تركيا- اسرائيل.. حسابات بميزان الذهب/ بقلم: سفيان أبو زايدة

كل العرب
نُشر: 01/01 10:40,  حُتلن: 10:41

سفيان أبو زايدة في مقاله:
تركيا بحاجة الى هذا الاتفاق للتلويح به في وجه روسيا بعد توتر العلاقات بين الطرفين على اسقاط الطائرة الحربية الروسية
اسرائيل لا تريد ان تحسن علاقاتها مع تركيا على حساب علاقاتها مع روسيا او بكلمات اخرى لا تريد ان تستفز روسيا سيما

لم يكن من باب الصدفة ان يعلن ومن خلال الصحفية المعروفة آيله حسون التي انتقلت للعمل في القناة العاشرة عن التوصل الى اتفاق مبدئي بين اسرائيل وتركيا. اتفاق ينص على اعادة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين بعد التوتر او القطيعة على اثر الاعتداء الاسرائيلي على سفينة مرمره وسقوط ضحايا اتراك.

الاتفاق ينص على تطبيع العلاقات بين تركيا واسرائيل وعودة السفراء ودفع تعويضات لذوي الضحايا الاتراك ومنع اي نشاط عسكري لحركة حماس، وخاصة فيما يتعلق باتهامات اسرائيل لصالح العاروري، واسقاط كافة الدعوات القضائية التركية ضد اسرائيل، وكذلك البدء بمفاوضات حول مد خط غاز اسرائيلي عبر تركيا علاوة على تزويد تركيا بالغاز. تركيا ايضا تطالب بفك الحصار عن غزة كأحد الشروط لتطبيع العلاقات.

سبق هذا الاعلان الاسرائيلي عن التوصل الى تفاهمات والتي لم ترقى بعد الى مستوى اتفاق شامل تصريحات معتدلة نسبيا للرئيس التركي اردوغان حيث قال قبل اسبوع " تطبيع العلاقات مع اسرائيل امر جيد للشرق الاوسط، نحن ننتظر تعويضات لضحايا مرمرة وفك الحصار عن غزة". لا شك ان هناك مصلحة للطرفين بالاسراع عن الاعلان عن تفاهمات على بعض القضايا قبل التوصل الى اتفاق نهائي.

مصلحة نتنياهو هي حاجته لاستخدام هذا الامر في دفاعه عن الاتفاق الذي وقعه مؤخرا حول امتيازات شركات التنقيب عن حقول الغاز والذي واجه انتقادات ومظاهرات ودعوات قضائية في محكمة العدل العليا الاسرائيلية. نتنياهو يريد ان يوحي ان هناك مصلحة اسرائيلية عليا في الاسراع بالتوقيع على هذا الاتفاق وبالتالي اعلان الاتفاق مع تركيا الان يخدم مصالحه، اضافة الى اعتبارات استراتيجية اخرى.

تركيا بحاجة اكثر الى الاعلان عن هذا الاتفاق رغم محاولة بعض المسؤولين الاتراك التقليل من شأن ذلك. تركيا بحاجة الى هذا الاتفاق للتلويح به في وجه روسيا بعد توتر العلاقات بين الطرفين على اسقاط الطائرة الحربية الروسية والتي على ضوئها تلوح روسيا بوقف تزويد الغاز لتركيا، سيما ان روسيا تغطي بين 30% الى 50% من احتياجات تركيا، وذلك بعد سلسلة العقوبات الاقتصادية الفورية التي اتخذتها روسيا بحق تركيا. هذا الاسراع في الاعلان كان على الرغم من ادراكهم ان الطريق ما زالت طويلة للتوصل الى اتفاق شامل وعودة العلاقات بين الطرفين الى ما كانت علية قبل مهاجمة السفينة مرمرة.

من الناحية الاقتصادية، حجم التبادل التجاري بين الطرفين يقدر بلميارات الدولارت. حتى العام 2008 وصل الى حوالي ثلاثة مليار دولار غير شامل للتبادل السياحي والعسكري. الى ان تراجعت العلاقات وصل حجم الصادرات التركية الى اسرائيل ما يزيد عن مليار ونصف المليار دولار اضافة الى نصف مليون سائح اسرائيلي سنويا الى المنتجعات التركية، هذا الى جانب 250 شركة اسرائيلية تعمل في تركيا، في حين وصل عدد الشركات التركية التي تعمل في اسرائيل الى 580 شركة.

على الصعيد العسكري كان هناك العديد من الاتفاقات التي وصلت قيمتها الى مليارات الدولارات حيث تزود اسرائيل تركيا بطائرات بدون طيار وتعمل على تطوير الدبابات التركية وصيانة الطائرات التركية المقاتلة وتعمل على تحديثها وتزويدها بالتكنلوجيا التي تزيد من قدراتها القتالية، اضافة الى تزويد الجيش التركي بالاجهزة الاكترونية المتطورة من خلال الصناعات العسكرية الاسرائيلية.

الطريق ما زالت طويلة من اجل التوصل الى اتفاق نهائي وتطبيع العلاقات بين الطرفين وكلاهما يحسب خطواته بميزان الذهب. اسرائيل وخلال السنوات الماضية ابرمت اتفاقات مع كل من قبرص واليونان سواء كان للتنقيب عن الغاز وتحديد الحدود البحرية ونقل الغاز الاسرائيلي عبر اراضيهم مما اثار حفيضة تركيا في ذلك الحين التي اعتبرت هذا اعتداء على حقوقها، لذلك لم يكن مصادفه ان يسارع رئيس الوزراء القبرصي بالاتصال مع نتنياهو لكي يستوضح عن صحة ما نشر من معلومات حول التفاهمات التركية الاسرائيلية. ليس من السهل وليس من مصلحة اسرائيل في نفس الوقت ان تلغي الاتفاقات بهذا الخصوص مع قبرص واليونان لصالح تركيا، عدا عن ذلك ليس من الحكمة ان يضعوا نفسهم في بطن (الحوت) اردوغان من خلال نقل الغاز الاسرائيلي عبر الاراضي التركية كما يطالب اردوغان.

الامر الاخر هو ان اسرائيل لا تريد ان تحسن علاقاتها مع تركيا على حساب علاقاتها مع روسيا، او بكلمات اخرى لا تريد ان تستفز روسيا سيما ان العامل الرئيسي الذي جعل تركيا تخفيض سقف مطالبها ودفعها للاتفاق مع اسرائيل هو مشكلتها مع روسيا. ليس من مصلحة اسرائيل استعداء روسيا، خاصة في هذا الوقت الذي تفرض روسيا حضورها في المنطقة، وبالتحديد في الملف السوري.

والامر الثالث هو فيما يتعلق بالمطلب التركي برفع الحصار عن غزة، وخاصة الحصار البحري. من الصعب الاعتقاد ان اسرائيل سترضخ للمطلب التركي في هذه المرحلة، سيما ان الاسرائيليين يدعون ان هذا المطلب لم يكن على الطاولة.

من الصعب الاعتقاد ايضا ان تركيا ستضحي بالاتفاق مع اسرائيل من اجل التمسك بمطلب فك الحصار عن غزة لان حاجة تركيا في هذه المرحلة اكبر بكثير من التمسك بهدا المطلب على اهميتة، ليس فقط لغزة واهلها، بل لتركيا وصورتها التي تريد ان تظهر بها كمدافعه عن الفلسطينيين، على الرغم ان هناك من ينتقد حصر المطلب التركي برفع الحصار عن غزة دون الحديث عن الحالة الفلسطينية بشكل عام وخاصة القدس وما يجري في الضفة في هذه الايام.

لكن ليس من المستبعد ان يحاول كل طرف توفير سلم للطرف الاخر للنزول عن الشجرة العالية التي صعد عليها. ليس من المستبعد ان يتم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة على سبيل المثال لبحث كيفية تخفيف الحصار عن غزة، والسماح لشركات ومؤسسات تركية للعمل في غزة على نطاق اوسع مما هو موجود الان.

هناك مصالح مشتركة بين تركيا واسرائيل ليس فقط على صعيد التعاون الاقتصادي والعسكري والسياحي بين البلدين، بل هناك تفاهمات ضمنية حتى قبل عودة العلاقات الى طبيعتها، خاصة في كل ما يتعلق بالملفين السوري والايراني.

ايران تعتبر العدو الاكبر لاسرائيل وتصنف على انها تشكل تهديد وجودي عليها، ويعتبر حزب الله ذراعها العسكري المرابط على الحدود الشمالية والتي اصبح يمتلك ترسانه كبيرة من الاسلحة الايرانية التي تغطي كل نقطة في اسرائيل.

ايران بالنسبة لتركيا هي عدو وتشكل تهديد على مصالحها، وهناك مواجهة بين الطرفين تدور رحاها في اكثر من ساحه، اهمها على الارضي السورية.

هناك تفاهم ضمني بين تركيا واسرائيل على الكثير من التطورات التي حدثت وما زالت على الحلبة السورية. مصلحة الطرفين ان تتفكك الدولة السورية، ومصلحة الطرفين، وان كانت اهدافهم مختلفة، ان يتم تدمير الجيش السوري وتقسيم سوريا الى دويلات صغيرة. هذا يخدم المصلحة الاسرائيلية الاسترتيجية سواء كان من خلال التخلص من دولة كبيرة مثل سوريا وجيشها او من خلال ازالة خطر مطالبتها بالانسحاب من الجولان السوري المحتل.

اما تركيا فإن اطماعها في سوريا واضحة وسلوكها خلال السنوات الاخيرة من فتح حدودها لكل من يرغب في استنزاف الدولة السورية كانت ومازالت مفتوحه على مصراعيها.

الجنرال المتقاعد جيورا ايلاند الذي شغل منصب رئيس مجلس الامن القومي في اسرائيل كتب مقال قبل اسبوعين ما تضمنه قد يعطي تفسيرا للاهداف الاستراتيجية التركية. يقول الجنرال ايلند: قبل عشر سنوات حين كانت العلاقات التركية الاسرائيلية في احسن حال جاء مسؤول تركي كبير في زيارة الى اسرائيل، وعندما التقيت به بحكم منصبي، ذهلت عندما تحدث لي عن الطموحات التركية في سوريا والعراق حيث قال ان تركيا لن تقبل في السابق تقسيم الحدود بعد الحرب العالمية الاولى وانتهاء عهد الامبراطورية العثمانية، لقد اجحفوا بحق تركيا، لذلك عاجلا ام اجلا تركيا ستعيد رسم الحدود الجنوبية من الموصل في العراق حتى حمص في سوريا، سيما ان هذا الشريط يقطنة غالبية من الاقلية التركمانية. الى هنا انتهى حديث الجنرال جيورا ايلند.

هذا كان قبل عشر سنوات، السياسة التركية خلال السنوات الاخيرة والتي تستغل جيدا ما يحدث في سوريا والعراق تسير تماما في هذا الاتجاه، وهذا بالتأكيد لن يزعج اسرائيل اذا كانت هي ايضا ستظفر بالجولان.

نقلًا عن معًا

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة