إستيقظت مساء يوم السّبت بعد قيلولة لأدرك أنّ لديّ نصف ساعة كي لا أتأخّر عن موعد بداية مسرحيّة "بلد المفاقيع" في مسرح الكرمة. قصدّت غرفة زوجتي لكي أسألها إن بإمكتنها مرافقتي لأجدها نائمة ويبدو عليها أنّها في الحلم السابع. إبتلعت نصف منقوشة من خبز إمّي ، وضعت عليّ ما وجدتة من ثياب مرميّة فوق الخزانة، دخلت التويوتا وقصدت قاعة المسرح . وصلت إلى المسرح لأجد الممثّل سليم ضو في نقاش مع زميله الممثّل مكرم خوري ، سلّمت عليهم بخطوات سريعة كي لا أقاطع حديثهم ، دخلت القاعة ووجدت لي مقعد بين المتفرّجين.
مسرحيّة بلد المفاقيع هي مسرحيّة كوميديّة مأخوذة من التراث الفرنسيّ ، وكما فهمت من الممثّل ميلاد مطر أنّ كاتب المسرحيّة قد قرّر أن يبقى مجهولا. المسرحيّة من إعداد وإخراج سليم ضو، موسيقى حبيب شحادة حنّا، ديكور ملابس أشرف حنّا، إضاءة عنان أبو حاطوم، طاقم تقني عنان أبو حاطوم وإلياس رشيد . ممثّلون ، ميساء خميس عمّوري ، ميلاد مطر ، إياد شيتي ، خالد عوّاد ، لبنى بقاعي وصبحي حصري.
تحكي المسرحيّة قصّة محامي مكّار. يتباهى المحامي أمام زوجته بمدى مكره وقدرته على الإحتيال، ويوعدها بأنه سيحضر لها قماش من بائع الأقمشة. يذهب إلى بائع الأقمشة ويتحايل عليه ، يأخذ القماش ولا يدفع له أي شيء بل يوعده بالوعود الكاذبة. يأتيه بائع القماش مطالبا بحقّه لكن المحامي يخدعه ثانية. تنقلنا المسرحيّة من إحتيال لإحتيال، حيث الشخصيّة الصّريحة الوحيدة هي شخصية بائع الأقمشة ، والكلّ يحتال عليه. أما في النّهاية فيأتي عامل بسيط ويحتال على المحامي والقاضي والجّميع.
المسرحيّة تصف حالة مجتمع فاسد، مجتمع تحكم به القوّة والخداع، مجتمع فقد قيم الصّراحة والكرامة والإنصاف بالتعامل مع الأخر. ممّا يجعل المسرحيّة متناسقة مع ما يحدث هنا في هذه الدّولة التي تثبت لنا أكثر وأكثر إنّها في حالة فقدان لقيم الإنصاف، الصّدق والصّراحة. فالشّركات التّجاريّة الضّحمة تخدعنا من أجل شاقل هنا وشاقل هناك، وصاحب العصا هو صاحب المقولة . من ناحية أخرى فهذا هو قانون الطّبيعة وبقاء الأقوياء على حساب الضعفاء، الأغنياء على حساب الفقراء. في هذا النّساق فإنّ المسرحيّة تسلطّ الضّوء على هذا الجّانب من أطباع البشريّة، وتأخذنا ألى عالم مبالغ به، إلى عالم كوميدي مليء بالسخرية والحكم المخفيّة.
التمثيل في المسرحيّة كان ممتاز ومليء بالنّهفات الكوميديّة الحركيّة والكلاميّة التي تزرع الإبتسامة على وجه المشاهد وكأنة ألتهم حبّة من الشوكولاطة أو شم زهرة برقوق ربيعيّة. وعليّ أن أذكر أنّ دور زوجة المحامي والتي أدّته الممثّلة ميساء خميس عمّوري ، كان دورا رائعا ويتجسّد بالأمرأة السّاجذة التي تؤيّد زوجها مع أنّه غدّار وكذّاب، بعيدا جدّا عن الفيمينيزم.
الفلسفة الوجوديّة تتكلّم عن الخداع كوسيلة للهروب من مواجهة الواقع. كلّنا في عمليّة بحث لا نهائيّة عن الحقيقة، ففي نهاية المطاف علمان الحقيقة هو ما يأخذنا ألى إتّخاذ القرارات النّاجحة، ولذالك نذهب المدارس والجّامعات، نقرأ الكّتب ونشاهد الأفلام والمسرح.
ها أنا الآن أجلس أمام الحاسوب، أرشف من السيجارة حيث طعمة الشّاي لا تزال تداعب شفتاي وأقول لكم ولنفسي " إن تخدع فسوف يأتي من يخدعك في النّهاية ".
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net