هاني المصري في مقاله:
المجالس البلدية المنتخبة ستكون عصية على الاحتلال أكثر من المجالس المعينة أو المنتهية مدتها
لبديل الأنسب لإسرائيل عن السلطة الحالية سلطة أو سلطات في كل مدينة ومنطقة تقبل تمامًا بما تطرحه وسقف ما تقدمه إسرائيل لا يتجاوز ما هو قائم الآن
أثارت تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان عن سياسة "العصا والجزرة"، وعن تحديد العلاقة الإسرائيلية مع السلطة الفلسطينية والتهديد بتجاوزها، ونسج علاقات مع شخصيات ومؤسسات فلسطينية مباشرة؛ التكهنات والتحليلات المتباينة. فهناك من ذهب إلى أن إسرائيل ضاقت ذرعًا بالسلطة بعد استنفاذ أغراضها، لدرجة حديث العديد من المسؤولين والوزراء الإسرائيليين عن عدم قدرة السلطة أو عدم رغبتها في تقديم المطلوب منها إسرائيليًا، وأن الرئيس محمود عباس يمارس إرهابًا ديبلوماسيًا، وأن مصيره لن يختلف عن مصير سلفه ياسر عرفات، فكل ما يهمه بقاؤه في السلطة، وأنه لن يقدم التنازلات المطلوبة المتبقية منه. كما وصل الأمر إلى المطالبة بحل السلطة، لأن بقاءها يجعل مسألة البحث عن حل سياسي مطروحة، وإسرائيل في عهد سيطرة اليمين الديني والسياسي لا تريد حلًا متفقًا عليه، وإنما فرض الحل الإسرائيلي.
وهناك من يرى، وهو الاتجاه الأكبر من الإسرائيليين، أن بقاء السلطة مصلحة إسرائيلية لا يمكن لإسرائيل أن تستغني عنها، وخاصة أن البديل عن السلطة سيطرة "حماس"، أو فصائل متشددة سلفية، أو غيرها، أو الفوضى التي ستوفر مناخًا مناسبًا لتصاعد المواجهة الفلسطينية - الإسرائيلية، ووضع الشعب الفلسطيني مباشرة في مواجهة الاحتلال، ما يجعل الاحتلال مكلفًا لإسرائيل، ويغير المعادلة القائمة منذ سنوات طويلة بأن الاحتلال مريح ومربح لها.
أعتقد أن الحقيقة يمكن إيجادها في المسافة الواقعة بين وجهتي النظر سالفتي الذكر، أي بين دعاة أن السلطة قد استنفدت دورها ويجب حلها أو استبدالها، والمطالبين باستمرارها، لأنها "دجاجة" تبيض ذهبًا لإسرائيل.
يتزايد الميل لدى الحكومة الإسرائيلية لممارسة ضغوط أكثر على السلطة، وربما تصل إلى السعي لفكها وإعادة تركيبها، في حال استمرت برفض استئناف المفاوضات بلا شروط، وعدم التكيف مع الحقائق القائمة التي فرضها الاحتلال، بما ينسجم مع متطلبات تنفيذ الأهداف التي تسعى إسرائيل لتحقيقها في ظل المعطيات الفلسطينية والإسرائيلية والعربية والإقليمية والدولية القائمة الآن.
لقد أصبح في الضفة الفلسطينية أكثر من 700 ألف مستوطن، وهناك مصادر متعددة تقول إن العدد وصل إلى 780 ألف، وأصبح المستوطنون والمتطرفون والمتدينون يتحكمون أكثر وأكثر بمقاليد الأمور في إسرائيل، وهم مرشحون للاستمرار في السلطة والتحكم بالقرار الإسرائيلي أكثر خلال السنوات الطويلة القادمة.
في ظل هذه الظروف، غيّرت إسرائيل من سياستها القائمة على إدارة الصراع، والمضي في خلق الحقائق الاستيطانية والعنصرية على الأرض، على أمل أن تفرض نفسها في أي حل تفاوضي يمكن التوصل إليه بين الطرفين عبر مفاوضات ثنائية، أو بضغوط خارجية دولية عليهما. واعتمدت سياسة جديدة تقوم على السعي لفرض الحل الإسرائيلي استفادة مما تعتبره بحق فرصة تاريخية نادرة ونموذجية لتحقيق أهداف إسرائيل التي لم تتحقق حتى الآن، وهي فرصة لن تستمر طويلًا، ولا يمكن الرهان على توفرها مرة أخرى.
تأسيسًا على ما سبق، نستطيع أن نفسر تزايد الدعوات لضم الضفة، أو مناطق (ج)، أو ما تسمى "الكتل الاستيطانية"، أو فرض القانون الإسرائيلي عليها. وهذه الدعوات لم تعد معزولة، بل تعبر عن الاتجاه المركزي الحاكم، لدرجة أن هناك مشاريع قوانين مطروحة على الكنيست تحمل هذه المضامين. كما نستطيع أن نفسر تزايد الدعوات لاستكمال تهويد القدس وأسرلتها، التي وصلت إلى حد تهيئة الأجواء للتقسيم الزماني والمكاني للأقصى، والتفكير الجدي بهدمه وبناء "هيكل سليمان" المزعوم بدلًا منه.
في هذا السياق، يمكن وضع التصريحات والضغوطات الإسرائيلية على السلطة، بما فيها تصريحات ليبرمان، لترويضها، وجعلها أكثر طواعية لتتعايش مع الواقع الجديد الذي تحاول أن تفرضه إسرائيل.
أما بالنسبة إلى الاتصالات المباشرة مع الشخصيات والمؤسسات، فهي سياسة قديمة جديدة تعتمدها حكومة نتنياهو بصورة أكبر من السابق تحسبًا لاستمرار ضعف السلطة التي فقدت شرعيتها ومصداقيتها وهيبتها، جراء أسباب كثيرة، أهمها فشل مشروع التسوية التي وضعت كل رهانها عليه.
فإسرائيل تخشى من احتمال انهيار السلطة، أو من سيطرة عناصر وقوى متشددة عليها، بما فيها "حماس" التي تعتبرها تُمارس إرهابًا عسكريًا، مع سعي إسرائيل المستمر والثابت لتوظيف الانقسام وتعميقه لصالحها وتحويله إلى انفصال دائم، واستنفاد الفرص لتعميمه، خصوصًا في ظل عدم اتضاح آلية انتقال السلطة بعد أبو مازن، بعد انتهاء مدته القانونية منذ خمس سنوات، وتجاوزه الثمانين من عمره، وفي ظل تعطيل المجلس التشريعي، وشلل مؤسسات المنظمة، وعدم اتضاح الرؤية فيمن سيخلف الرئيس وكيف، وسط محاولات خارجية من أطراف متعددة لصناعة الرئيس الفلسطيني القادم.
يمكن وضع التهديدات الإسرائيلية الأخيرة في سياق هذه المحاولات، فقيادة أبو مازن مقبولة، ولكن مطلوب منها أكثر، خصوصًا لجهة وضع آليات وترتيبات تضمن انتقالًا سلسلًا للسلطة في حال وفاة الرئيس، أو مرضه مرضًا يعيق ممارسة مهامه، أو استقالته.
إن الذين يحذرون من إمكانية أن تكون الانتخابات المحلية القادمة جزءًا من مؤامرة لكي تشكل هذه البلديات المنتخبة بديلًا من السلطة عليهم التريث، لأن المجالس البلدية المنتخبة ستكون عصية على الاحتلال أكثر من المجالس المعينة أو المنتهية مدتها. فالبديل الأنسب لإسرائيل عن السلطة الحالية سلطة أو سلطات في كل مدينة ومنطقة تقبل تمامًا بما تطرحه، وسقف ما تقدمه إسرائيل لا يتجاوز ما هو قائم الآن، أي معازل منفصلة عن بعضها البعض، تسيطر على السكان وليس الأرض في إطار حكم ذاتي، وتعميق فصل الضفة عن غزة، والسعي لتصفية القضية الفلسطينية أو تجميدها لأطول فترة ممكنة إن لم يكن للأبد، مستفيدة من الحريق العربي، ومن دعوات التطبيع العربية مع إسرائيل قبل انسحابها من الأراضي العربية المحتلة العام 1967 كما نصت على ذلك "مبادرة السلام العربية".
نقلاً عن معًا
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net