فجر جديد وصباح جديد وأمل جديد وحلم جديد، أشياء كثيرة ستغدو فيما بعد أشياء قديمة، ستصبح باهتة مثل التي سبقتها يوما ما، إن لم نحاول تغيير عقولنا، إن لم ننهض من ركام صمتنا، إن لم نكسر قيد خوفنا، أشياء ستظل مكررة في حياتنا، وسترتسم على وجوهنا نفس ملامح الخيبة التي تعودنا عليها، لأن هذا السنة كانت مثل التي قبلها وستصبح مثل التي بعدها، لأن الأمر طبيعي جدًا في قوانين الفعل و ردّ الفعل، حين تقوم بشيء معين ويعطيك نتيجة معينة فمن الجنون أن تظن أنه في المرة القادمة سيعطيك نتيجة مختلفة، إنه الأمر نفسه تعيد تكراره مرارا ومرارا على أمل أن تتغير النتيجة في الوقت الذي عليك أصلا أن تتغير أنت أولا، أن تغيرّ طريقة فعلك كي تحصل على نتيجة مختلفة، أن تتمرد على حدود عقلك وتمارس الجنون ولو مرة.
هذه السنة حاول أن تحصي كل ما حدث في السنة الماضية، حاول أن تفهم لماذا حدث ما حدث من دون أعذار واهية تخدرّ نفسك فيها، انظر الى المرآة اليوم وحاول أن تتذكر آخر مرة رأيت نفسك فيها على حقيقتها، أجمع كل أحزانك في سلة واحدة تماما كما تجمع ثيابك التي تريد غسلها في سلة واحدة، وخذّ القرار بأن أحزانك صارت تحتاج الى الغسيل كي تنتعش برائحة الاحزان الجديدة في السنة الجديدة، فقمة الخيبة أن تعيد ارتداء أحزانك القديمة ولكن بنكهة مقرفة، برائحة تفوح منها لا تتحملها خلايا أنف السنة الجديدة، أجلس مع نفسك ورتب أولوياتك هذه السنة على ورقة، وقلّ في نفسك ماذا تريد أن تفعل هذه السنة قبل أن تغادرها أو تغادرك .. فمن الجنون أن تكون الحياة كلها حولك مجنونة وأنت العاقل الوحيد فيها .. هل تستطيع بربك أن تصف الواقع الذي تعيش فيه .. إنه عالم مجنون بكل معنى الكلمة ولكنك الطالب النجيب الذي ما زال يحافظ على عقله ؟؟
هذه السنة جربّ أن تبحث عن هواية جديدة في حياتك، جربّ أن تفعل مالم تفعله في السنة الماضية، اكسبّ صديقا أو صديقة، غيرّ ألوان ثيابك، اقرأ كتابًا جديدًا، تعلمّ مهنة جديدة أو حرفة قديمة، غادر نطاق حياتك القديمة ولو مرة في حياتك، خذ اجازة من نفسك المتعبة ولو سنة في عمرك، تمرنّ على رياضة جديدة لم تجربها، وأهم ما تفعله هذه السنة إذا كنت تنوي أن تغيرّ حياتك، أن تغيرّ طريقة تفكيرك، أن تفكر خارج الصندوق، أن تقفز مرة واحدة خلف خطوط خوفك، وتتسلق ولو لمرة جدران فشلك، وتنظر الى نفسك من بعيد وتتأمل عقلك وتفكيرك وأفعالك وتصرفاتك، لا تترك فرصة للناس كي يعطوك حجمك، أو يقيموك أو يفسروك أو يشرحوك، أترك لنفسك الفرصة كي تعرف نفسك أنت، لا تترك للأخرين فرصة أن يبنوا لك جدران مضادة للاختراق كي تظل فيها طول عمرك سجينًا، كن أنت فقط ولا تكن نسخة مكررة عن الآخرين، لا تلبس ثياب غيرك فثيابك أولى بك، وحياتك أولى بك وأحلامك أولى بك وحتى أحزانك أولى بك .
انهض اليوم ولا تفكر كثيرا في الغد، ولا تغرق في الأمس، بل أنهض فقط من سرير أحلامك، وغيرّ طريقة تفكيرك، إن أفكارك هي أخطر سلاح تملكه في حياتك لأنه السلاح الوحيد الذي يملك عشرون فوهة ولا تعرف من أي فوهة ستنطلق الرصاصة القادمة، لأنك تمسكه في الظلام وما زلت غارقًا في العتمة، أنت تحتاج الى النور كي ترى مسار الرصاصة المقبلة، أنت تحتاج أن تفهم .. أن أفكارك تتحول الى رسالة يستقبلها عقلك، وعقلك مبرمج على توفير كل الظروف التي تليق بالفكرة، فإن كنت تفكر بأنك فاشل فعقلك سيوفر بساتين الفشل مع أناس فاشلين وقصص فاشلة وحياة فاشلة والعكس بالعكس، وحين تتحول الافكار الى رسالة، يقوم العقل بتحويل الرسالة الى افعال كي تتلاءم مع الرسالة، فتصير فاشلا من دون أن تنتبه، تتصرف مثل الفاشلين وتفعل كل ما يفعله الفاشلين، وبعد فترة يقوم العقل بتسجيل أفعالك على أنها عادة، فتصير أفعالك عادات لا تستطيع التخلص منها، وعاداتك هي التي ستحدد مصيرك في المستقبل، وهي التي ستجعلك الشخص الذي تراه اليوم في المرآة وربما لا تعرفه .
لا جديد في أي شيء إن لم يراه عقلك جديدًا، لا شيء سيتغير في حياتك طالما ما زلت قديمًا يفكر بنفس الطريقة ويتصرف بنفس الطريقة ويأكل وينام ويلبس بنفس الطريقة، فأين الجديد إذن إذا كنت أصلا أنت قديم، لا تجديد في أي شيء، لا عطر جديد ولا حب جديد ولا حلم جديد ولا مستقبل جديد، ستقول في نفسك ولكن هذه هي حياتي التي تعودت عليها، وهذا بالضبط ماكنت أشرحه في الفقرة السابقة، لقد تحولت افكارك الى عادات لم تعد تقدر على التخلص منها، والخطوة الأولى في التجديد هي أن تغيرّ طريقة تفكيرك، أن تفرض عليه قيدًا حديديًا كي لا يسرح ويمرح على مزاجه الأحمق، أن تراقب أفكارك جيدا هذه المرة كي تكتب الرسالة المناسبة كي يفهم عقلك أن هناك رسالة جديدة في بريده، إن عقلك ما زال نائما في رسالة واحدة لم تتغير منذ سنين، هي ما الجديد في هذه السنة إنها مثل كل سنة، ولكن ما لا تعرفه أنك أنت لست مثل كل سنة، أنت تخسر عمرك مع كل سنة أنت تخسر وقتك الذي لن يتكرر مرة أخرى، لقد تحول عقلك الى عدو خبيث ينام في تفاصيلك، ويساعدك على الفشل لأنك أنت السببّ، أنت القديم، أنت الباهت، أنت المنهك والمتعب والموجوع، أنت من نسيت نفسك حتى تحولت الى خراب جميل تقف كل يوم على أطلاله وتقول في نفسك : يا رب لما يحدث لي هذا ...؟؟
سنة جديدة ولكن ماذا عنك أنت، هل ستصبح جديد أم ستظل أسير أوهامك وأحلامك وفشلك، هل ستجرب أن تتغير ولو مرة أم ستبقى مسجونًا في كرسيّ مدولب أخترعه عقلك كي يبرر فشلك وعجزك، قالوا سابقا إن الاعاقة الحقيقية ليست في الجسد إنما في عقلك، حين يؤمن عقلك أنك عاجز فستصبح مشلولا لا يستطيع أن يقف على قدميه، وحين يؤمن عقلك أنك قادر على فعل هذا فستفعلها رغمًا عن الجميع، إن الله لم يخلقك عبثًا ولم يباهي ملائكته بك عبثًا ولم يسخر لك كل المخلوقات لخدمتك عبثًا أنت المعجزة الفريدة التي خلقها الله، أنت معجزة تمشي على قدمين، أنت نعم .. أنت معجزة ولكن عقلك لم يفهم هذا حتى اليوم ..؟؟
وتحسبّ نفسك جرمّ صغير
وفيك انطوى العالم الأكبر
على حافة السنة الجديدة
لا شيء جديد
إن لم يراه عقلك جديد
أنت مثل ما أنت
قديم يعيش على حلم التجديد
يحلم بحرية العباد والبلاد
ويظن نفسه عنترة بن شداد
وهو مقيدّ بسلاسل الفشل مثل العبيد
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net