عثمان ميرغني:
الانتقادات للسلطات البلجيكية لا تتعلق بالفشل في حراسة المطار أو محطة المترو، فالحقيقة المسلّم بها، أنه لا حماية مطلقة من الإرهاب
الغرض من الانتقادات الموجهة لبلجيكا اليوم ليس النيل منها أو التشفي فيها، بل التأكيد على أهمية جمع المعلومات الأمنية وتبادلها في إطار الحرب ضد الإرهاب
لو واجه أي بلد عربي الانتقادات التي وجهت إلى بلجيكا بعد تفجيرات بروكسل، لسمعنا شكاوى لا تنقطع عن نظرية المؤامرة، وعن الاستهداف للدولة، ومحاولة الإضرار بسمعتها واستقرارها. لكن طبيعة الحرب ضد الإرهاب تقتضي إثارة الأسئلة، والبحث عن أي ثقوب في الإجراءات الأمنية لسدها، لأن الإرهابيين يبحثون دائمًا عن الأهداف السهلة، ويستغلون أي ثغرة في إجراءات الأمن للتسلل منها، ولأن أي فشل أمني قد يؤدي إلى كارثة مباشرة أو بعد حين.
العالم أعلن عن تضامنه مع بلجيكا بعد التفجيرات التي أوقعت 34 قتيلاً ومئات الجرحى قبل يومين، لكن في الوقت ذاته سمعنا سيلاً من الانتقادات والأسئلة حول ما اعتبر فشلاً أمنيًا، خصوصًا أن البلد كان في حالة تأهب قصوى منذ العام الماضي وبشكل خاص بعد هجمات باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. فقد توصلت التحقيقات آنذاك وفي وقت وجيز إلى أن منفذي الهجمات يرتبطون ارتباطًا وثيقًا بخلية «داعشية» مركزها في بروكسل، فالعقل المدبر عبد الحكيم أباعود (29 عامًا) عاش في حي مولينبيك بالعاصمة البلجيكية، وهو الحي ذاته الذي ترعرع فيه قائد عملية باريس صلاح عبد السلام (26 عامًا) واعتقل فيه قبل أيام، كما يرتبط به كثير ممن شاركوا أخيرا في عمليات إرهابية أو ذهبوا للقتال مع «داعش» في سوريا والعراق، أو أخيرا في ليبيا.
بعض الخبراء أشاروا في تقارير منشورة إلى أن الشرطة الفيدرالية البلجيكية لديها قائمة بأسماء 670 شخصًا ذهبوا للقتال في سوريا والعراق وليبيا، وكثير من هؤلاء من ذوي الأصول المغاربية. إلا أن هناك من يعتبر أن العدد أكبر من ذلك لأن بلجيكا قياسًا إلى عدد سكانها تعتبر أكبر مصدر للدواعش الأوروبيين، وفي كل الأحوال فإن الخطر منها وعليها كان واضحًا للعيان، وبات مسألة وقت لا غير بعد هجمات باريس واتضاح حجم الارتباط بين منفذيها وبين حي مولينبيك، وكذلك بعد اكتشاف كمية من الأسلحة والمتفجرات في مداهمات أمنية قامت بها أجهزة الأمن البلجيكية.
الانتقادات للسلطات البلجيكية لا تتعلق بالفشل في حراسة المطار أو محطة المترو، فالحقيقة المسلّم بها، أنه لا حماية مطلقة من الإرهاب، لأن الإرهابيين يستهدفون في جل هجماتهم المدنيين الأبرياء، ويختارون أهدافا سهلة تصعب حمايتها. ففي المطار اختار الإرهابيون تنفيذ عمليتهم في صالة المغادرة المكتظة بالمسافرين، وقبل عبور نقاط التفتيش الأمنية للمسافرين وحقائبهم. أما في محطة المترو فقد كان الإرهابيون يعرفون أنها هدف سهل لأنه يصعب على أي بلد حماية كل مكان عام، وكل وسيلة نقل. لهذا فإن الانتقادات كانت موجهة إلى الفشل في الجانب الأمني الاستخباراتي الذي يعتبر الأهم في حرب الإرهاب اليوم، خصوصًا في الشق المتعلق بجمع وتبادل المعلومات، والرقابة الأمنية غير المرئية، بهدف منع الهجمات قبل وقوعها، وتفكيك الشبكات الإرهابية قبل أن تضرب. فبلجيكا من هذا المنطلق فشلت في رصد وتفكيك الخلايا التي لعبت الدور الأساسي في هجمات نوفمبر الماضي في باريس، قبل أن تضرب بروكسل. إضافة إلى ذلك فإنها انتقدت للتقصير في تبادل المعلومات الاستخباراتية، إذ إن صلاح عبد السلام لم يكن لفترة طويلة على ما يبدو في قائمة البيانات الأمنية الأوروبية للمطلوبين والمشتبه فيهم. فقد اعتقلته الشرطة الهولندية في فبراير (شباط) 2015 بعد العثور على كمية من الحشيش في سيارته، لكنها أطلقت سراحه لاحقًا لأنها لم تكن تعرف بخطورته ولم تكن لديها أي معلومات عنه في سجل المعلومات المتبادلة بين الدول الأوروبية.
الغرض من الانتقادات الموجهة لبلجيكا اليوم ليس النيل منها أو التشفي فيها، بل التأكيد على أهمية جمع المعلومات الأمنية وتبادلها في إطار الحرب ضد الإرهاب. وفي هذا الصدد كان جيل دو كيرشوف منسق الاتحاد الأوروبي لشؤون مكافحة الإرهاب، قد حذر قبل أشهر من أن «تبادل المعلومات لا يرقى لمستوى التهديد الإرهابي»، مشيرًا إلى أن خطر تنظيم داعش يتزايد بعد الهزائم التي تلقاها في سوريا والعراق مما قد يدفعه إلى تنفيذ عمليات إرهابية في أوروبا على غرار هجمات باريس.
الواقع أن التهديد المتزايد لا يخص أوروبا أو الغرب فحسب، فهو يضرب في كل مكان؛ من تركيا إلى سوريا والعراق، ومن مصر إلى ليبيا، ومن اليمن والصومال إلى مالي ونيجيريا، والهدف التالي بعد بروكسل يمكن أن يكون في أي عاصمة أو مدينة في أي ركن من العالم. زيادة التعاون والتنسيق بين دول العالم في الحرب ضد الإرهاب، أمر لا مفر منه، ليس في العمليات العسكرية ضد بؤر التطرف فحسب، بل بتعزيز تبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية باعتبارها خط الدفاع الأول ضد الإرهابيين.
*نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net