في خطابه الشهير في الكنيست عشية الحرب الاخيرة على لبنان, اعلن اولمرت بأن الهدف الرئيسي من خوض الحرب هو ارجاع المخطوفين جولدفاسر ورجب, وابعاد حزب الله عن الشريط الحدودي واضعاف قوته
مع ان الاهداف الحقيقية للحرب كانت ستة اهداف بحسب هيئة الاركان العامة, ولم يتصدرها ارجاع الجنديين او يكون هدفا رئيسيا منها
اما حزب الله فاعلن على لسان امينه العام سماحة السيد حسن نصر الله بانه لا توجد اي قوة في العالم تستطيع ارجاع الجنديين الاسيرين الا من خلال مفاوضات غير مباشرة وان حزب الله لن يتخلى عن سلاح المقاومة
وهذا ما جرى بعد سنتين من الحرب عبر "عملية الرضوان" والتي تم فيها تحرير عميد الاسرى العرب في السجون الاسرائيلية سمير القنطار, واربعة لبنانيين اسروا خلال الحرب
بالاضافة الى رفاث 199 مقاوم عربي تشمل دلال المغربي, مقابل جثتي الاسيرين الاسرائيلين
اما من الناحية العسكرية فحزب الله اصبح يمتلك ثلاثة اضعاف ما كان يملك قبل الحرب من صواريخ متطورة ومعدات عسكرية
لقد اثبت نصر الله مجددا انتصاره في معركة الوعي, المعركة الاهم في الصراع بين حزب الله واسرائيل والتي يبني عليها الطرفان لخوض الحرب القادمة
فالنصر الحقيقي في "عملية الرضوان" هو تبادل الادوار ما بين المواطن العربي المتذرع والمبرر لفشله بشتى النظريات الفلسفية, وما بين الاسرائيلي المسيطر على ارض الواقع
لهذه الحرب النفسية دلالات وتداعيات عدة على الاسرائيليين, بحيث افقدتهم المقومات الاساسية والمعنوية لبقاء دولتهم, وتمثل ذلك بـ:
- افتقاد الاسرائيلي للشعور بالامان, وانعدام الثقة بالقدرة على التحمل
فحرب الثلاثة وثلاثون يوما قد انهكتهم, وستون عاما من الاحتلال والارهاب لم تخضع شيخا او طفلا فلسطينيا
- انعدام الثقة بالحكومة الاسرائيلية ودوافع عملها, بينما اصبحت كل كلمة لنصر الله مصيرية تتعين عليها معنويات الاسرائيليين ووعيهم لواقع جديد
- انعدام الثقة بالجيش وقدرته على مواجهة المخاطر المحدقة به
- شعور بالهزيمة والخزي بعد "عملية الرضوان"
- الخوف من الرد والانتقام على اغتيال عماد مغنية
من جهة اخرى فقد كان للحرب الاخيرة و"عملية الرضوان" الاثر الاكبر في نفوس الامة العربية والاسلامية وكانت لها دلائل معنوية وعملية عدة:
- للمرة الاولى منذ قيام دولة اسرائيل لم يطالب العربي بحسن نوايا او عطف, بل فرض ارادته على المجتمع الدولي من منطلق حق وقوة
- استعادة المواطن العربي لثقته وقدرته على مواجهة الواقع وتغيير احداثه
- استطاع حزب الله تثبيت المجد والكرامة - اهم ميزات المواطن العربي, في نفوس مفتقديها
- بصيص الامل باستعادة الحق اصبح كضوء الشمس في ظهيرة 12 تموز
- الاحداث الاخيرة هي بمثابة ركيزة وقاعدة للنهضة العربية المرجوة من شعب قد ذاق امَر اصناف الذل والتفرقة
- تغير اساليب الحرب والمواجهة ضد مصلحة اسرائيل
لقد نجح نصر الله عبر صواريخه في حرب لبنان الاخيرة بنقل ساحة المعركة الى العمق الاسرائيلي مما كشف وهن الجبهة الداخلية, اما الان فهو ينقل الحرب النفسية الى اسرائيل ويضعها في موقع ترقب باعصاب مشدودة, خوفا من رد قاس على اغتيال مغنية
احتفاظه بالزمان والمكان والنوعية للرد على مقتل مغنية, يُمّكن نصر الله من تغيير قواعد اللعبة والتحكم باَلياتها, ليضع اسرائيل في حالة ترقب ودفاع عن النفس ريثما يقرر حزب الله الرد
مما حدا باسرائيل اطلاق الوعيد والتهديد بتنفيذ اغتيالات في صفوف الحزب على نمط اغتيال مغنية, لتغطية شد اعصابها وتوترها
وعلى الساحة الدولية, نجد ان حزب الله استطاع ان يستغل المستجدات والاحداث بالشكل المناسب لصالحه لتشكل مصدر دعم لمشروعه
بعد احداث 11 ايلول تغيرت الخارطة السياسية في العالم وظهرت قوى جديدة على الساحة الدولية لتشكل مصدر تهديد للمشروع الامريكي – الاسرائيلي على عكس مبتغاهم
فبعد سقوط بغداد العراق – حصن المقاومة والصمود, اختفى ايضا من وقف ضد المشروع الايراني والمد الشيعي, مما اتاح لايران بأن تعاظم قوتها وتشكل العمود الفقري الجديد لمشروع المقاومة وامتدادا للثورة الاسلامية في المنطقة
وعلى الصعيد العالمي هناك دلالات عدة تشير الى رغبة روسيا بكسر إحتكار الولايات المتحدة – الداعمة والراعية الاولى لاسرائيل, وانهاء السيطرة المنفردة على العالم لتعود روسيا قوة عظمى على الساحة الدولية تضاهي الولايات المتحدة في قوتها ونفوذها وتشكل تهديدا على مصالحها, لتوسع من نفوذها في المنطقة عبر سوريا وايران
وفي الدولة العبرية نستخلص القول بان زمن الجنرالات قد انتهى بعد شارون ولم يعد هناك من يخرج اسرائيل من محنتها الحالية, فالسياسيين العبريين الحاليين لا يمتلكون القدرات والادوات الكافية لمواجهة الواقع الجديد واستدراك مجرياته
إن اسرائيل لم تحظ بدعم عربي وعالمي كالذي حصلت عليه خلال حرب لبنان الاخيرة, فهي لم توفر من امكانياتها ومواردها لجعل حزب الله عدوا مشتركا لاسرائيل والدول العربية, بعد ان اسكرت الحكام العرب بالمنطق والوعي الاسرائيلي حول المد الشيعي, ليصبح كالسنونو في عش عقاب
لكن حزب الله لم يتصرف كالطيور المذعورة حين ترفع من طبقة صوتها لتتمكن من طلب النجدة وسط الخطروالضجيج, بل قام كالنسر يدافع عن نفسه ويقلق مضاجعهم في اَن واحد, حتى أحنت الجوارح رقابها مَذلة امام نصر الله, مما حدا باسرائيل التراجع والحكام العرب باعادة حساباتهم في منطقهم ووعيهم
اسرائيل كعقد اللؤلؤ الذي يفقد حباته واحدة تلو الاخرى
من الانسحاب الهزيل من لبنان 2000, مرورا بهزيمة لبنان 2006 وعملية الرضوان في 2008
احداث سريعة ومتتالية تظهر عجز الدولة العبرية عن كبح انزلاقاتها في الماَزق والقدرة على المواجهة
سمير القنطار نادى من جبل عبية بتحرير ما بعد مزارع شبعا وفي حزب الله بدؤوا بالتنظيم والتخطيط لما بعد بعد اسرائيل
واسرائيل تهدد وتتوعد بجولة قادمة لا تقل شدة عن سابقتها
لذلك سوف تكون الفترة القادمة مصيرية وحاسمة للطرفين ومليئة بالاعيب نفسية وسياسية, تمهيدا لحرب قاسية لا يكون فيها منتصر او مهزوم بل أكون او لا أكون