسطينك ، آنذاك، كان خارجا عن تاريخ الانكسار وجغرافيا التسييج
كان يسبح على عكس تيار الهوان العربي
تأسيسا لواقع يبدو اشبه بمستحيل
ولكن أبطالك كانوا يمرون كالهواء الى العقل
يسكنون الوهج والنجوم حتى يتجسدوا في كل قابض على الجمر
هو انتشارنا الذي من فداحة الخيبة ، ياسمين البطولة وانكسار عوسج الخيام
تزرع فينا الامثولة
وكم من الآفاق عند اقدامنا ذويان الصعوبة والاسئلة العصية
كأننا من زمان المعجزة، نأتي على غير موعد الهزيمة ننفخ في الصحراء ريح الحياة
كم انفجار
النص الذي تشغله ينسكن بالتفجير
تفجير ان يكون لنا ما لكل الناس
حرية واحلام
*****
روايتنا لم تنته يا "غسان"
"ام سعد" ما زالت ترقب داليتها وتنتظر "سعد" العائد من الجبال
مازال "ديفد" يسكن دبابته ولا يمل من هرس جماجم الاطفال
والطفل يصعد ولا يمل الصعود الى القلعة
وخزان الحديد يطن في الصحراء
طرقناه
طرقناه
طرقناه يا "غسان"
حتى ذهب عنا الموت
*الروائي والمناضل الفلسطيني غسان كنفاني قضى يوم 8-7- 1972 في عملية اغتيال اسرائيلية وحشية في بيروت