سليم سبلامة في مقاله:
لم يولَد الإرهاب من فراغ، لا من الحائط ولا من إصبع جوبيتر
لإرهاب الداعشي هو إرهاب سياسي. هذه هويته الحقيقية
ل يمكن للطبيب أن يصف الدواء الشافي إذا كان تشخيصه غير صحيح وغير سليم؟
ليس سهلاً أن تقف في وجه تيار الليبرالية المهيمن، القابض على كل الأنفاس والمسامات... رغم أنك تعرف، يقيناً، أن ما يردده "الليبراليون" في كل مكان، والمحليون بينهم، من فائض إنسانية وأخلاقيات، هو تيار مجروف بقوة ضدّية أحياناً، هي عكس طبيتعهم وتكوينهم، واقعهم وآمالهم. ومع ذلك: لم يبدأ التاريخ في بروكسل قبل أيام، ولا في باريس قبل أشهر ولا في نيويورك قبل سنوات.
لم يولَد الإرهاب من فراغ، لا من الحائط ولا من إصبع جوبيتر. مرفوض أي تشفٍّ جهور، أو غمز صامت خجول، في مثل هذه الحالة. مرفوض، بكل الدوافع ومن كل المنطلقات التي تقيم للإنسان وحياته وزناً وقيمةً، هي الأولى وهي الأساس. نعم، نحن مع الغاضبين على قتل ناس أبرياء، مع المحزونين على فقدان أية حياة وعلى إصابة أي إنسان بضرر.
ومرفوض، أيضا، أي شتمٍ للذات، فرداً وجماعة، في مثل هذه الحالة. مرفوض، بكل الدوافع ومن كل المنطلقات ذاتها! الإرهاب الداعشي، وقبله "القاعدي"، وقبله "الـ...."، وبعده "الـ..."، ومهما اختلفت مسمياته، مواقعه وممارساته، هو: مش "إرهاب عربي" (ألم يَطل عرباً؟) ولا "إرهاب إسلامي" (ألم يطل مسلمين؟)، حتى لو ردد ذلك كل وسائل الإعلام في العالم، من تلفزيونات وفضائيات وصحف ومجلات و.......، وحتى لو لحّن ذلك كل معلّقي الدنيا ومحلّليها، من تسفي يحزقيلِهم إلى إيهود يعريهِم، من سلفهم إلى خلفهم! الإرهاب الداعشي هو إرهاب سياسي. هذه هويته الحقيقية. ليست له هوية قومية ولا دينية، مهما كانت هوية أصحابه ومنفذيه، القومية والدينية!
الإرهاب الداعشي هو إرهاب سياسي. هو الشكل الحديث، تنظيما وأساليب، طرائق وإمكانيات، للإرهاب السياسي، على امتداد تاريخ البشرية، منذ فجر نشأتها وحتى اليوم، مرورا بما يذكّرنا به البعض من إرهاب في عصر الجاهلية وفجر الإسلام، ثم ما تلاهما أيضا!
هذا الإرهاب الداعشي الحالي هو وليدُ إرهاب الأنظمة والحكّام المحليين، من الطغاة إلى الوشاة. لكن هؤلاء لم يولدوا من الحائط ولا من إصبع جوبتر، كما تعلمون. إنهم وليدُ إرهاب الاحتلال والاستعمار، إرهاب السوق الحرة وقيمها الاستهلاكية، إرهاب الشركات العابرة للقوميات... إرهاب الرأسمال المتوحّش الذي لا يرى أي حدود ولا يسمع أي استغاثة! هل في كل هذا ما يحررنا من أي من مسؤولياتنا، على تعددها واختلافها؟؟... كلا، قاطعة! ولكن، هل يمكن للطبيب أن يصف الدواء الشافي إذا كان تشخيصه غير صحيح وغير سليم؟؟...
هذا هو الأساس! لا أقصد أن يكون هذا درساً في التاريخ، ولو مختصراً. تختلف أسباب الإرهاب، مسبباته ومنابعه، باختلاف الحقب والظروف. لكنه يبقى، في كلها، إرهابا سياسياً ... يستطيع المعنيّ أن يقرأ صفحاته الدموية في كل كتاب و... وراء كل باب!
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net