الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 13 / نوفمبر 00:02

قمة الحقيقة/ بقلم: سمير عطا الله

كل العرب
نُشر: 06/04/16 08:28,  حُتلن: 08:29

سمير عطا الله في مقاله:

الحرب بين العمل والثرثرة ليست سهلة طبعًا فقد اعتدنا أن ننتشي بالرنين المخدّر بل لم نعد نميّز بين الخدر الخادع ووقائع الحياة برغم كل ما نشاهده كل يوم

يقوم بزيارة مصر اليوم رجل لم يعرف في حياته سوى العمل وجاء سلمان بن عبد العزيز إلى المُلك بعد تجربة من خمسين عامًا لا مثيل لها في العالم العربي ففي كنَفِه تحوّلت الرياض من بلدة متوسطة إلى مدينة من خمسة ملايين بشري

تحمل إحدى روايات نجيب محفوظ عنوانًا تعبيريًا مقتضبًا كعادته في اختيار المداخل إلى أعماله، هي «ثرثرة فوق النيل». ولم تصدر روايات أخرى عن ثرثراتنا فوق دجلة والفرات وبردى ونهر بيروت، وعموم البحار والجبال والجداول. لقد انقسمنا بعد مرحلة الاستقلال، إلى عَرَبين: عرب العمل وعرب الكلام. وعندما نشاهد اليوم، وكل يوم، ما نشاهده على الشاشات من أطفال ونساء ورجال عجّزٍ ومحمولين في عربات خشبية، تائهين في قلب أوطانهم، أو على أطراف أوطان الآخرين، يملأون البر والبحر جوعًا وأسى وحزنًا ويأسًا وذلًا وهوانًا – فإنما كل هذا نتاج الثرثرات التي لم تزرع قمحًا ولم تخبز رغيفًا ولم تُقم مصنعًا ولم تحقق تطورًا. لم تردَّ الفاقة والعَوَز عن الملايين الذين لم تُقدم لهم شيئًا سوى الكلمات الكبيرة وطبخات الحصى والوعود الكاذبة.

يقوم بزيارة مصر اليوم رجل لم يعرف في حياته سوى العمل. جاء سلمان بن عبد العزيز إلى المُلك بعد تجربة من خمسين عامًا لا مثيل لها في العالم العربي. ففي كنَفِه تحوّلت الرياض من بلدة متوسطة إلى مدينة من خمسة ملايين بشري. وفي عام واحد، تغيّر معه الوضع السياسي في العالم العربي، من الانكفاء والتراجع والخوف إلى الثبات والصمود والرد عن حقوق العرب. ومنذ اللحظة الأولى كانت خياراته أميرًا - خياراته ملكًا. وفي طليعتها الحرص على موقع مصر في العالم العربي، وعلى الشراكة الكاملة معها في السراء والضراء. ومصر بالنسبة إليه، ليست همًا يُثار في زيارة رسمية، بل كانت دائمًا همًا يوميًا لقناعته بأنها حجر الزاوية في بناء الأمة.

تتجاوز الزيارة العلاقات الثنائية بين الدولتين الكبريين. ففي هدوء معتاد، يبذل الملك سلمان كل جهوده الدبلوماسية من أجل تحصين مصر ورد الخصومات عنها. والمؤسف، كما قلنا أمس ونكرر، أن مصر محاصرة من جوانب كثيرة. أكثرها مرارة بالطبع الجانب الداخلي، ولا يقل عنه أهمية الموقف التركي وامتداداته. ولا الخطر الجديد القادم من إثيوبيا، حيث تواجه مصر للمرة الأولى منذ وجودها، خطرًا آتيًا من صوب النيل الذي هو رئتها وقلبها.

يستطيع أي واحد منا أن يتخيّل عدد ونوع القضايا المطروحة في قمة القاهرة اليوم. وأي واحد منا يدرك أيضًا أن الملك سلمان يمثل في القمة هموم مصر بقدر ما يمثلها الرئيس عبد الفتاح السيسي. وإذا كانت تلك الهموم كثيرة اليوم، فإن الحل ليس بالاستسلام، وإنما بالتصدي لها في شراكة يقدم كل فريق منهما طاقاته وقدراته من أجل وقف هذا التدهور الحاصل في أنحاء المنطقة.

الحرب بين العمل والثرثرة ليست سهلة طبعًا. فقد اعتدنا أن ننتشي بالرنين المخدّر. بل لم نعد نميّز بين الخدر الخادع ووقائع الحياة برغم كل ما نشاهده كل يوم، وبالرغم ما ننزف من دماء ونهدر من أرواح ومن وقت ومن مستقبل، غير أن قمة القاهرة مفترق تاريخي على الطريق. أكثر ما يميّزه هو سرعة الإنجاز عند رجلين حقّقا في فترة قصيرة وقف الانزلاق السريع نحو الضعف والوهن.

نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة

.