أشرف هاني الياس في مقاله:
إيران جمهورية دينية والسعودية مملكة دينية، وكلاهما يقولان إن الرب بجانبهما وأن قوة إلاهية تنتقم لهم
هذا الموقف الايراني من اعدام المرجع الشيعي لم يكن السبب الاساسي والمفاجئ الذي قطعت السعودية العلاقات مع ايران على خلفيته
تخوض اليوم القوات العسكرية الشيعية الرئيسية في الشرق الاوسط وحلفاؤهم من الميليشيات الشيعية حرباً دموية في سوريا
الشيعة الأقلية الدينية في العالم الإسلامي حزب الله ونظام الأسد وبغداد وطهران- يرون في داعش تهديداً مميتاً
تركيا وإسرائيل في حاجة إلى بعضهما البعض في منطقة الشرق الأوسط وبذلك تكون هذه التصريحات في مثل هذا الوقت بمثابة مفاجأة سياسية وعسكرية من العيار الثقيل
صراع طويل ظل قائم بين السعودية وإيران وحلفاؤهم حول النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، لكن ذلك الصراع بقي دائراً على مسارح دول أخرى وعلى حساب شعوبها، توجد فيها جهات تدعم السعودية وأخرى تدعم إيران، نحن هنا لا نتحدث فقط عن خصمين مختلفين طائفياً وإنما أيضاً إلى حكومتين مختلفتين دينيًا وعقائديًا، إيران جمهورية دينية والسعودية مملكة دينية، وكلاهما يقولان إن الرب بجانبهما وأن قوة إلاهية تنتقم لهم، بالرغم من مسؤوليتهم المباشرة تجاه هذه الفوضى الدينية الدموية في الشرق الأوسط.
المتابع للساحة السياسية والتطورات الاخيرة التي تزامنت مع قيام المملكة العربية السعودية يوم السبت الثاني من الكانون الثاني، بإصدار حكم الاعدام على 47 شخصاً بشبهة الانخراط بالجماعات الإرهابية، إذ تضمنت القائمة إحدى الشخصيات المحورية والمركزية للطائفة الشيعية في الشرق الاوسط وهو الشيخ نمر النمر، إضافة لبعض النشطاء السعوديين ذو المذهب الشيعي، هذا وقد أبدت إيران امتعاضها من هذا الحكم من خلال عدة تصريحات قوية موجهة للمملكة السعودية، ومنها ما جاء على لسان المرشد الاعلى آية الله على خامنئني بأن "الانتقام الإلهي سيطال النظام السعودي" مما سبب بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
إن خطاب المرشد العام والتصريحات المختلفة وشاكلتها ساهمت في شحن الإيرانيين الغاضبين من تنفيذ حكم الإعدام بحق مرجعية شيعية مهمة، أدى في النهاية إلى تعرض السفارة والقنصلية السعودية في طهران الى الاعتداءات والانتهاكات، فإن إعلان تنفيذ حكم الإعدام بحق 47 شخصا وصفتهم السعودية بأصحاب الأفكار المتشددة والتكفيرية من بينهم رجل الدين الشيعي الشيخ نمر باقر النمر، قرار يحمل في طياته نقاط بالغة الأهمية، فإن الدلائل تشير الى أن هذا الموقف الايراني من اعدام المرجع الشيعي لم يكن السبب الاساسي والمفاجئ الذي قطعت السعودية العلاقات مع ايران على خلفيته، فلا يخفى على السعوديين أن تنفيذ حكم الإعدام سيُثير حفيظة الإيرانيين بشكل أو بآخر وستكون هنالك ردود فعل قاسية ، لذا فأن الإعلان عن تنفيذ هذه الإعدامات في هذا التوقيت يعتبر استفزاز سعودي لردود أفعال الإيرانيين الحادة، التي ستمكنهم من اتخاذ إجراء قطع العلاقات الدبلوماسية تحت مبرر وغطاء قوي.
تخوض اليوم القوات العسكرية الشيعية الرئيسية في الشرق الاوسط وحلفاؤهم من الميليشيات الشيعية حرباً دموية في سوريا، فإن الشيعة الأقلية الدينية في العالم الإسلامي ، حزب الله ونظام الأسد وبغداد وطهران- يرون في داعش تهديداً مميتاً، ويرغبون في قتال هذا الوحش الكاسر وتدميره ، فالمجهود الحربي الإيراني يفوز بدعم من الولايات المتحدة في العراق، ودعماً من قبل روسيا في سوريا ، هذا التدخل للمحور الشيعي في القتال في سوريا دعماً لنظام بشار الاسد زاد من حدة الصراع والشقاق بين الغريمين الايراني والسعودي وتصفية الحسابات السابقة بدءً بفشل السعودية بالسيطرة على سدة الحكم والرئاسة في لبنان بسبب هيمنة حزب الله الارهابي نفوذه وسيطرته الامنية على الساحة اللبنانية، والتدخل الايراني في الشأن الخليجي الداخلي لا سيما في اليمن والبحرين ، والإجراءات السعودية المقابلة لهذه التدخلات وصلت ذروتها من خلال مواجهة عسكرية مباشرة مع وكلاء إيران في اليمن أي الحوثيين ، وقيام السعودية بدعم الفصائل السورية السنية المسلحة في سوريا القريبة من المملكة أمام التمدد الإيراني والشيعي على الأراضي السورية، فإن عملية الاعدام التي نفذت وشملت قادة ورجالات دين شيعية مع مجموعة من الإرهابين السنة ، تعتبر رسالة واضحة وصريحة ولا شك فيها من قبل المملكة السعودية بوضع تلك المنظمات سوياً في خانة واحدة أشاره منها بأنها ستتلقى المصير والرد ذاته.
المتابع لتصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في الايام الاخيرة التي تتحدث عن ان اسرائيل تتعرض لخطر الراديكالية الإسلامية من قبل تياري السنة والشيعة ، جاءت هذه التصريحات نتيجة المعادلة الجديدة في الشرق الاوسط الجديد والقاسم المشترك بين الرياض واورشليم، ووجهة النظر السياسية المتماثلة التي تشاطر فيه المملكة السعودية حكومة اسرائيل، حول طبيعة الاعداء ومنابع الخطر التي تهدد استقرارهم وآمنهم وبذلك تكون الرؤية السعودية بشأن الارهاب السني والشيعي متطابقة مع الرؤية الاسرائيلية الشاملة بشأن الوضع الجديد بالمنطقة، تزامن ذلك ايضاً مع تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للصحفيين لدى عودته من زيارة للسعودية الأسبوع الماضي إن تركيا وإسرائيل في حاجة إلى بعضهما البعض في منطقة الشرق الأوسط، وبذلك تكون هذه التصريحات في مثل هذا الوقت بمثابة مفاجأة سياسية وعسكرية من العيار الثقيل بعد خمس سنوات من القطيعة الظاهرية بين البلدين إثر اقتحام جنود جيش الدفاع الاسرائيلي سفينة "مرمرة" التركية.
للمرة الأولى في تاريخ الدبلوماسية الإسرائيلية أعلن المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد أن "المملكة العربية السعودية هي حليف لإسرائيل"، هذا الاعلان تزامن مع التفاهم والتقارب الاسرائيلي السعودي من الموقف الرافض للملف النووي الايراني ، والرؤية المشتركة والمتماثلة في محاربة الارهاب، وتليها تصريحات اردوغان حول التقارب من إسرائيل، هذه النقاط كلها تشير بشكل واضح عن أنشاء محور إسرائيلي-سني جديد في الشرق الاوسط بين تركيا واسرائيل و السعودية في مواجهة قوى سنية وشيعية ، تتمثل بإيران وسوريا وحزب الله والعراق ، تحت اشراف ودعم الولايات المتحدة وروسيا.
في هذه الاثناء تدرس أيران امكانيات الرد، بالرغم من أنه محدود، إذ إن إيران لن تقدم على تنفيذ أي هجوم عسكري ضد السعودية بأي شكل من الاشكال، في المقابل تعتبر ايران بأن توجيه ضربة عسكرية محدودة ضد إسرائيل من خلال حزب الله الارهابي تحت حجة الانتقام من تصفية الارهابي سمير القنطار، هو بشكل غير مباشر يعتبر الرد الايراني على انشاء المحور الجديد في الشرق الأوسط بين اسرائيل وتركيا والسعودية.
شفاعمرو
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net